أقلام ثقافية

ناجي ظاهر: ايتماتوف في مرآة الإنسانية

ينقسم الكُتّاب في العادة إلى قسمين، أحدهما ينتهي بانتهاء حياته في عالمنا، كونه ركز على العارض والعابر، والآخر تستمر حياته بعد رحيله من عالمنا، كونه تغلغل إلى أعماق النفس الإنسانية والفها في جوهرها البعيد. الكاتب الروائي القرغيزي جنكيز ايتماتوف (12 كانون الأول 1928 - 10حزيران 2008)، يعتبر من ذلك الصنف الاخر الذي يبقى بعد رحيله، ويستحق أن يقرأه أبناء الأجيال التالية.

علمًا انه واحد من الكتاب البارزين في الاتحاد السوفيتي سابقًا، وهو صاحب المؤلفات الروائية المقروءة في 165 لغة من لغات العالم.

ابتدأ ايتماتوف حياته الأدبية وهو في الثلاثين من عمره، وقد أصدر في هذه الحقبة الخصبة من حياته روايته "جميلة" التي ستتحول فيما بعد لتصبح فيلمًا سينمائيًا إنسانيًا يهزّ مشاعر الناس في معظم أنحاء العالم، ويدفع واحدًا من أهم شعراء القرن العشرين لويس اراغون لأن يقول بملء فمه إن " جميلة" أجمل قصة حب في العالم.

لمزيد من التعريف بايتماتوف والتحفيز على قراءته المتجدّدة، نقول انه أصدر خلال حياته التي قاربت الثمانين حولًا، إضافة إلى روايتيه الآسرتين جميلة وعندما تتداعى الجبال- او العروس الخالدة، عددًا من الروايات الهامة نذكر منها: المعلم الأول، ويطول اليوم أكثر من قرن، طريق الحصاد، النطع، السفينة البيضاء، ووداعا ياغولساري، الغرانيق المبكرة، شجيرتي في منديل أحمر، طفولة في قرغيزيا، نمر الثلج، الكلب الأبلق الراكض عند حافة البحر.

اتصفت روايات ايتماتوف بالعديد من الصفات التي كرّسته كاتبًا يتعدى النطاق المحلي إلى العالمي، اعتقد أن أبرزها تمثل بحسّ إنساني رفيع وفي استلهام للروح الشعبية عميقة الأغوار وتمكنه من التعبير عنها بسحر نادر، إضافة إلى أنه لم يتردّد في نقد الظواهر السلبية في بلاده، وبإمكان مَن يقرأ روايته الفاتنة " وداعًا غولساري"، أن يلمس جرأته في النقد المجتمعي السياسي.. لمس اليد.

طبع من روايات ايتماتوف هذه بلغات مختلفة أكثر من ستين مليون نسخة، قرأها الناس في انحاء مختلفة من عالمنا وبهروا بها، ومما يذكر لهذا الكاتب أنه كان كاتبًا حقيقيًا.. عمل في مراحل حياته الأولى في مهن عديدة منها في تربية الدواجن وقيادة جرار، فقد اضطر بعد إعدام والده في عاما 1937 في موسكو، للعمل باكرًا ابتداء من عمر 14 عامًا ويشار أنه أوصى بأن يدفن بعد رحيله الأبدي إلى جانب والده الذي اعدم ظلمًا.

اهتم ايتماتوف في رواياته بالجانب الروحي والنفسي للإنسان، كما يبرز في مجمل رواياته اهتمامه الشديد بالبيئة والطبيعة، وحظيت رواياته بالكثير من الإطراء والتقدير. وقد ترجمت رواياته هذه إلى اللغة العربية وبإمكان الإخوة القراء العربي ممن لم يحالفهم الحظ لقراءته أن يفعلوا،.. وعلى مستوى شخصي عمل ايتماتوف سفيرًا للجمهورية القيرغيزية في بلجيكا، الإتحاد الأوروبي، حلف الناتو واليونيسكو. وكان ايتماتوف عضوًا في مجلس السوفييت الأعلى ورئيس تحرير مجلة "الآداب الأجنبية" في موسكو وشغل خلال السنوات الأخيرة من حياته منصب سفير قيرغيزيا لدى دول البيلونكس.

لقد لعب ايتماتوف دوراً كبيرا في الثقافة العالمية واعتبر الرئيس القيرغيزي كرمان بك باكييف في كلمة تأبينية له، أن رحيل ايتماتوف خسارة كبيرة لقيرغيزيا والعالم بأسره. وقد بلغ ايتماتوف ذرى المجد الأدبي السامقة، وتمكن من أن يحقق أحلامه الأدبية من طفل يتيم إلى واحد من أهم كتاب القرن العشرين.. لذا استحق القراءة في كل زمان ومكان.

***

بقلم: ناجي ظاهر

في المثقف اليوم