أقلام فكرية

مقدمات لـفهم الفلسفة السياسية (2): المقدمة

علي رسول الربيعيسنتطرق في هذه المقدمة الى:

الأسئلة التي تتناولها الفلسفة السياسية

- لماذا الفلسفة السياسية تدور حول  القيم وليس الأوصاف

- كيف تطورت الأفكار السياسية تاريخياً

- ما هي القضايا التي تغطيها الفلسفة السياسية

ما هي الفلسفة السياسية؟

- كيف تسهم السياسة في رفاهية البشرية ؟

- ما هي الحياة الصالحة، وكيف يتم تحقيقها؟

- ما هي المبادئ والقيم التي ينبغي استخدامها لتشكيل المؤسسات السياسية والحكم عليها؟

- أي نوع من المجتمع سيسمح لمواطنيه بالازدهار على أفضل وجه؟

- ماذا نعني حقاً بالمساواة والعدالة والحرية وما إلى ذلك؟

- هل من الصواب أن نذهب إلى الحرب، أم أن نتمرد ضد الحكومة؟

- ما هي المسئولية التي يجب أن تتحملها الحكومات للتعامل مع القضايا العالمية للإرهاب أو البيئة؟

تهتم الفلسفة السياسية بكل هذه الأسئلة وغيرها. إنها تتعلق بالحكومة ذات الكفاءة والفاعلية، وماذا تنطوي عليه رؤية هذه الحكومة وما تتضمنه، وكيف يتم تنظيمها وتسييرها وكيفية إحرازها لأي تقدم في مساراتها. إنها تتعلق بالمبادئ التي تساعدنا على تقرير ما إذا كانت هناك حكومة بعينها يمكن الحكم عليها بأنها جيدة أو سيئة؟ وبالطبع يتطلب ذلك فحص المبادئ الأساسية للحكومة - لماذا نحتاجها ، وما هي أهدافها، وكيف يتم تنظيمها، وكيف يمكن إصلاحها أو استبدالها، إذا حدث خطأ ما.

يمكن النظر إلى الفلسفة السياسية على أنها فرع من الأخلاقيات، أو من الفلسفة الأخلاقية. تنظر الأخلاق إلى جميع قضايا الصواب والخطأ من خلال الطريقة التي يتعامل بها الناس مع بعضهم البعض، بينما تقتصر الفلسفة السياسية نفسها على القضايا المتعلقة بحياتنا الجماعية أو السياسية. إنها أخلاقيات التنظيم الاجتماعي، تطبق عبر المجتمع  وليس بين الأفراد. لذلك، عن سبيل المثال، تُستخدم النفعية كنظرية أخلاقية (تسعى للحصول على ما يبدو في تقدم أكبر فائدة للعدد الأكبر) عند تطبيقها على المجتمع ككل، لتبرير الديمقراطية، التي تهدف إلى أخذ تفضيلات جميع المواطنين بعين الاعتبار من خلال العملية الديمقراطية.

جزء من مهمة الفلسفة السياسية هو تحديد ما إذا كانت هناك معايير موضوعية تفصل ما بين الصحيح والخطأ. هل يعتمد كل شيء على رغبات الناس، أم أن هناك مبادئ منطقية قابلة للتطبيق عالمياً لتنظيم الحكم الرشيد؟

من المهم إيجاد توازن بين المسؤولية الأخلاقية للأفراد والمجتمع. هل يخلق الناس الطيبون مجتمعاً جيداَ، أم أن مجتمعاً جيداً يجعل كل من فيه فرداً صالحاً؟ الوقوف على هذا السؤال سيحدد كيف نرى دور السياسة.

 فكما تتطلب منا الأخلاق تقديم تبرير عقلاني لأفعالنا، فإن فلسفة السياسة تتفحص التبرير للمؤسسات السياسية والإيديولوجيات. هل الديمقراطية عادلة للجميع؟ هل هناك حالة تكون فيها الديكتاتورية جيدة؟ كما أنها تفحص الأفكار والمفاهيم الرئيسية مثل، الإنصاف، العدالة، حقوق الأفراد أو المجتمعات، لمعرفة كيف ترتبط هذه المفاهيم ببعضها البعض، وكيف يمكن تحقيق ما توصف به هذه المفاهيم.

هل سيكون من العدل أن يحصل كل فرد في المجتمع على حصة متساوية من السلع والخدمات، بغض النظر عما يساهم به عن طريق العمل؟ أم هل سيكون الأمر أكثر إنصافاً إذا سمح للجميع بالربح والاحتفاظ به بقدر الإمكان؟ وهل ينبغي اتخاذ قرارات مهمة من قبل الجميع، أم فقط من جانب أولئك الذين تؤهلهم خبرتهم ومعرفتهم إلى اتخاذ القرار؟ هذه أسئلة أساسية ليس حول كيفية عمل المجتمع فعلياً، ولكن حول الكيفية التي يجب أن يُنظم بها المجتمع ويعمل. بعبارات أخرى مختصرة للتعبير عن هذا يمكن القول بأن الفلسفة السياسية معيارية بطبيعتها. مثلما قد تكون الأخلاقيات وصفية (هذا ما يفعله الناس) أو معيارية (هذا ما يجب عليهم فعله)، كذلك فإن السياسة وعلم الاجتماع والاقتصاد وصفية (هذا هو الأسلوب الذي يعمل به النظام السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي) في حين أن الفلسفة السياسية هي معيارية (هذا ما يقرر أو يشكّل العدالة والانصاف لمجتمع عادل أو جعل المجتمع حر).

من المهم اعتبار تقدير الفلسفة السياسية بأنه أمر لا يتعلق بوصف المجتمعات أو المؤسسات السياسية الفعلية، فذلك يقع في حيز الدراسات السياسة. كما أنها لا تبحث في الطريقة التي تطورت بها الدول والإمبراطوريات وانتشرت على مستوى العالم، أي دراسة الجغرافيا السياسية (على الرغم من أن المعرفة بالسياسة والجغرافيا السياسية مفيدة لأي شخص مهتم بالفلسفة السياسية)، وأيضاً أنها ليست دراسة تأثير التمويل والتجارة والأسواق في تشكيل المجتمع، فهذا هو الاقتصاد. وبدلاً عن كل ذلك، تهتم الفلسفة السياسية بالتبرير العقلاني والمعياري للكيانات السياسية.

يمكن أن تكون السياسة بحد ذاتها ممارسةً عمليةً ميكانيكيةً - حيث تقوم بفرز أفضل الطرق لتقديم الفوائد المتفق عليها. ومع ذلك، إذا كان الأمر كذلك، فستكون هناك بعض القضايا السياسية التي سيتم مناقشتها - وسيتم الحكم على كل شكل من أشكال الحكم ببساطة على أساس الأداء الفعال. لكن الحياة ليست بهذه السهولة. يختلف الناس حول المبادئ التي يجب أن تدير أو تسيّر المجتمع - وهذه الخلافات حول المبادئ هي التي تشكل أساس الفلسفة السياسية. "وحتى عندما يتم الاتفاق على الغايات، تبقى الأسئلة المتعلقة بالوسائل، وهذه لاتُعد سياسة بل مسألة تقنية ... النظرية السياسية هي فرع من الفلسفة الأخلاقية، والتي تبدأ من اكتشاف، أو تطبيق المفاهيم الأخلاقية في مجال العلاقات السياسية".

Isaiah Berlin ‘Two concept of Liberty 'a lecture given in Oxford 1958

بعبارة أخرى، تتعلق الفلسفة السياسية بالغايات التي تسعى الى انجازها من خلال السياسة. فبمجرد الاتفاق على الغايات، تكون السياسة والاقتصاد هي التخصصات التي بأدائها تُنجز الغايات. بطبيعة الحال، تميل النظم السياسية والاقتصادية إلى تحقيق أهدافها أو غاياتها الخاصة، ولكن يتم فحص هذه الأنظمة في إطار الفلسفة السياسية.

إن السؤال الأساسي هنا هو: هل هناك مبادئ مطلقة يجب تطبيقها على كل المجتمعات، أم يجب الحكم على كل نظام سياسي في ضوء الظروف الخاصة به، وتاريخ وثقافة تلك الأمة أو/ و تلك الحقبة المعينة؟

لا تُـكتب الفلسفة من فراغ أبداً. إنها تتلون دائماً بالافتراضات والأفكار العامة في عصرها على الرغم من طرح أفضل الفلاسفة أسئلة جذرية يتحدّون فيها تلك الافتراضات. فعلى سبيل المثال، عندما ننظر إلى عمل أفلاطون أو أرسطو، نعلم أنهم يكتبون على خلفية سياسات أيامهم. فعندما يتحدثون عن الديمقراطية - على سبيل المثال - لا يشيرون إلى الديمقراطية التمثيلية المعاصرة، بل إلى النظام الحكومي المباشر حيث اتخذ عدد صغير نسبياً من الأشخاص من ذوي الامتيازات قرارات حول كيفية حكم الدولة (أو Polis). لذلك تستفيد الفلسفة السياسية من رؤيتها في السياق ربما أكثر من أي فرع آخر للفلسفة. لذا سنبدأ بمراجعة تاريخية موجزة. 

 

الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ

 

في المثقف اليوم