أقلام ثقافية

محمود محمد علي: جدل الفيلم المصري "ريش" (2)

محمود محمد عليكما أعربت الناقدة ماجدة خير الله عن استيائها الشديد من تصرف بعض الفنانين المصريين الساعات الماضية بعد مشاهدة فيلم ريش وانسحابهم من العرض الخاص له بمهرجان الجونة السينمائي دون استكمال الفيلم، إضافة لتسجيل موقف ضد الفيلم واتهامه أنه يسيء لسمعة مصر .وأوضحت قائلة إن الفنانين المصريين لديهم غالبيتهم ضعف في الثقافة السينمائية برغم أنه مفترض أن يكونوا أكثر تقبلا للفن المختلف وغير المعتاد، لأنه لولا هذا الاختلاف لما حدث أبدا تطور في السينما والموسيقى طيلة السنين الماضية .وأشارت الى أنه قد تكون هناك حملة ممنهجة ضد الفيلم ومهرجان الجونة بشكل عام، برغم أنه يعرض يوميا أفلاما سينمائي غاية في الروعة من جميع دول العالم، لكن للآسف لا تلقى حضورا كبيرا من الفنانين المصريين المتواجدين بالمهرجان، خاصة الأفلام الأجنبية منها باستثناء الفنانة سلوى محمد علي والفنانين أحمد مجدي وعلي قاسم، وباقي الفنانين لا يتواجدون في عروض الأفلام الأجنبية .

وأما الفنانة المصرية إلهام شاهين، فقالت إنها شاهدت فيلم "ريش"، ضمن فاعليات مهرجان الجونة السينمائي، موضحة لموقع تلفزيون "الشرق"، أنها لم تفهم بعض أجزاء العمل، ولم تقتنع ببعضها"، موضحة أنّ المخرج عمر الزهيري عمل على ربط الفقر وتدني الحالة الاقتصادية للأسرة بالقذارة ... وأبدت إلهام شاهين، دهشتها من رأي البعض بأن الفيلم يُسيء للدولة المصرية، قائلة: "رغم إنني لم أفهم غالبية مشاهد الفيلم، إلا أنني ضد الاتهامات التي وُجهت للعمل بأنه يُشوه صورة مصر، لأننا في النهاية أمام عمل سينمائي".

إن الهجوم الذى ناله «ريش» ذكرني كما يقول طلعت إسماعيل بالفيلم الهندي «أحمر شفاه تحت البرقع» الذى عرض في الدورة 38 لمهرجان القاهرة السينمائي، نوفمبر 2016، وتمتع بجرأة كبيرة فى تجسيد الظلم الواقع على النساء في الريف الهندي، وكسر التابو في العلاقات الحميمية المحرم منها والمشروع، وعندما سألت مونتيرة الفيلم «شارو شرى روى» التي مثلت صناع الفيلم في المهرجان، حول مدى تعبير فيلمها عن المجتمع الهندي، فكان ردها بكل ثقة: سيدى الهند ولايات وكل ولاية بحجم دولة، فلا تستغرب أن يكون لدينا مثل هذه العلاقات الاجتماعية المشوهة!.. طبعا لم يهاجم النقاد ولا السينمائيون الهنود «أحمر شفاه تحت البرقع» باعتباره يسئ للأمة الهندية العظيمة، ولم تجد المونتيرة الشابة فى فيلمها ما تخجل منه، باعتباره عملا فنيلا يستهدف التغيير للأفضل، وتعرية الواقع بلا زيف، وعكس حماسها والثقة التي تحدثت بها معي وعيا بما يجب على السينما القيام به، وليس السينما التى يريد لها البعض أن تكون.. مجرد رؤية تجميلية، تحلق بعيدا عن واقعها الحقيقي.

ومن دافعوا عن الفيلم وصناعه باعتباره تجسيدا لرؤية فنية يجب احترامها؛ أشادت الناقدة السينمائية الفرنسية السورية ندى الأزهري، بالفيلم، مؤكدة: "فيلم ريش رائع ومخرجه عبقري ولديه لغة سينمائية معاصرة وفريدة". وأبدت الأزهري دهشتها من اعتراض البعض، كونه يصوّر الفقر قائلةً: "إنّ هناك أفلام في العالم كله تتناول الفقر والبؤس في العالم المعاصر المشبع بالبؤس والعزلة بعد سيطرة التكنولوجيا والنظام الرأسمالي عليه، متابعة: "لا أعتقد أن المخرج هدفه الإساءة لبلده بل التعبير عن واقع ما مع العلم أنه لم يحدد المكان ولا الزمان".

من جانبه، يقول مؤلف فيلم "ريش"، أحمد عامر، إنه لم يكن يتوقع أن تكون هذه ردود أفعال بعض الفنانين الحاضرين لمهرجان الجونة على الفيلم، مؤكدا احترام صناع ريش لوجهات نظر الجميع، ويضيف عامر لموقع سكاي نيوز عربية: "فيلم ريش يندرج تحت تصنيف (الفنتازيا)، ولا ينتمي إلى زمن أو مكان محددين، لذا أتعجب من اتهام الفيلم بتقديم صورة غير حقيقية عن مصر، مع أن أحداثه من الأساس لا تدور في مصر ... كما يوضح السيناريست المصري أن الذي يدقق في تفاصيل "ريش"؛ سيدرك بسهولة أنه أمام قصة تتجاوز حدود الزمن والمكان، وأنه بصدد خوض رحلة فنية في عالم خيالي تماما".

كما رد عمر الزهيري على الهجوم على فيلمه "ريش" حسب ما نشرت صحيفة اليوم السابع قائلاً: "كل إللي كان يهمني أني أقول وجهة نظري ببساطة وعملت السينما إللي مفروض أعملها ومقتنع بيها، مضيفًا: طبيعي إن يحصل صدام وأنا مش أول مخرج يعمل صدام في وجهات النظر، وأنا لما بعمل فيلم مش بكون عارف هينجح أو لا، ولكن ببذل مجهودي في عمل الفيلم باللي مقتنع بيه واللي أغلب جيلي مقتتع بيه.

كما تحدثت شاهيناز العقاد المشاركة في إنتاج الفيلم خلال مؤتمر صحافي على هامش مشاركته بمهرجان الجونة  وأكدت أن الفيلم غير جماهيري ... ولا علاقة له بمصر، حيث قام المخرج بتشكيل مجتمع خاص به، نافية وجود أي خط سياسي داخل العمل على الإطلاق كذلك، أوضحت أن التحضير لريش بدأ قبل سنوات، واختار له المخرج أبطالا لم يشاركوا بالتمثيل من قبل، معتمدا على طبيعتهم في التعامل مع المواقف التي وضعوا فيها.

كما  قال الناقد الفني طارق الشناوي، إنه شاهد فيلم "ريش" أثناء عرضه في مهرجان كان السينمائي بفرنسا، موضحا أنه أعجب بالفيلم ومستواه الفني. أضاف طارق الشناوي خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية عزة مصطفى، ببرنامج "صالة التحرير" عبر قناة صدى البلد، أن الفيلم حصل على أول جائزتين من نوعهما في تاريخ السينما المصرية من مهرجان كان، إضافة إلى جائزة أخرى من الصين ... أكد الشناوي أن فيلم "ريش" جيد فنيا ولكنه غير جماهيري ويختلف عما اعتاد عليه المشاهد المصري، ومختلف عما تعود عليه المشاهد، مؤكدا أنه لا يوجد عمل فني يجرؤ على الإساءة لمصر، بتاريخها وقيمتها، لأن تناول شخصيات فقيرة أمر يحدث في كل سينمات العالم.

وعلقت المخرجة كاملة أبو ذكرى على الجدل المثار حول فيلم "ريش" بعد عرضه في مهرجان الجونة السينمائي وكتبت كاملة أبو ذكرى عبر الفيسبوك: "تلميذي وعزيزي المخرج الشاب عمر الزهيري ... مبروك على فيلمك، وأرجو من الإخوة إلى بيزايدوا بوطنيتهم يرحمونا من كلمة سمعة مصر".

كما علق عليه الأستاذ عمروا الشوبكي في مقال له بعنوان " جدل ريش" :" من الواضح أن نتيجة معركة فيلم «ريش» هى انتصار صوت العقل والمنطق والمهنية على أى شعارات أو اتهامات سابقة التجهيز، وعاد النقاش حول طبيعة العمل الفني نفسه، وسمعت آراء كثير من المعارضين ينتقدون الفيلم، وسمعت كثيرًا من المؤيدين يعجبون بجوانب فى الفيلم، كما أشاد كبار النقاد (طارق الشناوي وآخرون) بالعمل وبأسلوبه الجديد.. نعم هناك قضايا اعتدنا أن تعترض عليها أو تعدلها الرقابة، ولكن من غير المقبول ولا المعقول أن يتحول قلة من الفنانين إلى رقباء جدد على أعمال فنية لم تكن في أي مرحلة محل رقابة من الجهات الرسمية.

ولذلك  الهجوم الذى ناله «ريش» ذكرني بالفيلم الهندي "أحمر شفاه تحت البرقع" الذى عرض في الدورة 38 لمهرجان القاهرة السينمائي، نوفمبر 2016، وتمتع بجرأة كبيرة في تجسيد الظلم الواقع على النساء في الريف الهندي، وكسر التابو فى العلاقات الحميمية المحرم منها والمشروع، وعندما سألت مونتيرة الفيلم "شارو شرى روى" التي مثلت صناع الفيلم فى المهرجان، حول مدى تعبير فيلمها عن المجتمع الهندي، فكان ردها بكل ثقة: سيدى الهند ولايات وكل ولاية بحجم دولة، فلا تستغرب أن يكون لدينا مثل هذه العلاقات الاجتماعية المشوهة!.. طبعا لم يهاجم النقاد ولا السينمائيون الهنود «أحمر شفاه تحت البرقع» باعتباره يسئ للأمة الهندية العظيمة، ولم تجد المونتيرة الشابة فى فيلمها ما تخجل منه، باعتباره عملا فنيلا يستهدف التغيير للأفضل، وتعرية الواقع بلا زيف، وعكس حماسها والثقة التى تحدثت بها معى وعيا بما يجب على السينما القيام به، وليس السينما التى يريد لها البعض أن تكون.. مجرد رؤية تجميلية، تحلق بعيدا عن واقعها الحقيقي وذلك حسب ما قاله الأستاذ طلعت إسماعيل في مقاله "ريش" الحرية.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم