أقلام ثقافية

البحتري الكذاب!!

صادق السامرائيديوان البحتري بجزأيه يزدحم بقصائد "قال يمدح"، فهو كالروبوت تحرِّكه رغبة الإستجداء من الذين يمتدحهم، فما أن يقف أمام أحدهم حتى ينهال عليه بأكاذيبه وتفاعلاته مع نفسيته، بما يرضيها وينرجسها ويضخمها إلى ما بعد الإنفجار.

فقصائده محشوة بالإطراءات المتخيلة من أجل أن يحصل على بعض العطايا.

ومن أكاذيبه الساطعة فيما يمتدح به المعتز، وهو الصبي دون العشرين، ويوهمه بأنه كل شيئ، ويعرف أنه دمية بيد الذين قتلوا أباه.

وعندما تقرأ قصائده تتعجب من الأمر، وتتساءل لماذا لم يغادر سامراء بعد مقتل المتوكل، ولماذا بقي يتلون بأكاذيبه ويمتدح حتى قاتل المتوكل، الذي نادمه طيلة فترة خلافته وكان من المقربين جدا إليه وكاد أن يُقتل معه، ولو كان مخلصا حقا وأمينا لأصابته الكآبة ولإنسحب من العامة وعاد إلى دياره.

لكن روح الإستجداء كانت فاعلة فيه، ويبدو أنه قد أدمن على حياة القصور والتفاعل مع الخلفاء، فما عاد قادرا على التوقف عن هذا السلوك المشين.

البعض يبرر له ويفند ويدافع، لكن الواقع يشير إلى أنه شاعر متسوّل متطفل بلا مبادئ ولا قيم ولا مواقف، همّه العطايا وما يغنمه من الآخرين، فهو تاجر وبضاعته الشعر الذي يوظفه للمديح وبه يتكسب ويعيش.

ولا يمكن مقارنة سلوكه نحو المتوكل بوفاء (محبوبة) التي أبَت أن تغني لغيره من بعده، وقد ضمها بغا إليه ورفضت أن تقول شيئا بحقه، وعندما أجبرها قالت: "أي عيشٍ يلذ لي...لا أرى فيه جعفرا"، فحبسها وماتت أو ربما قتلها.

وهذه أبيات من قصيدته التي يمدح فيها المنتصر لله الذي تآمر على قتل أبيه المتوكل:

"حججنا البنية شكرا لما...حبانا الله في "المنتصر"، بقيت إمام الهدى للهدى...تجدد من نهجه ما دثر". 

البحتري وأمثاله لا يزالون فاعلين في واقع الكراسي ومؤثرين بسلوك الحكام، ولأنهم يوهمونهم بما ليس فيهم، عانت الأمة من الويلات وأصابتها التداعيات الجسام.

ويمضي الواقع على حاله، فما أكثر شعراء الكراسي وأقلامها وإعلامها، وما أشد وقع الأكاذيب على وعي الناس، حتى إختلطت الأمور وصار للأعداء مواقع شديدة التأثير في مصير البلاد والعباد.

وتلك من أعاجيب السلوك البشري السقيم!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم