أقلام ثقافية

صادق السامرائي: هل رحم الله الكتاب؟!!

صادق السامرائيتساؤل يستوجب الوقوف عنده، ويطرح نفسه على البشرية جمعاء، التي دخلت عصر التواصل الإليكتروني وصارت رهينة لجهاز صغير يحمله الشخص في جيبه.

قبل بداية القرن الحادي والعشرين، كان الناس يحدّقون في الكتاب، فأينما تذهب، تجد مَن يحمل كتابا ويتصفحه، في القطار، والطائرة وسيارات النقل العام، ومقاعد الإنتظار.

وبعد أن أطل القرن الجديد، أصبح الناس يحدقون في (الموبايل)، حتى وهم يمشون أو يقودون السيارة، فما عاد للكتاب مكان ومعنى، فكل شيئ يمكن الحصول عليه عبر الشاشة الصغيرة، ومن مواقع مهيمنة على الوعي البشري وسالبة للبه وإهتماماته.

وخلال العقدين الماضيين تم إغلاق العديد من دور الكتب وأعلنت أشهرها إفلاسها، فما عادت ذات مردود إقتصادي مهم، أما دور النشر فلا يعنيها التسويق وإنما طباعة الكتاب وأخذ الأجر وكفى.

قبل أشهر فاجأني محل لبيع الكتب، كنت أمضي فيه وقتا كل أسبوع وأشتري منه كتبا، لكنه وبدون مقدمات أعلن الإفلاس والإغلاق.

يحثني العديد من الأخوة على تأليف الكتب، وأتردد في ذلك وأميل للكتاب الإليكتروني الذي هو أيضا أصابه الكساد، فالناس لا تقرأ الكلمات ويهمها الصور والمشاهدات الحية، فعيون البشرية تتابع الصور التي تغنيها عن قراءة الكلمات.

نحن في عالم لازلنا لم نستوعب متطلباته وآليات التفاعل معه، وأكثرنا جيل مخضرم يجمع بين قرنين مختلفين، والمقارنة بينهما لا يمكنها أن تكون راجحة.

ومن الصعب أن يتحقق حوار مثمر بين المخضرمين من الكتاب والأدباء والشعراء والفلاسفة والمثقفين والمهتمين بالمعرفة الإنسانية.

فكل شيئ قد تغير، وفقد الصلة بما سبقه من المعطيات والتفاعلات والأحداث!!

نحن نحاول التوهم بوجود علاقة ما بين العناصر والمفردات التي تفاعلت في القرن العشرين وما يجري في القرن الحادي والعشرين، الذي سبق العقول البشرية بمئات السنين، وما يتحقق لا يستوعبه عقل بشري منفرد، ولا يوجد عقل يحيط بما فيه.

وفي هذا الخضم الدفاق التيار لا يستطيع الكتاب الصمود والتفاعل مع موجوداته، فما يوضع في أي كتاب يفقد قيمته قبل أن يصدر، لطغيان الفيض المعلوماتي وغرقه في الطوفان المعرفي الذي لا يتوقف، ولن تبلع الأجيال ماءه، أو تقطع السماء مدرارها، فكل كتاب غارق في محيطات القرن الحادي والعشرين.

قد لايرى الكثيرون مثلما تقدم، لكن الكتاب يفقد قيمته ودوره في حياتنا، وتهيمن على وجودنا شاشة صغيرة تستجيب لطلباتنا ورغباتنا الفورية.

فهل يصح قول رحم الله الكتاب؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم