أقلام فكرية

اتجاه الفعالية في تحديد مفهوم الفلسفة

hatam hamidmohsinما هي الفلسفة؟ سؤال في غاية الصعوبة، واذا كان المطلوب تعريف يجمع الوضوح مع الإيجاز فسيكون الجواب مستحيلا. التعريف الموجز للفلسفة قد يكون "استكشاف اسئلة ذات اهمية دائمة " او "انها تتعلق بطبيعة العالم والذات" او "هي حول طبيعة الحقيقة المطلقة" او الترجمة الحرفية للفلسفة "حب الحكمة". جميع هذه الصياغات صحيحة، لكنها ليست مفيدة لو ابتدأ القارئ في معرفته من الصفر.

سيكون من المفيد لو اقتربنا من التعريف من خلال الموضوع subject matter وعبر طرق الفلسفة. التعريف البسيط الذي يرتبط عن قرب بهذا الاتجاه هو ان "الفلسفة فعالية، وطريقة في التفكير حول مجموعة محددة من الأسئلة". لنستكشف الآن ماذا يعني هذا. قبل وقت ليس ببعيد كان موضوع الفلسفة يغطي جميع حقول الدراسة. حاليا معظم موضوعات الفلسفة التي تتعلق بالمادة (العالم المادي) قد انفصلت كعلوم، مثل الفيزياء والكيمياء. بعض الجامعات القديمة لاتزال تصنف العلوم كفلسفة طبيعية (مثل جامعة St Andrews). الكثير من الفلسفة المتعلقة بالذهن انفصلت كعلم نفس وعلوم اعصاب، وهذه تُعتبر خاصية هامة للفلسفة. حالما يُنتج الجدال والخلاف نظرية ومنهجية قادرة على التعامل بفاعلية مع القضايا فان القضايا تنفصل عن الفلسفة ويمكن اعتبارها كموضوع مستقل. هذا احد اسباب صعوبة التعاريف المبسطة. فحدود الفلسفة ليست ثابتة، والموضوع يعيد تعريف نفسه باستمرار.

اذاً، ماهي الأسئلة المحددة التي تهتم بها الفلسفة؟ كلاسيكيا، تتعلق الأسئلة الكبرى بـ

- ماذا يوجد ؟ (ميتافيزيقا)

- ماذا نعرف؟ (ابستيمولوجي)

- ماهي الاخلاق؟ (اخلاق)

- ماهو الجمال؟ (الجمال)

- المنطق (عملية التفكير السليم)

في الاوقات الحديثة ظهرت مجموعة من التخصصات الفرعية كحقول مستقلة وبعضها كان اكثر فعالية من الحقول الرئيسية الاصلية . مثال على ذلك فلسفة اللغة وفلسفة الذهن (بالرغم من انفصال السايكولوجي لكن بعض المجالات الحيوية للذهن لازالت باقية في عالم الفلسفة). بعض الاسئلة الاساسية طُرحت منذ الاف السنين مثل "مالذي يجعل الفعل صحيحا او خاطئا؟، كيف يجب ان نعيش؟، كيف يجب ان نعامل الناس الآخرين؟، ما صلة كل هذا مع الحياة الواقعية؟ لايوجد هناك دليل اخلاقي مقبول لدى جميع الناس، لكن الدليل يمكن ان يوفر افكارا حول كيفية التعامل مع القضايا الاخلاقية الكبرى كمشكلة الإجهاض والهندسة الوراثية .

كيف يتم التعامل مع الأسئلة الفلسفية؟ يتم اولا تحليل السؤال ومن خلال التفكير النقدي والمنطق يتم صنع استدلالات لأحسن توضيح، وهو التوضيح الأكثر احتمالا ان يكون صحيحا. هذا سيثير نقطة هامة اخرى حول الفلسفة، انها لا تنتج جوابا نهائيا. التفكير السليم والحجة يمكن ان يقودا الى استدلالات مختلفة . المهمة المتبقية هي ان نقرر اي الجواب هو الافضل. حالما يصبح الجواب نهائيا فلن تبقى هناك حجج اساسية حول تلك القضية، ستكون لدينا حقيقة عن حقل جديد من الدراسة.

لكي نوجز: الفلسفة هي صياغة اسئلة حول قضايا تتعلق بالواقع، المعرفة والمسائل الاساسية الاخرى ومن ثم، البحث عن حلول وتوضيحات عبر التعليل والمحاججة.

دعنا ننظر عن قرب بهذه الفعاليات مستخدمين مشاكل في فلسفة الذهن كمثال. نحن نستطيع البدء بسؤال اساسي، "ما هو الفرد؟ من الواضح ان الفرد كائن معقد. هو يستطيع المشي والتحدث والرؤية. هو لديه وظائف دماغية تنظم الجسم . لكن الفرد يستطيع عمل اشياء تتجاوز وظائف الجسم مثل التفكير وعمل القرارات والرغبة والحلم. هذه الاوضاع الذهنية تبدو مختلفة جدا عن اوضاع الجسم. السؤال عن ماذا وكيف نعمل كان دائما من اهتمامات الانسان. هذا اعطى دفعا لحجم هائل من توضيحات المنطق السليم والعقائد التي يرى البعض انها تشكل نظرية، احيانا توصف بمقدرة الانسان على التنبؤ بسلوك وذهنية الآخرين. ورغم ان الفرد ربما لديه ايمان عميق ببعض هذه العقائد لكن العديد منها غير منسجمة مع بعضها، ومع القليل من التحقيق نكتشف انها تقوم على اسس ضعيفة. لننظر مثلاً في الايمان المبني على خلفية دينية بان هناك روح منفصلة كليا عن الجسد، وان روح الفرد مرتبطة بالجسد لكنها لا تموت معه. عند فحص هذه العقيدة سنواجه صعوبات قبل البدء بالتحقيق. اين تقيم الروح في الجسد؟ كيف تغادر الجسد عندما يموت؟ كيف يوجّه الذهن/ الجسم الجسد الفيزيقي بدون ممارسة بعض القوى الفيزيقية (بافتراض ان الروح خالدة)؟ لقد اصبح من الواضح ان اي محاولة لتسوية الاختلافات بين المنطق السليم والعقائد الدينية انما هي نوع من العبث، وان العديد منها لا يمكن ان يوجد الا بغياب الآخر. اذاً ما هي الفلسفة . انها تبدأ بصياغة الأسئلة الاساسية التي بحاجة للعلاج، التحليل الاولي والدقة التي تأتي معه هما ذات اهمية كبيرة. بعد ذلك ومن خلال عملية الجدال النقدي نطور توضيحات صالحة ومفيدة تجعلنا اقرب الى الحقيقة (على الاقل في انتاج اسئلة افضل). بالتأكيد لاشيء هناك نهائي وقطعي حول التفكير في هذا الحقل: حاليا هناك سبع مدارس للفكر حول مشكلة الذهن/الجسد. هل هذا يعني ان الفعالية هي بلا فائدة؟ كلا، من المؤكد هناك تطور واضح . في مجال الفلسفة المتعلقة بالذهن كانت هناك اختلافات متساوية حول فعالية الدماغ، وبالنهاية كانت هناك ميثدولوجيا و إجماع كافي لعلم النفس ليصبح كامل التطور.

الآن ومع ماتم انجازه من سلوك على اساس بايولوجي وتطور علم الاعصاب، جرى رسم معظم مجالات الدماغ . ربما لا يمكن حل مشكلة الذهن/الجسد ابدا على نحو من اليقين لكن الشيء المهم هو ان يبقى البحث مستمرا . من هذا النقاش الموجز لمشكلة الذهن/الجسم فان التعريف الاكثر فائدة ودقة ربما هو "الفحص النقدي لخلفيات العقائد الاساسية وتحليل المفاهيم الرئيسية المستخدمة في التعبيرعن هذه العقائد". ولكن حتى مع هذا لازلنا بعيدين عن الحقيقة . النظرية مفيدة لكن الفلسفة هي بالضرورة فعالية.

 

حاتم حميد محسن

 

 

في المثقف اليوم