أقلام ثقافية

ضياء نافع: حول الادب الروسي في عالمنا العربي

ضياء نافعكنّا نشرب القهوة – نحن الاربعة – ودردشنا حول الادب الروسي في عالمنا العربي، اذ قال الاول، ان هناك في الوقت الحاضر مترجمون عرب عن اللغة الروسية مباشرة يصدرون العديد من الكتب المترجمة لنتاجات الادباء الروس وحولهم، وهذه ظاهرة رائعة جدا في أدبنا العربي المعاصر. علّق الثاني قائلا، وفي النصف الثاني من القرن العشرين كانت هناك ايضا كوكبة لامعة من المترجمين عن الروسية مباشرة وقدّمت الكثير من الكتب المترجمة، فقال الثالث، ولكن تلك الكوكبة كانت تعيش بالاساس في الاتحاد السوفيتي، وكانت تعمل في اطار ايديولوجي سوفيتي صارم، وقد أخضعت السلطات السوفيتية عملهم الترجمي لتخطيطها ذاك، فعلّق الرابع حول ذلك مبتسما وقال، ان التخطيط افضل من اللاتخطيط في كل الاحوال، اذ انه يعني ان الدولة تسانده، وهذا عامل مهم جدا في تطوير العمل واستمراريته، هذا اولا، أما ثانيا، فقد اعطتنا تلك الكوكبة أعمالا رائعة في الادب الروسي رغم كل ما تقوله حول اخضاع عملهم للايديولوجيه السائدة في الاتحاد السوفيتي آنذاك، فهل يمكن نسيان ما قام به، مثلا، غائب طعمه فرمان او ابو بكر يوسف او خيري الضامن او عبد الله حبه اوحسيب الكيالي او برهان الخطيب وغيرهم في هذا المجال، فقال الاول، صحيح، وأنا أؤيد هذه النظرة الموضوعية لما قام به هؤلاء رغم الاطار الايديولوجي السوفيتي الصارم، الذي تكلمت عنه، لقد قدموا لنا فعلا مختارات رائعة من نتاجات بوشكين وليرمنتوف وغوغول وتورغينيف ودستويفسكي وتولستوي وتشيخوف وغوركي وشولوخوف وغيرهم، ولكن يجب الا ننسى، ان المترجمين الذين أشرت اليهم في بداية حديثي هم الذين يختارون الان النصوص الروسية التي تتناغم مع رغباتهم الشخصية وآرائهم الذاتية البحتة، وهذا شئ مهم جدا للمترجم، اذ ان الترجمة ليس (النقل من لغة الى اخرى) وانما هي عملية ابداعية متكاملة، وتقتضي قبل كل شئ التوافق والانسجام الروحي بين النص الاجنبي والمترجم نفسه، فقال الثاني، ان (التوافق والانسجام الروحي) بين النص الاجنبي والمترجم كان يحدث عند تلك المجموعة من المترجمين في الاتحاد السوفيتي اثناء العمل الترجمي نفسه، واضاف ضاحكا، اي الحب بعد الزواج وليس قبله (كما يحدث عادة عندنا!)، والا، هل تعتقد، ان ابو بكر يوسف لم (يتناغم!) مع تشيخوف عندما ترجم المؤلفات المختارة له باربعة أجزاء، والتي أصدرتها دار النشر السوفيتية آنذاك ؟ ضحكنا جميعا - ومن أعماق قلوبنا - حول (الحب بعد الزواج !) ولم نستطع نفي تلك الظاهرة طبعا . بعد لحظات صمت وتأمّل، قال الرابع، لا توجد ظروف مثالية متكاملة لعمل المترجمين لا في ذلك الزمن ولا الان، ولكن المترجم الحقيقي يستمر بعمله الترجمي بغض النظر عن تلك الظروف، وهذا ما لمسناه في أعمال المترجمين العرب في الاتحاد السوفيتي عندئذ وفي أعمال المترجمين الحاليين بالوقت الحاضر ايضا، رغم الاختلافات الجذرية الهائلة في ظروف عملهم، وبالمناسبة، لم يكن غائب طعمه فرمان يحب عمله كمترجم، وكان يمارس عمله الترجمي من اجل كسب لقمته، ولكنه اعطانا مجموعة رائعة من الكتب المترجمة لأنه كاتب مبدع، ولا يمكن ان يسمح لنفسه ان ينشر شيئا لا يتناغم مع ابداعه، فقال الثالث، نعم هذا صحيح، وهناك مثل آخر في عالم الترجمة حول ذلك هي الشاعرة الروسية آنّا أخمانوفا، اذ انها ايضا لم تكن تحب الترجمة، الا ان ظروف حياتها أجبرتها على ممارسة الترجمة، فأعطتنا مجموعة رائعة من القصائد، فالترجمة عمل ابداعي، مثلما يكتب الشاعر قصيدة او يرسم الفنان التشكيلي لوحة ....الخ، اي ان المترجم لا يقدر ولا يستطيع ان يتوقف عن الاستمرار في عملية الابداع، بغض النظر عن الظروف المحيطة به، ومهما تكن المكاسب، التي يحصل عليها المترجم عند انجاز عمله الابداعي هذا .

انتقلنا بعد ذلك الى الدردشة حول قضية اخرى، مرتبطة طبعا بموضوع ترجمة الادب الروسي الى العربية، والقضية هي – هل استطاع المترجمون ان يرسموا للقراء العرب صورة متكاملة للادب الروسي؟ واتفقنا جميعا، ان عملية الترجمة هذه عن الروسية او عن لغات وسيطة اخرى، لم تنجز لحد الان رسم الصورة المتكاملة للادب الروسي، رغم ان هذه العملية ابتدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر واستمرت طوال القرن العشرين و في العقدين الاول والثاني في قرننا الحادي والعشرين ولا زالت مستمرة لحد اليوم، واتفقنا جميعا ايضا، ان القارئ العربي الان يمتلك – مع ذلك – صورة تقريبية لهذا الادب بشكل او بآخر، وتمنينا ان تستمر عملية الترجمة في هذا المجال لاحقا، لانها ضرورية جدا لاكمال صورة الادب الروسي للقارئ العربي، ولأنها ضرورية ايضا لتعميق الحوار العربي – الروسي لمصلحة الطرفين المتحاورين، حوار يحتاجه العرب والروس معا ......    

 

أ. د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم