أقلام فكرية

مدخل الى فلسـفة الأخلاق (1)

علي رسول الربيعينظرا لما تمر به المجتمعات في السياق الإسلامي في العالم العربي من حالة انهيار منظومة القيًم الأخلاقية وما يرافقها ايضاً من ضمور البحث والدراسات في فلسفة الأخلاق أرتيأينا أن نسـتأنف النظر في في المشكلة الأخلاقية مبتداين من مدخل اساس في فلسفة الأخلاق . قد لا يكون هذا المدخل لعلم الأخلاق يأتي بمتسلسلا بطريقة مدرسية اذا قد نقدم موضوع على أخر لاسباب فنية وموضوعية لكن في النهاية سنتناول في هذه السلسلة ولو بأختصار القضايا المركزية في الفلسفة الأخلاقية.

المـقدمة

ماذا يجب أن أفعل؟

كيف أعرف ما هو الصحيح؟

هذه الأسئلة الأساسية هي نقطة انطلاق النقاش الأخلاقي، فتدور الأخلاق حول الخيارات الأخلاقية. إنها تتعلق بالقيم التي تكمن وراء هذه الخيارات والأسباب التي يقدمها الناس لها واللغة التي يستعملونها لوصفها. إنها تتعلق بالبراءة والشعور بالذنب، الصواب والخطأ، وماذا يعني أن تعيش حياة جيدة أو سيئة. إنها تتعلق بمعضلات الحياة والموت والجنس والعنف والمال. إنها تستكشف فضائل الإنسان والرذائل والحقوق والواجبات.

أن تكون مهتماً في الأخلاق هو أن تكون مهتماً في الحياة! تأتينا الأخبار كل يوم عن الخيارات الشخصية وعواقبها، عن عنف ومأساة الحرب، إلى التخريب العرضي والجريمة البسيطة في الشوارع . قد تختلف تفسيرات هذه الأشياء، والمبررات فيما يتعلق بأيديولوجية سياسية أو اقتصادية، إلى الشكوى العامة المتمثلة في اختفاء القيم التقليدية. لا يمكننا الهروب من القضايا الأخلاقية، حتى لو كنا محظوظين بما يكفي أن حياتنا الخاصة لم تمسها قرارات مؤلمة أو أفعال مذنبة.

لدى الشخص الناضج القدرة الفكرية على التساؤل حول كيفية وقوعه في فوضى خاصة به، أو الخطوات التي يحتاجها للخروج منها. يعرف الشخص الناضج عندما تكون هناك مشكلة يجب التغلب عليها، أو أن يتحمل مسؤولية اختيار صعب. والأخلاق هي المناقشة المنطقية لذلك.

سننظر في هذا المدخل في مجموعة متنوعة من الحجج الأخلاقية التي قدمها الفلاسفة مثل، مكيافيلي، هوبز، بنثام، كانت، نيتشه، وربما آخرين، نختبرها ونطبقها على مجموعة من القضايا الأخلاقية. لكن أولاً نحتاج إلى استكشاف ما الذي يجعل شيئًا ما أخلاقي أو لا أخلاقي.

ما الذي يجعل شيئًا أخلاقيًا؟

تعبر العديد من الخيارات مباشرة عن التفضيل الشخصي، والأفعال التي تنبثق عنها ليست أخلاقية أو غير أخلاقية. إنها تصبح فقط موضوع نقاش أخلاقي بسبب النوايا التي تقف وراءها، ونتائجها، وقيم المجتمع أو الفرد التي تعكسها.

أن السؤال الأساسي للأخلاق هو سؤال الحرية. إذا لم نكن أحراراً في اختيار ما نقوم به، فلا يمكننا أن نتحمل المسؤولية الأخلاقية عن أفعالنا. غالبًا ما تكون حرية اختيارنا مقيدة باختيارات الآخرين، وكذلك تتناسب مسؤوليتنا الأخلاقية مع الدرجة التي يكون بها خيارنا مهماً. وعندما يتم تقاسم الحرية بالتساوي، يمكن رؤية مساهمة الشخص بشكل إيجابي ("المساعدة أوالتحريض") أو سلبًا ("الإهمال أو الغفلة").

يمكن تقسيم الأفعال إلى:

- أخلاقية - إذا كانت تعكس قيم الفرد وقيم المجتمع

- لا أخلاقية - إذا كانت تتعارض مع قيم الشخص (أو المجتمع)، وإذا لم تعكس الخيارات القائمة على القيم أو الأعراف الاجتماعية.

بالطبع، قد يظن الفرد أن شيئًا ما أخلاقيًا حتى لو كان بقية المجتمع يعتقدون أنه لا أخلاقي. فعل شيء لا أخلاقي لايعني أنه يخالف القانون. يمكن أن تكون الأفعال أخلاقية ولكنها غير قانونية أو لا أخلاقية ولكنها قانونية.

إن أعتقاد بفعل ما أخلاقي أو لا أخلاقي يعتمد على قيمك والحجج الأخلاقية التي تستخدمها لتحديد ما هو صحيح. يعتمد أعتبار أفعال أو اختيارات أخلاقية، وأخرى لا اخلاقية على حساسيتك الأخلاقية، ومجموعة القيم التي تشترك فيها بوعي، إذا كنت تنتمي إلى مجتمع يعمل وفقًا لقواعد وقيم محددة.

لا تقرر الحقائق وحدها ما إذا كان هذا الشئ صواب أو خطأ: "الناس يموتون جوعا" ليس قولاً أخلاقيا. لكن إذا أضفت "... ولم تفعل شيئًا للمساعدة"، فستصبح مشكلة أخلاقية إذا كان الشخص الذي تمت الأشارة اليه في وضع يسمح له بالمساعدة، لكنه لا يفعل ذلك. بمعنى آخر، لكي يتم وصف قضية أو فعل ما على أنه أخلاقي، يجب أن نأخذ في الاعتبار الخيارات والنوايا الإنسانية والقيم التي تكمن وراءها.

ما هي غاية الأخلاق؟

يمكن أن تقدم دراسة الأخلاق شيئين من الناحية العملية. بادئ ذي بدء، إنها تساعد الفردعلى تقدير الخيارات الأخلاقية التي يتخذها الناس، وتقييم التبرير الذي يقدمونه لتلك الخيارات. ثانياً، إنها تنطوي على شحذ عكسي لوعي الفرد الأخلاقي - دراسة واعية للقيم والمبادئ، وكيف أثرت هذه على حياة الفرد، (والأهم من ذلك) كيف يمكن استخدامها لتشكيل المستقبل.

إن القارى الكريم يعرف بالفعل الكثير عن الأخلاق أكثر مما قد يدرك، لأنه على الرغم من أن "الأخلاق" هي فرع من الفلسفة ولها تاريخ طويل من النقاشات ومصطلحاتها الخاصة وحججها القياسية والمعيارية، الاً أنها تستند إلى مبادئ يستخدمها الناس، بوعي أو بغير وعي. تقرير ما يجب القيام به لايتطللب منك أن تعرف مصطلح "النفعية" مثلا، حتى عندما تكون الرغبة في اختيار ما يعطي أكبر فائدة لأكبر عدد من الناس. لذلك، على الرغم من أن هذا المدخل لعلم الأخلاق سوف يحدد النظريات الأخلاقية والمصطلحات المستخدمة في النقاش الأخلاقي، لكن ايضا سيتم فحصها في سياق المعضلات الفعلية. بعض الخيارات الأخلاقية واضحة المعالم؛ لكن البعض الآخر أكثر إشكالية. نبدأ من خلال النظر في المشاكل التي نبدأ بها في تقدير القضايا التي ينطوي عليها النقاش الأخلاقي

تميل الأخلاق، في الممارسة العملية، الى البدء في مراقبة الخيارات الأخلاقية التي يتخذها الناس والأسباب التي يقدمونها لهذه الخيارات. ومن هذا تنتج نظريات حول ما هو، أو ما ينبغي، أن يكون الأساس لقول أن شيئًا ما صحيحًا أو خطأً من الناحية الأخلاقية. ثم نعود للنظر في المواقف الفعلية، لمعرفة ما إذا كانت النظريات تساعد على فهم القضايا الأخلاقية وتؤدي إلى استنتاجات منطقية وعملية أم لا.

وهنا اريد اشير الى ملاحظة وهي أن هذا الأجراء يشبه الأجراء الذي يستخدمه العلم، حيث يتم تأطير الفرضيات كنتيجة للملاحظات ثم يتم اختبارها مقابل أدلة لاحقة لمعرفة ما إذا كانت كافية. لكن بينما يسعى العلم إلى شرح الواقع، تسعى الأخلاق إلى تغييره والتأثير عليه، مع الالتزام بذلك بينما يتعلق منهج العلم بالمعرفة الموضوعية.

ما ثمن الأستقامة والنزاهة الأخلاقية؟

يدل النضج على تحمل الشخص المسؤولية في مايتعلق بحياته الخاصة والتصرف بطريقة تعكس قيمه ايضا. ومن السمات الرئيسة للنضج النزاهة الشخصية - تطبيق القيم الأساسية على عملية صنع القرار، وبالتالي العيش بطريقة تسمح بالتعبير عن شخصيتك فيما تفعله. ولكن ما ثمن الذي يدفعه مقابل هذا؟ أحد مخاطر أخذ الأخلاق على محمل الجد، ومحاولة الارتقاء إلى مستوى القيم، هو تحمل العواقب، وقد لا يؤدي ذلك إلى حياة أكثر راحة أو خلو من المتاعب. وهناك أمثلة كثيرة عن أولئك الذين يخاطرون بحياتهم من أجل إنقاذ الآخرين؟ أولئك الذين يكشفون علانية الفساد؟ أولئك الذين يدافعون عن حقوق الإنسان في بلد يُحرمون منه بصورة منهجية؟

إن الاختبار الحاسم، هو الاختيار بين النزاهة والبقاء على قيد الحياة. إن اختيار الموت بدلاً من فقدان النزاهة هو السؤال الأساسي وراء كل استشهاد، من سقراط، الى قرون من الاضطهاد الديني، وحتى إلى أولئك الذين يوافقون على الإدلاء بشهاداتهم ضد المجرمين أو الإرهابيين، مع علمهم أنهم يخاطرون بحياتهم في القيام بذلك.

الحقوق والمسؤوليات

لقد درسنا حتى الآن كيف تعكس الاختيارات الأخلاقية الفردية الأفكار حول الصواب والخطأ، ولكن هناك جانب آخر للأخلاقيات. يدور الكثير من النقاش في الأخلاقيات حول الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الشخص. بمعنى آخر، ما الذي يمكن أن يتوقعه الفرد وبشكل معقول أن يقدم له المجتمع، وما ذا يتوقع في المقابل عليه من مساهمة في المجتمع. نجد هذه مجسدة، على سبيل المثال، في إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان. نحن نفترض أنه في مجتمع متحضر، سيتم التعامل مع الناس بطريقة تحترم احتياجاتهم الأساسية (كما في الدستور الأمريكي) من أجل الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة. عندما تكون هناك انتهاكات جسيمة لهذه الحقوق الأساسية .

بالنظر إلى المجتمع ككل، يمكننا أن نسأل:

- ما هي الحقوق التي يجب أن تتمتع بها؟

- ما المسؤوليات التي يجب أن تتقبلها؟

- هل عليك واجب أداء دور معين في المجتمع؟

بمعنى آخر، ما الذي يمكن أن نتوقعه من الآخرين، وما الذي يمكن أن يتوقعوه منا؟ ما الذي يجعل المجتمع "متحضرًا"؟

ليست كل القواعد التي يفرضها المجتمع بالضرورة أخلاقية. في المملكة المتحدة التي اعيش فيها مثلا، يُطلب من الشخص القيادة على الجانب الأيسر من الطريق، بينما في الولايات المتحدة، يتعين على نفس الشخص القيادة على اليمين. إنها اتفاقية اجتماعية، لذا فإن إطاعة الأمر ليس مسألة أخلاقية. ليست قواعد السلوك الاجتماعي والملائمة هي نفس الشيء بالنسبة للأخلاق الاجتماعية، على الرغم من أنها يمكن أن تؤثر على السلوك. انها تصبح فقط موضوع نقاش أخلاقي عندما يتعلق الأمر بمسائل تخص القيم، وتنطوي على آراء عامة حول الغرض من حياة الإنسان وطبيعتها.

لقد بدأنا بالفعل عملية النقاش الأخلاقي عند طرح هذه الأسئلة. لقد سألنا عن القوانين والحقوق وعن النتائج المتوقعة للأفعال؛ قد نشعر غريزيًا بأن بعض الأشياء خاطئة، بغض النظر عن الظروف، وأن نسعى لتبرير هذه القناعة.

فن العيش

إن العمل الفني هو شيء تم خلقه، من خلال الإلهام، والحدس، والشعور بالتوازن، والاستخدام المدروس للمواد المتاحة. إنه يقدم أكثر من مجرد عرض بسيط من قماش أو دهان أو حجر أو أي شيء آخر تم استخدامه. قد يكون باستعمال ادوات الحد الأدنى الممكن لكن يقول شيئا من خلال بساطته. وقد يكون غني بالرمزية أو اللون أو الشكل، معقد وصعب. ولكن مهما كان، فإن العمل الفني هو المنتج المتعمد للعقل. إنها محاولة لقول شيء للتعبير عن المعنى، أو القيمة، أو الأمل.

كذلك تتعلق الأخلاق بفن العيش – نرى حياتنا على أنها المادة نبنيها من خلال الخيارات التي نتخذها، كأننا نقوم ببناء عمل فني تدريجياً. نحن أكثر من اللحم والعظام والرهون العقارية. لا يمكن تعريفنا من خلال المال، العمل أوالحالة الاجتماعية أوالسياسية. لسنا مجرد مستهلكين. لسنا مبرمجين بعوامل وراثية وبيئية واجتماعية. لدينا مشاعر، حدس، أحلام، طموحات. تتشكل حياتنا باستمرار من خلال الخيارات التي نتخذها، والقناعات والقيم التي تكمن وراءها. بهذه الطريقة، حياتنا مثل الأعمال الفنية: إنها ما نحن عليه.

ولكن ما علاقة هذا بقائمة من القضايا الأخلاقية؟

- هل يجب عليّ الإجهاض؟ قد تسأل المرأة

- هل يجب أن أساعد الناس إذا كانوا يعانون من الألم على الموت؟

- هل يجب أن أنضم إلى الجيش أو أن أكون مسالمًا؟

- هل يجب أن أستفيد من سوء التقدير المالي لشخص آخر؟

ربما تختار أن تفكر في كل هذه الأشياء، لكن إذا واجهتك أحد هذه الخيارات، خاصة إذا كانت المخاطر كبيرة جدًا، فقد لا يكون اختيارك قائمًا على التفكير العقلاني وحده. سوف يستند، في جميع الاحتمالات، إلى التأثير التراكمي للعديد من الخيارات الأخرى التي اتخذتها على مر السنين. سوف يعتمد، في الأساس، على ما تحاول حياتك قوله فعلاً. ستستند إلى الصورة التي لديك عن نفسك وعن قناعاتك (ربما غير الواعية) عن الحياة.

قدمت هذه المقدمة ما يمكن أن نسميه الجانب "الوجودي" للأخلاق - أيً النظر في الطريقة التي تعكس بها خياراتنا الأخلاقية من نحن وما نريد أن نصبح. هذا هو نهج شخصي للغاية للموضوع قد لايفضله الجميع، لكنه مفيد في تذكيرنا بأن الأخلاقيات ترتبط بالأسئلة الأساسية حول قيمة الحياة البشرية ومعنىها.

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

 

في المثقف اليوم