أقلام ثقافية

عقيل العبود: الرؤية بحسب القرب والبعد

عقيل العبودجلس كعادته تؤرقه الأفكار، أحاط نفسه بفضاءات من الأسئلة والخيالات، إبتدأت المشاهد مثل أضواء رحلة ليلية، تتموج بين أرجائها الصور، غاص مع ذكريات عمره المديد، راح يشعر بشئ من التبصر، والتقصي كأنه ينتظر الحقبة المناسبة للوصول الى محطته المرتقبة.

حاول ان يحلق مع نفسه مثل طائر ينتقل من حي الى آخر، غاص صوب مديات لا حدود لها من الأزمنة.

تدافعت معه الأحداث، لعله يقدر ان يلتقط حلا لبعض الألغاز التي سرعان ما تناسلت مع بعضها مثل حبات قمح تناثرت في بُحْبُوحَة.

تركزت افكاره عند نقطة من البداية، فالقريب بات بعيدا عن المكان، وأضحى البعيد قريبًا مع الزمان، وبهذا تداخلت مفردة الزمان، مع المكان، وتلك عاقبة لها صلة بماضٍ بعيد.

أمست الأشياء، والمراسم تعترض نواياه وقراراته بعد ان تجاوز الستين، فهو بسبب حرصه على مرضاة من حوله، راح يجد نفسه أمام دوامة تعكر مزاجه، تعترض صفاء نفسه التي يسعى لأن يكون متوافقا معها.

فالوهم بات حقيقة حين تحول الزيف الى الصدق، في عصر تتخالف فيه النوايا، وتتقاطع فيه الأمنيات.

وعلى غراره أخلاقيات شتى تغيرت لتحل محلها اضداد أخرى كالتزوير، والافتراء، والنميمة ، والتضليل، وبذلك ارتدت المفاهيم الجميلة لباسا غير لباسها، وتغيرت لغة الفضيلة الى الرذيلة بموجب تلك المعادلة من المسميات.

فقد ساد (الموهم) ليكون هو المهيمن في عالم تتسارع، وتتداخل فيه الأفكار، ذلك ما يجعل الإنسان أمام معترك من الحواجز، والأوهام التي تحول بينه وبين ما يصبو اليه.

فالمنافق يصير قويا قياسا الى صاحب المبادئ، ويشغل المتملق مكانةً غير مكانته المستحقَة، ليطوَق بالاحترام، ويحترمُ من يرتدي لباس الكذب، وهكذا تقع المفاهيم فريسة للمصاديق.

وسر الكلام هو ان القرب، والبعد من الناس، والاشياء تشبه عملية الدنو، والشُطُون عن حافة بحر هائج، حيث لا يمكن اكتشاف المسافات المترامية من الزرقة الممتدة الا عن بَوْن.

ولهذا يصبح البعد قربًا، كونه به، اوعن طريقه يتاح للشخص ان يتمتع بإمكانية الإحاطة بلُجَّة اللامتناهي من الخلاء.

وهو اللغز الذي أدركه ذلك الجالس مع صمته بعد حين، ما آل به لأن يطوف بعيدا في منتجع تأملاته التي مكنته من الوصول الى نتائج عجز هو، ومن حذا حذوه عن إدراكها منذ حين مضى من العهد.

 

عقيل العبود/ سان دييغو كاليفورنيا

 

 

في المثقف اليوم