أقلام فكرية

الفلسفة الجمهورية (2): الديمقراطية الجمهورية (1) حنه أرنديت

علي رسول الربيعيغالبا من يتم تناول أفكار أرنديت في ما يتعلق بنقدها للتوليتارية، والعنف لكننا سنتناول أراء أرنديت في قضية أخرى وهي الديمقراطية الجمهورية. لم تكتب حنه أرندت كتابًا عن الديمقراطية لكن مع ذلك كان لأعمالها الفكرية أثرا مهما على النظرية الديمقراطية. كانت توصف ابان وفاتها عام 1975 بأنها بطلة السياسة التشاركية ولكن ايضاً في أوساط أخرى كانت ينظر اليها أنها مثالية طوباوية. منذ ذلك الوقت، دفعت الحجج والقضايا السياسية الهامة التي قدمتها أرنديت في العالم الواقعي، العديد من المنظرين السياسيين (بما في ذلك بعض المهتمين بالديمقراطية تحديدا) إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لوجهة نظرها عن السياسة بوصفها نشاط مفتوح العضوية لا يمكن التنبؤ بمجرياته ونتائجه. هناك مساهمتان مختلفتان في النظرية الديمقراطية يمكن العثور عليها في عملها: أولاً، رؤية جمهورية بديلة لما يمكن أن تكون عليه الديمقراطية، وثانياً تفسير أصيل ومقنع عن العمل السياسي.

كانت آريندت تنتقد بشدة النظام الديمقراطي الليبرالي القائم،[2] مفضلةً أتباع التقليد الجمهوري الكلاسيكي الذي تحدثت عنه عادة باسم "الحرية العامة"، أيً المشاركة المباشرة في السياسة من قبل المواطنين العاديين. هذه الرؤية البديلة، النظام اللامركزي المبني على ما أسمته "المجالس" رغم أنه يبدو موضوع ثانوي لكنه متكرر طوال كتاباتها.[3] كانت وجهة نظرها حول هذا الموضوع غير عادية، انتقدت من خلالها النخبوية كما سنرى؛ وكانت تحمل فضيلة مواجهة مشكلة غالباً ما يتهرب منها الديمقراطيون الراديكاليون، ألا وهي التوتر بين المثل الأعلى للعمل السياسي على مستوى القاعدة من ناحية وخبرات القرن العشرين للسياسة الجماهيرية من ناحية أخرى.

بصرف النظر عن هذا الاهتمام بالمشاركة، فإن لنظريتها السياسية تداعيات أكثر جوهرية على الديمقراطية لأنها تعيد التفكير في السياسة نفسها، مع تركيز الانتباه على الطبيعة التعددية والعفوية للفعل أو للعمل. وقد شجع إعادة التفكير هذا الديمقراطيين من نواح كثيرة. تؤكد، عن سبيل المثال، على انفتاح المستقبل، وقدرة الجهات السياسية الفاعلة على خلق أو تشكيل بدايات جديدة والقيام بما هو غير متوقع. وتشير إلى كيف يمكن للأفراد الذين لا حول لهم ولا قوة أن يتصرفوا بشكل جماعي لأنتاج السلطة فيما بينهم. يمكن أعتبار الثورات المعادية للشيوعية في عام 1989 في بعض النواحي تبرهن على إيمانها بإمكانية دائمة للفعل والسلوك من قبل أولئك الذين يختارون قبول مسؤولية المواطنين.[4] تشهد المبادرات الشعبية، ضمن الديمقراطيات الليبرالية الراسخة، مثل حركة الحقوق المدنية الأمريكية[5] على قوة هذا النوع من السياسة غير الرسمية.

لفتت أرنديت الانتباه، من ناحية أخرى، أيضًا إلى بعض الآثار المقلقة للتعددية والحركات العفوية. فنظراً لأن العمل السياسي يقوم بين أشخاص متعددين ومختلفين، وليس بين روبوتات، فإنه لايمكن تجنب نتائج هذه التعددية وحركاتها ولا يمكن التحكم فيها. لذلك فإن الطموح الديمقراطي التقليدي للناس وهو "الاستيلاء على السلطة" من أجل "تحديد مستقبلهم" هو مجرد وهم. علاوة على ذلك، حتى عندما تكون نتائج العمل السياسي مرغوبة، فهي أيضًا مشروطة وهشة وتعتمد على العمل المستمر لهؤلاء الذين يهتمون بالمجال السياسي. وقبل كل شيء، لا يمكن لأي فلسفة سياسية أن تخبر الفاعلين السياسيين بما يجب عليهم فعله أو تقديم مخطط للعمل. يمكن للمشاركين داخل المساحة العامة التي تنفتح بين المواطنين النشطين، أن يتعلموا من بعضهم البعض وأن يطوروا قدرتهم على الحكم، ولكن في النهاية يتعين عليهم أن يحكموا ويتصرفوا "دون أعمدة" ساندة، على حد تعبير أرندت، ودون أي وسيلة لضمان أن مبادراتهم وقراراتهم سوف تتحول بشكل جيد.[6]

تتداخل سلسلة الأفكار الأصلية في عملها بطريقة تجعل من الصعب تلخيص أفكارها أو فصل وجهات نظرها حول الديمقراطية من جوانب أخرى من فكرها. ومع ذلك، سأحاول القيام بذلك قدر الإمكان، سأتجاوز مناقشة أراءها عن الشمولية – بأعتبار ذلك اصبح شائعا ومعروفا- الذي قادها إلى إعادة التفكير في طبيعة العمل السياسي، وأنتقل الى البحث في الآثار العامة لهذا على الديمقراطية، ومن ثم التحول إلى اهتمامها بالعمل الشعبي المباشر ودفاعها عن المواطنة التشاركية. في الختام سأحاول تقديم تقييم نقدي لهذا الجانب من تفكيرها.

الثورة والمشاركة

بينما كانت آريندت تعبر عن فهمها للعمل في كتابها "الوضع البشري"، بدا أن الأحداث السياسية، متمثلة في صورة الثورة المجرية الفاشلة في عام 1956، قد قدمت تأكيدًا صارخًا عن فهما ذاك. يبدو نظام الهيمنة الراسخ قد فقد السلطة فجأة: الناس الذين لا أهمية ودور لهم، والذين كأنهم خرجوا فجأة من حالة الجهالة والضلال والخمول، تحولوا إلى مواطنين واجتمعوا على مستوى القاعدة الشعبية لإنشاء مساحاتهم العامة وتوليد قوة جديدة من خلال العمل الجماعي. رغم أن هذه البداية الواعدة تم سحقها بسرعة من قبل القوة العسكرية لحكومات حلف وارسو (التي كان بإمكانه الاعتماد على امتثال قواته العسكرية في ذلك الوقت) لكنها ساعدت في تحويل انتباه أرندت إلى ظاهرة الثورة وإخفاقاتها وإمكانياتها.

كانت النتيجة كتابها "في الثورة"، وهو مجموعة معقدة ومتعددة من الأفكار حول الحالات المتناقضة للثورتين الأمريكية والفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر. بدأ الاثنان (مثل الانتفاضة الهنغارية) بتجربة مبهجة للتحرير، حيث تخلص الأشخاص من قيود الحكم واكتشفوا إمكانية غير متوقعة للعمل سويًا مع الجمهور ولتصرف بشكل علني. سرعان ما تحولت البهجة، إلى مأساة في الحالة الفرنسية حيث توارت الحرية في أوضاع الإرهاب. أرجعت أرندت نتائج ذلك إلى الانشقاقات في سياسة أو أدارة المشكلة الإجتماعية. ارتفع معدل الفقر الجماعي، الذي كان موجودًا دائمًا، فجأة إلى قمة جدول الأعمال السياسي، حيث حشدت الثورة الحشود الجائعة. لا يمكن للعمل السياسي في ظروف الندرة في الاقتصاديات ما قبل الحديثة، فعل أي شيء لعلاج بؤس الفقراء. ولكن بمجرد إبراز معاناتهم في الساحة السياسية، فإن إلحاحها الشديد الذي جعل الاهتمام بتأسيس جمهورية دائمة يبدو بلا قلب.[7]

كانت التجربة الأمريكية أكثر نجاحًا حيث تمكن الثوار من الانتقال الصعب من تجربة التحرر الثوري إلى تأسيس "منزل جديد حيث يمكن للحرية أن تسكن،" جمهورية لها "مؤسسات دائمة"[8]؛ كان هذا أسهل بالنسبة لهم من الثوار الفرنسيين، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الرخاء غير المسبوق للفقراء (البيض) في أمريكا أبقوا "المشكلة الاجتماعية" هذهفي أسفل جدول الأعمال السياسي، وجزئياً لأن مؤسسي الجمهورية الجديدة كان يمكنهم البناء على تقاليد العمل السياسي العائد إلى الآباء المهاجرين؛ فقد أكتشف هؤلاء المستوطنين البريطانيين الأوائل، حسب أرنديت، تقريبًا عن غير قصد لأنفسهم "القواعد الأساسية للعمل السياسي"،[9] ووصلوا إلى أرض خالية خصبة حيث كانت سلطة الملكية البريطانية بعيدة جدًا عن أن تكون مؤثرة عليهم، فبنوا نظامهم السياسي الخاص من الألف إلى الياء، وذلك باستخدام لبنات البناء كاتفاقات ملزمة. عندما قام "الشعب" في وقت لاحق بالتمرد ضد الملك جورج، واعتمدوا الدستور لاحقًا، كانوا أشخاصًا يمثلون مرحلة مفصلية في الهيئات المحلية حيث اعتاد الأفراد على العمل سويًا والقدرة على تفويض الممثلين الذين يمكنهم الوثوق بهم. في تحدٍ للتقليد الهوبيسي والروسوي في التفكير في السلطة السياسية كسيادة قانونية يمكن تقويضها بالانقسام، جادل أرندت بأن الأمريكيين عرفوا بالتجربة أن الدولة التي بها العديد من الميادين المختلفة التي يتم فيها توليد السلطة أقوى من دولة واحدة بمركز واحد.

قارنت أرندت هذا النوع من الناس الفيدراليين، حيث تولد السلطة في مجالسهم المحلية، مع "الشعب" الذي احتج به وطلب مساعدته الثوار الفرنسيون، والذي لم يتعدى كونه مجرد خيال قانوني (أيً،مجرد بديل للملك السيادي) أو غوغاء يتضورون جوعًا في الشوارع. وتباينت ايضا مع جمهور الناخبين مثل الناخبين في الولايات المتحدة الأمريكية، الذين فشلوا في الوفاء بالوعد الثوري في الحرية السياسية التي يجب أن يتمتع بها المواطنيين الناشطين سياسياً. على الرغم من أن الجمهورية الأمريكية كانت في وقت تأسيسها قد نجت من ضغوط الفقر الشامل، إلا أنها، كما تعتقد أرنديت، أنها أصبحت مهددة من نوع مختلف من المشاكل الاجتماعية، الاستهلاك الجماعي، و"السعي لتحقيق السعادة" بمعنى الثراء الخاص. لاحظت أرندت مرددًة آراء العديد من أسلافها في التقليد الجمهوري الكلاسيكي. أنه لطالما كان يعتقد أن "الحرية والرفاهية غير متوافقين"،[10] وربطهما بالمشكلة الإجتماعية " في حين أنه من صحيح أن الحرية لا يمكن أن تأتي إلا لأولئك الذين تم تلبية احتياجاتهم، ومن الصحيح أيضًا أنها ستهرب من أولئك الذين لايعيشون الا من أجل رغباتهم.[11] قد يعني المصلحة العامة التي هي رفاهية الجمهورية القليل بالنسبة لأولئك الذين ولدوا للأستهلاك، وأولئك الذين يعانون الجوع.

المشكلة في الديمقراطية الحديثة، في نظرها، هي "غزو المجال العام من قبل المجتمع "، [12] وهذا يعني عندها أنه بدلاً من مشاركة الاهتمام بالمصلحة العامة، يستخدم الناس السياسة كأداة جماعية لخدمة المصالح والاهتمامات الخاصة. يشغل الساحة العامة سياسيون محترفون. في حين أن الناخبين بشكل عام أصبحوا مستهلكين. وفي وضع لا يمكنهم من مناقشة الشؤون العامة وتشكيل آراء حقيقية بشأنها. يحاول السياسيون المحترفون أقناع الناس بانتخابهم من خلال اللجوء بشكل صارخ للمصالح الخاصة للناخبين. وفي الوقت نفسه، لا يحدد الناخبون اختيارهم بالنظر الى أي مصلحة عامة (ولا يتحملون أي مسؤولية عنها)، ولكن، ببساطة، أختيار من يقدم لهم أكثر كأفراد. فبدا وكأن أن عملية الانتخاب بمثابة ممارسة للرشوة. لقد جعلتها التجربة السابقة من القرن الماضي، حيث أيًد الكثير من الألمان "غير السياسيين" هتلر وأندفعوا مع مصالحهم الخاصة، تخشى أن هذا النوع من العلاقة بالسياسة لم تكن فاسدة فحسب، بل خطيرة.

سيكون من الخطأ افتراض أن ليس لديها تقدير للديمقراطية الليبرالية الحديثة. على الرغم من أن تجربة الأنظمة الحزبية غير المستقرة والمنقسمة عقائديًا لجمهورية فايمار في ألمانيا والجمهوريتين الثالثة والرابعة في فرنسا قد منحتها نظرة متشككة في سياسات الأحزاب، فقد كانت مدركة تمامًا لقيمة النظم السياسية التي تحمي الحريات المدنية ومسؤولة عن رعاياها. وعلى وجه الخصوص، بدا أن نظام الحكم الثنائي في بريطانيا والولايات المتحدة، والذي تعتبر فيه المعارضة شرعية ومسؤولة، متفوقة إلى حد كبير على النزعات المركزية والاستبدادية التي مثلتها (كما تعتقد) معظم اشكال الحكومة التمثيلية الموجودة في ذلك الزمن.[13] وأقرت في بعض الأحيان، علاوة على ذلك، بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تستسلم بالكامل للسياسة المهنية، واحتفظت ببعض ملامح قوة المواطن الفيدرالية التي بدأت منها.[14]

لكنها لم تضفي الطابع المؤسسي على "الحرية العامة" التي مرت بها الثورة. ولم يمنح الهيكل الفيدرالي للآباء المؤسسين مساحة كافية للمشاركة المحلية المباشرة في السياسة (على سبيل المثال من خلال اجتماعات المدن التي أعيد تنشيطها) والتي كانت الأجيال اللاحقة قادرة على تحمّل المسؤولية وتجربة "السعادة العامة" للتصرف كمواطنين. أكد أرندت أن توماس جيفرسون كان قد رأى (بعد فوات الأوان) "الخطر ... أن كل السلطة قد أعطيت للناس بصفتهم الشخصية، وأنه لم يكن هناك مساحة مخصصة لهم بصفتهم مواطنين"[15]. فقد فشل المؤسسون في الحفاظ على الروح الثورية على الرغم من نجاحهم من نواح كثيرة في الانتقال من الثورة إلى جمهورية دائمة.

يتعلق الفصل الأخير من كتابها "في الثورة" بهذا "الكنز المفقود" للثورة. وكان مطالبة أرندت أن تجربة الحرية العامة في العمل بين المواطنين. على الرغم من إعادة اكتشافه مرارًا وتكرارًا في المواقف الثورية، إلا أنه لم يتم حفظه فعليًا في مؤسسات الجمهورية الأمريكية ولا في التقاليد الثورية الأوروبية، التي كانت تسيطر عليها ذاكرة الثورة الفرنسية الفاشلة كما ترى. وفقًا لوجهة نظر أرنديت حول العلاقة الصحيحة بين الفكر السياسي والعمل السياسي، لم يكن غرضها وضع برنامج لإعادة بناء الديمقراطية بقدر ما كان لاستعادة ذاكرة التجارب المنسية. "إن التجارب وحتى القصص التي تنبثق مما يفعله الناس ويتحملونه، من الأحداث والأحوال، تعود إلى العبث المتأصل في الكلمة الحية والأفعال الحية ما لم يتم الحديث عنها مرارًا وتكرارًا." [16]

إن التجارب التي كانت ترغب في استردادها والحفاظ عليها تتعلق بما تشير إليه غالبًا باسم "نظام المجلس". لقد كان هذا شكلًا جنينيًا لجمهورية تشاركية تقوم على اتحاد من مجموعات وجهاً لوجه، ظننت أنها ظهرت مرارًا وتكرارًا في سياق الثورات، ولم يتم سحقها إلا لمصلحة دولة مركزية. عن سبيل المثال، اتخذ النشاط الشعبي خلال الثورة الفرنسية شكل التحريض الشعبي ليس فقط بخصوص "القضية الاجتماعية" ولكن أيضًا بخصوص التكوين التلقائي لهيئات الحكم الذاتي. توحّد بعضها كما في كومونة باريس، وكا (على الأقل جزئيًا) منظمات مكّنت المواطنين من الاهتمام بالمصلحة العامة.[17] على الرغم من ظهور هيئات أو مجالس بسرعة مماثلة في جميع أنحاء البلاد، الا أنها كانت "منظمات أولى لجمهورية لم تظهر إلى حيز الوجود"[18] قد تم الاستيلاء عليها وتدميرها بسرعة من قبل حزب اليعاقبة، وهو رمز للمصير ذلك الذي واجهه السوفييت لاحقًا خلال الثورة البلشفية.

ما يبدو رائعًا واستثنائيا بالنسبة إلى أرندت هو أنه على الرغم من إهمال هذه الأجهزة الشعبية للحكم الذاتي في التقاليد الثورية، إلا أن الشيء ذاته، "المجالس والسوفييتيات، ظهر بشكل عفوي وغير متوقع تمامًا في ثورة بعد ثورة في القرنين التاسع عشر والعشرين. - في كومونة باريس عام 1871، في الثورات الروسية لعامي 1905 و1917، في ألمانيا بين عامي 1918-19، وفي عام 1956 في المجر. لكن تم تدميرها جميعًا، وعلى يد أحزاب ادعت أنها ثورية غالبًا. كان الاختراع أو الاكتشاف المتكررين لشيء غير متوقع في رأي أرنديت، هو "غياب الاستمرارية والتقاليد والتأثير المنظم الذي يجعل تشابه الظاهرة مدهشًا للغاية".[19] يمكن العثور على الأعتراض على مثل هذا التقدير لهذه الظاهرة في كتابات الفوضويين مثل برودون أو باكونين. ومع ذلك، تشدد أرندت على أن المجالس المعنية لم تكن أناركية (فوضوية)، بل كانت تهدف إلى إنشاء نظام حكم جديد يتم بناء اتحاده من القاعدة، شكل جديد من الحكم يقوم على المشاركة المباشرة للمواطنين. كانت هذه "فضاءات للحرية"[20] مزيج من المشاركة الشعبية مع الاتحاد في جمهورية أوسع، اعتقدت أنها تستطيع أن ترى فيها إمكانية وجود بديل حقيقي للديمقراطيات التمثيلية المركزية، ديمقراطية يمكن التمتع فيها بالحرية الحقيقية.

فشل هذا "الشكل الجديد من أشكال الحكم" في الازدهار وكان إلى حدما قضية خاسرة. تناولت أرندت في مقابلة أُجريت عام 1970، أي قبل وفاتها بخمس سنوات، مسألة ما إذا كانت التفكير على هذا المنوال يعتبر حالة يوتيوبية. فقد رأت أن هناك حاجة إلى نوع جديد من الدولة غير مبني على مفهوم السيادة في ضوء مشاكل العلاقات الدولية في العصر النووي، واقترحت أن البديل الوحيد (على الرغم منأن هذا البديل لم يتجاوز بعد المرحلة الجنينية) هو هذا النوع من الجمهورية المبني على المجالس الفيدرالية التي تم الإعلان عنها بانتظام خلال الثورات. لقد كان حماسها لهذا البديل واضحًا. فتقول" في هذا الاتجاه، أعتقد أنه يجب أن يكون هناك شيء ما، مبدأ تنظيمي مختلف تمامًا، يبدأ من القاعدة ، ويستمر في الصعود، ويؤدي في النهاية إلى البرلمان." [21]

ومع ذلك، فقد أوضحت أن ما كانت تفعله هو التعليق على الأحداث والاحتمالات (مع الأخذ في الاعتبار انفتاح المستقبل وابتكار البشر) بدلاً من تقديم نموذج: "ما إذا كان هذا النظام هو يوتوبيا خالصة - في أي حال سيكون يوتوبيا للناس، وليس يوتيوبيا للمنظرين والآيديولوجيين - واضافت إذا سألتني الآن عن احتمال تحقيقها فعنئذ أجيبك بشكل غير جازم، ربما بعد أعقاب قيام ثورة قادمة.[22]

المشاركة والنخبوية

جذبت وجهات نظر أرندت حول "نظام المجلس" قدراً كبيراً من النقد. لم يركز النقاد على محاولتها لإستعادة هذه التجارب الثورية في المشاركة (أو حتى على تكهناتها حول ما قد تجلبه الثورات في المستقبل) ولكن على صفحات قليلة في نهاية كتاب الثورة. كانت تدرس فيها بعض الآثار التي قد تترتب على مثل " نظام المجالس" هذا اذا تم تطبيقه. لقد أندهش معظم قرائها حيث وجدوا أن ثمن مشاركة المواطن تؤدي الى خسارة ما يعتقده معظمنا على أنه ديمقراطية، مما يؤدي إلى حكم النخبة المختارة. كانت ملاحظتها سياق هذه المناقشة، قبل بضع صفحات، بأن ما نسميه اليوم ديمقراطية هو شكل من أشكال الحكم حيث يحكم القلة بأفتراض أنهم يحكمون لصالح الكثيرين. هذه الحكومة ديمقراطية بمعنى أن الرفاهية الشعبية والسعادة الخاصة هي أهدافها الرئيسية؛ ولكن يمكن تسميتها حكم القلة بمعنى أن السعادة العامة والحرية العامة أصبحت مرة أخرى امتياز القلة![23]

بالمقابل موجب "نظام المجالس"، فإن الحرية العامة - الفرصة لاتخاذ إجراء - ستكون متاحة ليس فقط لهؤلاء السياسيين القلائل المحترفين، ولكن للمواطنين بشكل عام، شريطة أن يكونوا مستعدين لاغتنام الفرصة للمشاركة. أنه لمن الأهمية بمكان ملاحظة أن أرندت تختلف عن معظم منظري الديمقراطية التشاركية في قبول فكرة أن معظم الناس لن يرغبون في الاشتراك في الشؤون العامة، وهذا يعني ضمناً أنهم يستبعدون أنفسهم من المشاركة في السلطة. على الرغم من أن جميع البشر قادرون من حيث المبدأ على أخذ زمام المبادرة، وبالتالي المشاركة في التفاعل الديناميكي الذي تسميه "الحرية العامة"، إلا أنها تعتقد أن معظمهم يفضلون الحياة الخاصة. إن مناقشتها صريحة وغير معتادة، ولا تخشى استخدام مصطلح "النخبة" لأولئك الذين يختارون إشراك أنفسهم في الشؤون العامة وحتى الإشارة إلى شكل الحكومة الناتج باعتباره "أرستقراطي". كما لاحظت عند النظر إلى التجربة التاريخية، أن "الحرية، حيثما وجدت كواقع ملموس، كانت دائمًا محدودة من الناحية المكانية"، وهي حالة "جزر في البحر" أو "واحات في الصحراء".[24] إن أولئك الذين تحركهم "المشاعر السياسية" من كالشجاعة والطموح والسعادة العامة والحرية العامة كانوا دائماً أقلية. إنها لا تتحدث فقط عن "المسؤولية التي تقع تلقائيًا على عاتق من يهتمون بمصير أولئك الذين لا يهتمون بها"، ولكن عن "الحاجة الماسة للقلة لحماية أنفسهم ضد الكثرة" من أجل الاستمتاع بجزيرة الحرية.[25]

إذن، إن "نظام المجالس" مثل أشكال الحكم الأخرى، يعني الحكم من قبل النخبة. الفرق هو أنه بدلاً من أن تكون نخبة من السياسيين المحترفين المسؤولين أمام جمهور الناخبين، ستكون هذه نخبة من أولئك الذين يهتمون بالشؤون العامة، ويمكن لأي مواطن أن يكون جزءًا من ذلك من حيث المبدأ. يمكن لجميع الذين يرغبون في القيام بذلك أن يشاركوا على مستوى القاعدة، وقد يكونون أيضًا من بين النواب الذين سينتقلون إلى المستوى التالي في الاتحاد، ليس كممثلين لخط الحزب ولكن كأفراد موثوق بهم من قبل أقرانهم. لكن أولئك الذين لم يبذلوا جهدًا للحضور لن يكون لهم أي تأثير على المناقشات أو الخيارات؛ من شأن "نظام المجالس" أن يوضح نهاية الاقتراع العام كما نفهمه اليوم. إن مسؤوليات الحياة العامة تقع على عاتق "هؤلاء القلة من جميع مناحي الحياة الذين لديهم ذوق للحرية العامة ... من الناحية السياسية، هم الأفضل، وهي مهمة الحكم الجيد وعلامة على جمهورية جيدة التنظيم لتؤكد مكانهم الصحيح في المجال العام ".[26]

يرافق هذا الدفاع الصريح عن نسخة ديمقراطية من السياسة "الأرستقراطية" محاولة مثيرة للجدل بنفس القدر لتمييز وفصل السياسة عن "الإدارة" وإبعاد القضايا "الاجتماعية" عن السياسة. لاحظت أرندت أنه عندما ظهرت "المجالس" في سياق الثورات، فقد جعلوا الأمور صعبة على أنفسهم بانتظام من خلال عدم القيام بذلك التمييز. لقد كان الخطأ القاتل للمجالس دائمًا هو أنهم لم يميزوا بين المشاركة في الشؤون العامة والإدارة أو إدارة الأمور في المصلحة العامة.[27] نتيجة لذلك، حاولت مجالس العمال إدارة المصانع، ولكن عادة ما كانت النتائج كارثية. إن هذا لا يمكن أن ينجح، وفقًا لأرندت، لأن السياسة والإدارة تتطلب صفات مختلفة تمامًا. ففي رأيها، لن تكون مهمة المواطنين المشاركين في جمهورية فيدرالية هي "إدارة الاقتصاد" - أن طريقة للتفكير في السياسة التي توضحها تنحية للسياسة بسبب المخاوف "الاجتماعية" البحتة.

التقييم النقدي

حظيت وجهات نظر أرندت بشأن الديمقراطية بأستقبال نقدي من قبل المدافعين عن الديمقراطية الليبرالية الغربية ومن معارضينها، كما خلقت مشاكل لمعجبيه. لقد وجد المدافعون أنه من المثير أنها إنها لم تعترف كثيرًا بفوائد النظم التمثيلية الليبرالية على الرغم من تجربتها النازية ودراساتها عن الشمولية. لأنه (على حد تعبير جورج كاتب) بدون ديمقراطية تمثيلية "سيكون هناك المزيد من الأشياء التي تخشاها وعدد أقل من الأشياء التي تحتفل بها".[28]وعلى وجه الخصوص، مثل هذا النوع من السياسات العفوية، غير الرسمية، التي تحظى برعاية الجمهور، والتي احتفلت بها - من أجل الحقوق المدنية وضد حرب فيتنام، عن سبيل المثال - تعثر على أجواء مضيافة في إطار تلك الديمقراطيات الليبرالية ذاتها رغم تشوهها بعوامل بمادية أو دنيوية للناخبين ولدغة السياسة كذلك.

في الوقت نفسه، غالبًا ما كان أولئك الذين تعاطفوا مع نقد أرندت للديموقراطية الليبرالية مستاءين من وجهات نظرها، لا سيما من مقولتها "أنا اجتماعية". اعتاد الكثيرون من اليسار على التفكير في الثورة من حيث القوى والنتائج الاجتماعية، وكانوا مهتمين بالديمقراطية الراديكالية بشكل أساسي كوسيلة لتمكين الفقراء من تحقيق العدالة الاجتماعية. إن أدعائها بأن السياسة قد أُفسدت بسبب توغل المخاوف "الاجتماعية" يبدو لمثل هؤلاء القراء غير مفهوم. [29]

ومع ذلك. كان هناك دائمًا بعض المنظرين السياسيين الذين يستجيبون لتأملاتها حول العمل السياسي على مستوى القاعدة الشعبية، وغالبًا ما كان هؤلاء الأشخاص يشاركون أو يستجيبون لهذا النوع من النشاط التلقائي في ما يتعلق بالمواطنين الذين كتبت عنهم.[30] تميل الأحداث منذ وفاتها لتأكيد فهمها ولفتها الانتباه إلى الجوانب الإبداعية للسياسة التي تعد أساسية للغاية للديمقراطية، ولكن النظرية الديمقراطية السائدة تجاهلت ذلك بشكل عام. أنظر في بعض الأحداث التي تؤيد وجهة نظر أرنديت خلال السنوات الماضية؛ فقد قام المعارضون في العديد من الدول العربية بالتضحية بمصالحهم الخاصة من أجل المصلحة العامة، وبخلق مساحات للحرية العفوية، واظهر الناس من مختلف المهن، كيف يمكن خلق القوة من قبل أفراد لا حول لهم ولا قوة عندما يجدوا الشجاعة للتصرف علنًا في أنسجام. قدمت ثورات وحركات وأحتجاجات المواطنين وانهيار الحكومات في الدول العربية ابان ما يعرف بـ " الربيع العربي" أمثلة حية على الثورات "الأرينديتية" (وغير الماركسية بالكامل). في ضوء هذه التجربة المعاصرة والراهنة، فإن العديد من جوانب مقاربة أرندت للديمقراطية تبدو معقولة أكثر من ذي قبل، على الرغم من استمرار المشكلات والمعضلات، لا سيما فيما يتعلق بـ"نظام المجلس".

لقد كانت هذه الثورات علامة على خسائر السياسة الإيديولوجية اليسارية بمعنى أوسع. أذ أن مجموعة كاملة من الافتراضات، التي قُدمت في السابق بكل ثقة بأنها بديهية لم تعد هكذا. ولم يعد من المسلم به أن المجتمع والاقتصاد يمكن بل ويجب أن يعاد تشكيلهما من خلال الاستيلاء على السلطة السياسية، أو أن المستغلين والمضطهدين يجب أن يمثلوا قوى التقدم. بعد 200 عام من الإيمان الراديكالي بالعصر الذهبي في المستقبل، يبدو أن المستقبل لم يتم تحديده لنا. إصرار أرندت على التعددية وعدم اليقين في السياسة، وعلى عدم قدرة الجهات الفاعلة على التنبؤ أو السيطرة على آثار أفعالهم، استبق تأكيد ما بعد الحداثة على الانفتاح المتأصل للديمقراطية. كان الديمقراطيون الراديكاليون يشعروا بالثقة في الماضي (مستمدًا من نظرة ثاقبة اتجاه التقدم) من النتائج التي تتستلزم عن المشاركة الشعبية الحقيقية. أما الآن فهناك جمهور أوسع، يؤيد المنظرين الذين يتبنون، كما كانت أرندت، الرأي الذي يقول باستقلالية السياسة التي لا تستطيع النظرية توقع نتائجها. أو كما يقول بنيامين باربر: 'تبدأ السياسة الديمقراطية حيث ينتهي اليقين."[31]

الاعتراض على آراء آرندت حول المواطنة التشاركية، إذن، على أساس أنها لا ترى ذلك كطريق إلى العدالة الاجتماعية، يبدو غير مناسب على نحو متزايد. علاوة على ذلك، فإن تشديدها على الدور الذي تلعبه نخبة من المواطنين الذين يتمتعون بروح الجمهور في النشاط الديمقراطي الراديكالي، يبدو مختلفًا إلى حد ما عندما ينظر إليه في ضوء الأحداث الأخيرة، في الدول العربية وما سبقه من ثورات اطاحت في الأنظمة في أوروبا الشرقية. هناك، كما يلاحظ جيفري إسحاق، توترًا حقيقيًا "بين السلوك الجماهيري والمواطنة ذات المغزى"[32] وهنا نجد أنفسنا امام تساؤل هل نحن أمام خيار إما سياسة جمهوريّة بطولية بالنسبة للقلة، من النوع الذي تعجب به أرندت، أو النموذج المألوف للديمقراطية الليبرالية، والذي قد يكون جيدًا في حماية الحقوق المدنية، ولكنه يوفر سياسات حزبية مادية للجماهير بدلا من الحرية العامة؟

حاول جيفري إسحاق حل هذه المعضلة من خلال الإشارة إلى أن هذين النوعين من السياسات الديمقراطية متكاملان في الواقع العملي أكثر من كونهما متعارضين، وأن أرندت نفسها رأتهم على هذا النحو.[33] ويجادل على المستوى العملي، بأنه إذا أُريد للديمقراطية أن تزدهر فإنها تحتاج إلى كلا الجانبين: سياسة الخبز والزبدة للسياسيين المحترفين، والمنافسة الحزبية وتمثيل المصالح من ناحية، والسياسة غير الرسمية، كما تتحدث عنها أرنديت، التي تتعلق بالمواطنيين المتحمسين للعمل العام من ناحية أخرى.

يزعم إسحاق أن أرنديت كانت تفكر بنفس الطريقة التي تحدثت بها عن "المجالس": إنها لم تكن تعني حقًا أن تحل محل الديمقراطية التمثيلية، أو ترحب حقًا باحتمال أن تحكم النخبة المختارة بقية السكان. كل ما كانت تقصده (طبقا هلذا التفسير) هو أن "المجالس" ستحافظ على مساحاتها الحيوية من الحرية إلى جانب السياسة التمثيلية العادية التي تهتم بالمصالح المادية للسكان، كما تفعل المنظمات التطوعية للمواطنين.

ليس هناك شك الآن في أن هذا شيء قد قالته أرندت بشكل متماسك. كما جادلت (بطريقة قد تُعتبر متشابهة) أن العصيان المدني، رغم أنه غير قانوني بحكم تعريفه، هو بمعنى ما جزء من البنية الدستورية الموروثة للجمهورية الأمريكية لأنه يمثل واجب المواطن في تحمل مسؤولية الهيئة السياسية التي يوافق عليها.[34] ومع ذلك، على الرغم من أن هذا ما كان يمكن أن تقوله، إلا أنه ليس ما قالته. تشدد مراراً وتكراراً عند الإشارة إلى نظام المجلس على أنها تتحدث عن شكل جديد من أشكال الحكومة.[35] وهذا مايبين اهتمامها بالكشف عن اختفاء السياسة من اهتمامات ليس فقط لأولئك الذين يختارون عدم الاهتمام بالشؤون العامة، ولكن أيضًا لأولئك الذين لا يستطيعون القيام بذلك لأنهم (على سبيل المثال) كبار في السن أو مرضى أو ليس لديهم الرغبة في الشأن العام .

يبدو أن السبب الذي جعل أرنديت نفسها تجد هذا الترتيب معقولًا يكمن في التمييز الإشكالي بين "السياسي" و"الاجتماعي"، وخاصة فصلها عما أسمته "الإدارة" عن السياسة. لقد كانت قادرة على إنكار أن المخاوف الاقتصادية لعامة الناس كانت مواضيع مناسبة للنقاش السياسي، لأنها تعتقد أن هذه أمور تتعلق بـ "الإدارة" والتي يوجد بشأنها إجماع قائم على أساس موضوعي. يبدو أن هذه كانت وجهة نظر تم تشكيلها في ذروة التدخل الكينزي، عندما كان القول أن الاشتراكية والليبرالية تقاربتا نحو نموذج مشترك للتخطيط الحكومي للاقتصاد مقبولاً.[36] هيمن بعد ذلك الحين، إجماعًا مختلفًا تمامًا في ما يتعلق بالاقتصاد السياسي، وإذا كان لممثلي الأسواق الحرة المفتوحة من اليمين الجديد طريقهم الأقتصادي، فيمكن القول بأن أرندت كانت على حق في الاعتقاد بأن مسائل الرخاء تكمن خارج السياسة، لأن جهود الحكومة حسنة النية! تضر أكثر مما تنفع. هذا التحول في النموذج الاقتصادي من النوذج الكينزي إلى نموذج هايك يكفي بحد ذاته لإثبات أن هذه مسائل مثيرة للجدل إلى حد كبير. لا يمكن أن يكون هناك شك في أنه يوجد في الوقت الحالي مجال للكثير من النقاش المعقول (بين المواطنين وكذلك بين الاقتصاديين المحترفين) حول التوازن الدقيق الذي يجب تحقيقه بين التنافسية العالمية والحمائية الوطنية أو الإقليمية، وبين الحقوق الاجتماعية للعمال والحد من البطالة. إن الإيحاء بأن المواطنين الديمقراطيين يجب ألا يهتموا بمثل هذه المسأئل أمر لا يمكن الدفاع عنه، وكذلك الفكرة القائلة بأن مصالح الأشخاص المعرضة للخطر يمكن أن تترك بأمان خارج النقاش.

تظل بعض جوانب تفكير أرندت حول الديمقراطية إشكاليًة. ومع ذلك، يمكن للديمقراطيين أن يتعلموا الكثير مما قالته حول الطبيعة التعددية للسياسة والإبداع الذي لا يمكن التنبؤ به للعمل السياسي. علاوة على ذلك، في أجواء التشكيك التي تثيرها طروحات "ما بعد الحداثة"، قد يكون من الحكمة عدم تجاهل التوتر الذي أشارت إليه بين المواطنة التشاركية والديمقراطية الجماهيرية بكل سهولة. فإذا كان التقدم والتنوير لا يمكن الاعتماد عليهما؛ وإذا لم يكن لدينا أي سبب للاعتقاد بأن العقل يجب أن ينتصر؛ وإذا كانت الديمقراطية منفتحة حقًا ونتائجها غير متوقعة بالفعل، فقد لا تكون "ديمقراطيات جديدة" فقط ولكن تجد نفسها تواجه مشكلة الشعوبية. قد تؤدي المناشدات الناجحة للناخبين على مستوى القاعدة الشعبية إلى لفت أنتباه وأهتمام أولئك الذين يقدرون الحرية العامة. إن العلاقات بين الشعبوية والديمقراطية معقدة. ولا يمكن مناقشتها هنا، فلها تفصيل آخر. لكن أي تقييم لتفكير أرندت حول الديمقراطية من شأنه أن يؤخذ في الاعتبار ليس فقط رؤاها حول المواطنين المتحمسين للروح العامة، ولكن كذلك تذكيرها بالآثار السياسية المترتبة على الغوغاء، والناخبين المستهلكين، والدعم الجماهيري للدكتاتورين أوالمستبدين .

 

د. علي رسول الربيعي

..........................

[1]

[2] لقد اتُهمت بالفعل بعدم تقدير مزاياها. أنظر عن سبيل المثال:

Kateb, Hannah Arendt: Politics, Conscience, Evil (Oxford, Marcin RobertSon, 1983). p. 115.

[3] Richard Bernstein points out, she was already thinking along these lines in the 1940s, in her interventions in Zionist controversies. R. Bernstein, Hannah Arendt and the Jewish Question (Cambridge, Polity, 1996), pp. 11­12, 117-18. 127-30.

[4] A. Michnik, Letters .from Prison and Other Essays (Berkeley, CA, University of California Press, 1985).

[5] R. H. King, Civil Rights and the Idea of Freedom (Oxford, Oxford University Press, 1992).

[6] Hannah Arendt, 'Hannah Arendt on Hannah Arendt', in M. A. Hill (ed.), Hannah Arendt: The Recovery of the Public World (New York, St Martin's Press. 1979), p. 336.

[7] Hannah Arendt, On Revolution (London, Faber and Faber, 1963), pp. 53­

[8] Hannah Arendt, On Revolution (London, Faber and Faber, 1963), p. 28

[9] Arendt, On Revolution. p. 173.

[10] Arendt, On Revolution, p. 135.

[11] Arendt, On Revolution, p. 136.

[12] Arendt, On Revolution, p. 223.

[13] Arendt, On Revolution, pp. 271-2.

[14] Arendt, On Revolution, p. 134.

[15] Arendt, On Revolution, p. 256.

[16] Arendt, On Revolution, p. 222.

[17] Arendt, On Revolution, p. 247.

[18] Arendt, On Revolution, p. 249.

[19] Arendt, On Revolution, p. 266.

[20] Arendt, On Revolution, p. 258.

[21] Hannah Arendt, Thoughts on politics and revolution', in her Crises of the Republic (New York. Harcourt Brace Jovanovich, 1972), p. 232. 33

[22] Arendt, Crises o[the Republic, pp. 231. 233.

[23] Arendt, On Revolution, p. 273.

[24] Arendt, On Revolution, p. 279

[25] Arendt, On Revolution, p. 280

[26] Arendt, On Revolution, pp. 283-4.

[27] Arendt, On Revolution, pp. 277-8.

[28] G. Kateb, Hannah Arendt: Politics, Conscience, Evil

[29] أنظر عن سبيل المثال: H. F. Pitkin, 'Justice: On relating private and public', pp. 261-88, and J. F. Sitton, 'Hannah Arendt's argument for council democ­racy', pp. 307-29, both in L. P. Hinchman and S. K. Hinchman (eds), Hannah Arendt: Critical Essays (Albany, NY, Stare University of New York Press, 1994).

[30] أنظر: R. H. King, Civil Rights and the Idea of Freedom (Oxford, Oxford University Press, 1992

[31] أنظر عن سبيل المثال: King, Civil Rights, pp. xiii, 219 n. 24.

[32] c. Isaac, 'Oases in the desert: Hannah Arendt on democratic politics', American Political Science Review, 88: 1 (March 1994), 156-68, esp. 156-8.

[33] . Isaac, 'Oases in the desert: Hannah Arendt on democratic politics', American Political Science Review, 88: 1 (March 1994), 156-68, esp. 156-8.

[34] Hannah Arendt, 'Civil disobedience'. in her Crises of the Republic, pp. 82, ­102.

[35] Arendt, On Revolution, pp. 253, 259, 262, 265, 268, 271, 282, 284; 'Thoughts on politics and revolution', pp. 230-3.

[36] أنظر: M. Canavan, Hannah Arendt: A Reinter­pretation of her Political Thought (Cambridge, Cambridge University Press, 1992), esp. Ch. 3.

 

في المثقف اليوم