أقلام ثقافية

ثقفوا اطفالكم يرحمكم الله!!!

يسري عبد الغني- تنبّهت الشعوب المتقدمة الى أهمية تثقيف الطفل، واعتمدت على هذه الزاوية، وفهمت بأنها الطريق السليم، وربما الأوحد لبناء مجتمع مثقف، يتصدره المثقف العضوي الذي أسهب غرامش في تحديد مهامه وصفاته وقدرته على إحداث قفزات مهمة في حياة المجتمع، لذلك لا مناص من التوجّه الجاد لتعميد ثقافة الأطفال بالأفكار المحدثة التي لا تصطدم بثقافة الجذور، ولكنها في الوقت نفسه لا تكون أسيرة لها، فما يصلح في زمانك قد لا يصلح في زمن أطفالك .

لذا قد يكون التغيير الأهم في المجتمع الاسلامي عموما والعربي ومنه المجتمع المصري، يكمن في رعاية الاطفال والاهتمام الفعلي الجاد في تثقيفهم، ولابد من وضع أسس ثقافة الأطفال التي لا تبتعد عن ثقافة الأمة ولا تتخوف من الثقافات الاخرى، بل من المهم أن ندمج الثقافات الانسانية وصولا الى أسس الثقافة السليمة للأجيال الجديدة واللاحقة على حد سواء.

بطبيعة الحال ثمة أهمية لا يمكن إهمالها للثقافة العامة أو ما يمكن أن نطلق عليها ثقافة الكبار، ولكن عندما نبدأ بثقافة الأطفال، تقويما وتطويرا وترسيخا، فهذا يصب حتما في ثقافة المجتمع عموما، ولكن لابد من مراعاة المستجدات الثقافية الفكرية القادرة على مواكبة ما يحدث من جديد في العالم، فإذا كانت الحاجة للتنمية الثقافية العامة ضرورة ضاغطة وملحة، فإن تنمية ثقافة الطفل سوف تكون أكثر ضغطاً وإلحاحاً، ففي عمليات إنتاجها وإعادة إنتاجها تظهر سطوة الاتصالات الجبارة المهيمنة، وامتدادها إلى المعلوماتية التي ضاعفت تأثيرها سلباً، فليس هذا التأثير كله مستحباً ونافعاً، وما لم يرشّد استخدامهما معاً، فإن علائم الخطر كامنة وقابلة للظهور صاعقة ومدمرة للتكوين الإنساني النبيل ، فثمة وفرة في مخاطبة الطفل عبر وسائط ثقافية كانت غائبة أو مهملة قبل ذلك، كما هو الحال في انتشار مجلات الطفل وصحفه، وتخصيصه بقنوات اتصال يومية عبر القنوات الأرضية والفضائية، بل إنه ثمة قنوات اتصالية خاصة به، وفي غالبية قنوات البث الإذاعي المسموع، وفي نشر ثقافته الكترونياً عبر تقانة المعلومات المتطورة، كالإنترنت والكتاب الإلكتروني والثقافة الرقمية على وجه العموم، على أن نهوض ثقافة الأطفال يتبدى جلياً في ارتفاع الوعي بقضية ثقافة الأطفال بفنونها ووسائطها، نظرياً وتطبيقياً.

بيد أن هذا الإقرار بالنهوض الواضح لثقافة الطفل، يدعو إلى أهمية تطويره ومواجهة العقبات التي تحول دون انتشاره من أجل الحد من تفاقم مشكلاته القومية والتربوية والفنية والاتصالية، فتسعى هذه الأبحاث والمقالات، وما وسعتها المحاولة إلى ترشيد تجربة ثقافة الطفل العربي في الألفية الثالثة وتأصيلها في الثقافة العربية الحديثة، في آفاقها المختلفة.

وفي ظل هذا السيل الهائل من المعلومات، وهذا الانفتاح غير المحدود على الثقافات العالمية للأطفال أو الكبار على حد سواء، سوف يسهم هذا السيل المعلوماتي الجارف بصورة واضحة في البناء الثقافي للطفل ومن ثم للمجتمع كله، لذا ينبغي أن توضع الخطط الثقافية الكفيلة بتطوير ثقافة الطفل بما ينسجم مع المبادئ التي نؤمن بها ونستمدها من جذورنا الثقافية القابلة للتفاعل والتعاطي مع الثقافات الانسانية الاخرى.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم