أقلام ثقافية

في حضرة الامير

يسري عبد الغنيلقد كان لاتصال أحمد شوقي بالقصر أو بمقر الحكم، واطلاعه على خفايا السياسة المصرية، ووجوده في تلك الفترة التي اشتد فيها الصراع بين الوطنيين والاحتلال الإنجليزي، ثم نفيه إلى أسبانيا، ثم عودته والثورة المصرية الشعبية سنة 1919 م، على أشدها، وما أعقبها من إعلان رفع الحماية عن مصر بتصريح 28 فبراير سنة 1922 م، كان لكل هذا أثر محسوس في شعره موضوعًا وعاطفة .

كان شوقي كثير الأسفار، وكان وثيق الصلة بالباب العالي أو الأستانة عاصمة الخلافة العثمانية بتركيا قبل أن تسقط الخلافة، وقد أفادته هذه الأسفار المتنوعة تجربة واسعة، وأطلعته على مناظر باهرة ساحرة، وعلى بيئات مختلفة للطبيعة والناس، نضيف إلى ذلك أن شوقي كان يجيد أكثر من لغة غير اللغة العربية، فقد كان يجيد التركية، والفرنسية، ويقرأ روائع آثارها كأهلها تمامًا، ولعل ذلك ما وسع آفاقه الشعرية، وأغنى رصيده الفني، وزاد أفقه وخياله، مما هيأه لأن يكون بحق شاعر العربية الأول في العصر الحديث .

وقد تصرف في جميع فنونه الشعرية بأصالة واقتدار قلما نعثر عليهما في مطالعتنا لعديد من الشعراء، ولذلك بهر معاصريه بخصب شاعريته، ورحابة أفقه، وعلو بيانه، وعارض عن بينة ومقدرة أدبية وفنية كبار شعراء اللغة العربية في أروع قصائدهم، فما تخلف عنهم، ولا شابت معارضته شائبة قصور أو ضعف .

كما أنه تأثر بالأدب الفرنسي، وأخذ منه ما أضاف جديدًا إلى الشعر العربي، وحذا حذو الشاعر الفرنسي / (فيكتور هوجو) في الموضوعات السياسية والوطنية، وفي التاريخ القومي، وأساطير القرون، كما حذا حذو الشاعر الفرنسي / (لافونتين) في الحكايات الخرافية، وإن كنا نؤكد هنا على تأثر (لافونتين) نفسه بحكايات كليلة ودمنة التي عربها الأديب والمترجم العباسي / عبد الله بن المقفع، ونؤكد أيضًا على أن (شوقي) قرأ هذه الحكايات قراءة واعية هاضمة، رغم نفيه ذلك لأسباب غير واضحة.

كما أنه حذا حذو الشعراء الفرنسيين الكبار / (كورني) و(راسين) و (موليير) في التمثيليات أو المسرحيات الشعرية التي كتبها شوقي .

ولكنه مع تأثره لكل هؤلاء في ألفاظه ومعانيه ـ ظلت شخصيته قوية محتفظة بأصاتها، مسيطرة على شعره، تلمس فيه روحه، وثقافته الواسعة العميقة، وخياله المجنح، وموسيقاه العذبة .

لقد ترك شوقي لنا ديوانًا ضخمًا من الشعر العربي البديع الجميل في أربع أجزاء كاملة، وبقى من شعره قر غير قليل لم ينشر في هذه الأجزاء الأربعة من ديوانه، وقد عكف الدكتور / محمد صبري السربوني على جمعه من قديم الصحف والمجلات، ونشره في مجلدين بعنوان: (الشوقيات المجهولة) .

كما أضاف شوقي إلى الشعر العربي جديدًا بمسرحياته الشعرية: (مصرع كليوباترا ) و(مجنون ليلى) و(قنبيز) و(على بك الكبير)، و(عنتره) . وله من التراث الشعري أيضًا (دول العرب وعظماء الإسلام )، وأما النثر فمن آثاره فيه كتاب (أسواق الذهب ) ومسرحية (أميرة الأندلس) .

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم