أقلام ثقافية

نهاد الحديثي: ثقافة المقارنة

يبدو أن مدرسة المقارنة والمفاضلة بين الأشخاص والأشياء، خاصة في الأفكار والأحداث الجدلية والخلافية، تُمثّل حالة شائكة ومعقدة لا يمكن الهروب من حبائلها أو تفادي تداعياتها، حتمية المقارنة في بعض الأحيان، حقيقة لا بد منها للوصول إلى بعض الغايات والقناعات التي يمكن البناء عليها، بل والانطلاق منها، بعيداً عن المماحكة والمناكفة، المقارنة بين مصادر المعرفة والثقافة بين زمنين أو شكلين، قضية معقدة وشائكة، ولكنها ضرورية وملحة. في العقود الماضية، كانت الأجيال المتعاقبة تستمد أفكارها وثقافاتها وآدابها وعلومها وفنونها وكل تفاصيلها الأخرى من المصادر والمراجع التقليدية كالتلفزيون والإذاعة والصحيفة والمجلة والكتاب والموسوعة والندوة والمحاضرة وغيرها من الأشكال والنماذج التقليدية، منذ 3 عقود وربما أكثر وظهور وسائل ووسائط وتقنيات العصر الحديث والذي تقوده عولمة كونية حوّلت هذا العالم الضخم إلى قرية صغيرة، برزت فيها حالة إنسانية عالمية واحدة، وتحطمت على أعتابها كل الحواجز والحدود، وتضخمت الأنا الاقتصادية والنرجسية الرقمية، لتتشكل مرحلة جديدة تُهيمن فيها ثقافة المال وقيادة الإعلام، هذه المصادر والوسائل المعرفية والثقافية الجديدة والتي تقودها شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي، هي من تجذب وتؤثر في الفكر الجمعي والمزاج العام لكافة البشر، لا سيما الأجيال الصغيرة والشابة والتي تُمثّل النسبة الكبيرة في أغلب دول العالم

المقارنة بين الثقافات اصبح شائعا منذ بدء عصر العولمة الحديثة، وتتضمن الحوار بين الحضارات بشكلها السلمي الجميل الاكثر ملائمة لطبيعتنا البشرية،وايضا تتضمن صراعات الحضارات وهي النظرة الاكثر تشاؤمية والتي يقودها الاشرار ومن يقتنع بمنطقهم المنافي لسمات التحضر والاخوة الانسانية المشتركة!.

نعم، بلا شك هذه المنصات والمنابر الثقافية والمعرفية والإعلامية الجديدة، تتصدر المشهد وتحطم الأرقام والنسب، وهذا الأمر لم يكن غير متوقع، بل على العكس تماماً، فهو طبيعي ومنتظر، فالتحولات والتطورات في كل القطاعات والمجالات، لا بد لها أن تحدث، فتلك طبيعة الحياة وضرورة الزمن، ولكن الأمر الذي يستحق التوقف والتأمل هو حالة الثقة والاطمئنان التي ما زالت تحظى بها الوسائل والمصادر الثقافية والمعرفية والإعلامية الكلاسيكية، رغم تراجع بعض أرقامها وإحصائياتها وتداولاتها، قبالة ذلك التسونامي الهائل من المصادر والوسائط الثقافية والمعرفية والإعلامية الحديثة.

***

نهاد الحديثي

في المثقف اليوم