أقلام ثقافية

طه جزاع: عالَم بلا ورق

للوهلة الأولى تبدو القضية عاطفية نوعاً ما، فمن الصعوبة أن يتصور الصحفي الذي قضى عمره بين هدير المطابع ورائحة الحبر وسخونة الورق، حلول اليوم الذي تشرق فيه الشمس على الأرض من دون صحف ورقية، لكن هذا الأمر قد يكون مستساغاً للأجيال الجديدة من الصحفيين والقراء الذين استغنوا عن الورق واستبدلوه بشاشة الكومبيوتر والهاتف الذكي، يُقَّلبون صفحات الصحف والمجلات بيسر وسهولة مع تحديثاتها المستمرة للأخبار التي لا تتوقف مثل سيل متدفق، أضف إلى ذلك أخبار الفضائيات والمحطات الإخبارية التي لا يمكن أن تمنع نفسها عن إذاعة الخبر مهما كانت اهميته حتى مطلع الصباح.

ومناسبة الحديث عن مستقبل صحافة الورق ومدى صمودها أمام الصحافة الإلكترونية، هي قيام متحف الاعلام العراقي بتنظيم جلسة نقاشية عن مستقبل الصحافة الورقية، وذلك ضمن جلسات نصف شهرية أعد لها المتحف لتكون تحت عنوان" أمسيات عراقية " بعد مضي عام على افتتاحه، وحضوره الملحوظ في المشهد الثقافي العراقي بفضل الجهود المثابرة لمديرته مينا أمير الحلو التي تديره بحماسة ومحبة وكأنها تدير مشروعاً خاصاً تحقق فيه حلماً من أحلامها الجميلة. 

كثيراً ما يطرح السؤال عن مستقبل الصحافة الورقية على الكُتاب والصحفيين وأساتذة الصحافة والإعلام، من دون أن تكون اجاباتهم قاطعة بنعم أو لا، وذلك أمر بديهي بسبب طبيعته التي تنتمي إلى نمط من الأسئلة الاستشرافية التي لا يمكن البت بأجوبتها بصورة يقينية ومؤكدة وقاطعة. صحيح أن معطيات الحاضر تشير إلى سيادة المواقع الإلكترونية الخبرية، وعزوف ملايين القراء عن متابعة الصحف الورقية، وموت الخبر على أيدي الوكالات الخبرية، ومعها القنوات الفضائية التي تنقل الأحداث مباشرة، وتتقصى الأخبار وتتابع الأحداث أمام أنظار ومسامع المشاهدين في كل بقاع العالم، غير أن ذلك كله لا يعني موت الصحافة الورقية، ولا انسحابها النهائي عن مسرح الحياة، ولو إلى حين لم يحن أوانه بعد.

أمام هذه الحقائق، اختفت الكثير من الصحف الورقية، أو انخفضت مبيعاتها وتقلصت أعدادها ، وأكتفى الكثير منها بالموقع الإلكتروني، تقليصاً للنفقات وللجهد البشري، ومن أجل الصمود أمام الغول الإلكتروني الرقمي الذي ابتلع العشرات من الصحف والمجلات، وما زالت شهيته مفتوحة لابتلاع صحف ومجلات أخرى قد تجد نفسها مُجبرة في النهاية على الانصياع لمنطق السوق، منطق العرض والطلب الذي يحدد مدى الحاجة للسلعة.

هل نصحو يوماً على عالَم بلا ورق؟. قد يكون السؤال واقعياً، لكنه على أي حالٍ سؤال مزعج لعشاق الورق والصحافة الورقية .

***

د. طه جزاع

 

في المثقف اليوم