أقلام فكرية

ما هي الديمقراطية؟.. نحو تعريف عملي

علي رسول الربيعيالمقدمة: قبل نقاش مشكلات الأنتقال الديمقراطي وتعزيزها والكيف ولماذا يحصل الأنكسـار البنيوي أو التاريخي الظرفي في عمليًة التحول الديمقراطي، والعلاقة الجوهرية بين ترسيخ الديمقراطية وحكم القانون، نعرض في هذه الدراسة مدخل اساس بوصفه تعريف عملي عن أشتغال الديمقراطية في نظام سياسي يتمتع بأنتخابات تنافسية بالإضافة إلى حماية الحريات السياسية. ولفهم هذا المنظور بشكل أفضل، نحتاج إلى فهم مجموعة وجهات النظر حول ما يشكل الديمقراطية. سوف نناقش عدة توجهات متعارضة مختلفة: الديمقراطية كعملية، ديمقراطية المشاركة، وديمقراطية حكم الأغلبية polyarchy وهي قد تكون السلطة في هذه الحالة ليست ديمقراطية تماما وليست دكتاتورية ايضاً كما وصفها روبرت دال والذي سنشير الى نظريته لاحقاً. بعد ذلك، نلخص بإيجاز ثلاث قواعد بيانات مقبولة على نطاق واسع عن الديمقراطية ويستند إليها المختصون في استكشاف أسس ومقومات الديمقراطية، لأن كل واحدة منها تحدد خصائص معينة للديمقراطية. إن الغرض من مسح المفاهيم المختلفة وعمليتها وأشتغالها هو لفرز خصائص الديمقراطية من خلال مراجعة مصادرها الكبرى.

وجهات نظر متباينة للديمقراطية

نلخص هنا الخصائص المميزة للديمقراطية من ثلاث وجهات نظر فلسفية مختلفة.

الديمقراطية كعملية: شومبيتر وأتباعه

يعتبر جوزيف شومبيتر مثال مشهور لهذا الرأي. نقطة انطلاقه هي ما يسميه "المذهب الكلاسيكي للديمقراطية" القادم من القرن الثامن عشر. ويصف هذا المبدأ بأنه مجموعة من الترتيبات المؤسسية لأتخاذ القرارات السياسية التي تؤدي إلى تحقيق الصالح العام، حيث يقرر الأشخاص مثل هذه القضايا من خلال انتخاب المسؤولين المفوضين لتنفيذ إرادة الشعب. و يصف احد المشاكل من خلال استعمال وضع أفتراضي.[1]

لنفترض أن هناك بلد يمارس بطريقة ديمقراطية اضطهاد المسيحيين، وحرق السحرة، وذبح المسلمين. من المؤكد أننا يجب ألا نوافق على هذه الممارسات حتى لو أنها أتخذت قراراتها وفقًا لقواعد الإجراءات الديمقراطية. لكن السؤال الحاسم هو: هل سنوافق على الدستور الديمقراطي نفسه الذي أسفر عن مثل هذه النتائج مفضلينه على الدستور غير الديمقراطي الذي من شأنه تجنبها؟

باختصار، يمكن للناس اختيار الأهداف الشريرة أو غير الأخلاقية بشكل أساسي.

يفضل شومبيتر التوجه نحو فهم الديمقراطية. إنه يشك في قدرة الناس ككل على اتخاذ قرارات جيدة. لديه المزيد من الثقة في قدرة الممثلين المنتخبين. من هنا، يجادل بالقول: "الطريقة الديمقراطية هي ذلك الترتيب المؤسسي للتوصل إلى قرارات سياسية يكتسب فيها الأفراد القدرة على اتخاذ القرار من خلال الصراع التنافسي على تصويت الشعب."[2] "فتهني الديمقراطية أن الناس لديهم الفرصة لقبول أو رفض الذين يحكمونهم".[3] ومن ثم، يتم تصور الديمقراطية كعملية، ونظام سياسي يتحول فيه الناس إلى سلطة فعالة لاتخاذ قرار بشأن أولئك الذين ينتخبونهم.

وقد اتبع آخرون راي شومبيتر. فيلاحظ كارل بوبر أن الديمقراطية هي النظام الوحيد الذي يستطيع الناس من خلاله تخليص أنفسهم من قادتهم دون عنف وإراقة دماء.[4] ويؤكد برزيورسكي أيضًا على أن احتمال تشكيل الحكومة من خلال الاقتراع من قبل الناخبين يجعل حل النزاع أكثر سلمية.[5]

نجد هنا، السمة المميزة الرئيسية للديمقراطية هي الانتخابات التنافسية، هناك العديد من النقاد لمنظور الحد الأدنى للديمقراطية.[6]

ديمقراطية المشاركة  participatory democracy

يجادل بيتر باشراخ بأن وجهة نظر شومبيتر للديمقراطية هي في الحقيقة شكل خفي من النخبوية، مما يسمح للسلطة الحقيقية بالبقاء في أيدي دائرة سياسية محدودة، مع وجود دور ضئيل للمواطنين في التصويت للمرشحين للمناصب. ويدعي أنه لا يمكن للديمقراطية أن تكون شكلاً حيوياً من أشكال الحكم إلا إذا كانت هناك مشاركة واسعة من قبل المواطنين.[7] يختصر باشراخ نظريته بالقول: " أعتقد أنه يجب أن تستند نظرية الديمقراطية إلى الافتراضات والمبادئ التالية: يكتسب غالبية الأفراد ثقتهم بأنفسهم وتطورهم نحو تأكيد أكمل لشخصياتهم من خلال المشاركة بنشاط أكبر في القرارات المجتمعية الهادفة؛ لذلك لدى الناس عموماً مصلحة مزدوجة في الأهتمام بالسياسة، في نتائجىها النهائية وفي عملية المشاركة،"[8] أو الأشتراك في مجرياتها، بالإضافة إلى ذلك، فأنه يزعم حتى المؤسسات الخاصة - إذا كان لها تأثيرات عامة - مطلوب أن تكون ديمقراطية، ومع صوت الناس في القرارات التي لها تأثيرات عامة.

تناقش كارول باتيمان[9] في كتابها "المشاركة والنظرية الديمقراطية" الوظيفة التثقيفية للمشاركة، متبعة أراء جون ستيوارت ميل، في أن الناس يصبحون أفضل كمواطنين بمجرد أنخراطهم ومشاركتهم السياسية. كما أنها تجادل - مثل بشراخ - بخصوص أهمية تمكين المواطنين من الحصول على أدوار في صنع القرار.

تستند الحياة السياسية في ديمقراطية المشاركة على عدة مبادئ أساسية:

- إجراء عملية صنع القرارات المتعلقة بالآثار الاجتماعية الأساسية بواسطة مجموعات عامة من المواطنين؛

- أن ينظر إلى السياسة بشكل إيجابي، على أنها فن خلق نمط جماعي مقبول من العلاقات الاجتماعية؛

أن السياسة لها وظيفة إخراج الناس من العزلة وأدماجهم في المجتمع، وبالتالي فهي وسيلة ضرورية، وإن لم تكن كافية، لإيجاد معنى في الحياة الشخصية ...

في التحليل النهائي، يعتقد أنصار ديمقراطية المشاركة أن إشراك المواطنين العاديين في السياسة ستمكنهم، وسيؤدي إلى اكتساب الثقة في القدرة على المشاركة بشكل هادف، وسوف يشجعهم على أن يصبحوا أكثر اطلاعاً على السياسات والقضايا السياسية، وسوف يكون في هذه العملية إثراء للديمقراطية.[10]

السمة المميزة الرئيسية لهذا المنظور هي أنه يجب أن يكون هناك انفتاح في النظام السياسي للسماح بمشاركة حقيقية من الشعب. وبالتالي، يجب أن يكون الدعم لمختلف أشكال التعبير الحر حاضراً حتى تتحقق الديمقراطية. النقطة الأساسية، هنا،هي أنه يجب احترام أشكال الحرية المدنية، للسماح لديمقراطية المشاركة بالازدهار.

الديمقراطية باعتبارها حكم الأغلبية

يأتي واحد من أكثر فروع نظرية الديمقراطية تأثيراً من عمل عالم السياسة روبرت دال في كتابه "مقدمة للنظرية الديمقراطية"[11] و" في الديمقراطية"[12] حيث دعا بشدة إلى أهمية وقيمة هذا الشكل من الديمقراطية.

يستخلص دال مصطلح polyarchy من اللغة اليونانية، في مقابل الملكية (حكم الفرد) أو الأوليغارشية (حكم الأقلية). ويعني " حكم الأغلبية".[13]

يحدد دال هذا النمط من الحكم بست خصائص:

1- المسؤولون المنتخبون؛

2- انتخابات حرة ونزيهة ومتكررة.

3- حرية التعبير؛

4- الوصول إلى مصادر بديلة للمعلومات؛

5- الاستقلال الذاتي للجمعيات والأتحادات؛

المواطنة الشاملة

يشير معيار المسؤولون المنتخبون إلى الناخبين الذين ينتخبون ممثلين لاتخاذ القرارات نيابة عنهم. وهكذا، تُعرّف الديمقراطيات المعاصرة بأنها ديمقراطية تمثيلية. وتتطلب حرية التنافس في الانتخابات وإجرائها بشكل روتيني نسبيا. وأن يكون الإكراه في الانتخابات نادرًا نسبيًا حتى يتم تعريف بلد ما على أنه ديمقراطي. وأن يتمتع المواطنون بحرية التعبير حتى يمكن انتقاد النظام القائم. كذلك يحتاج المواطنون، من أجل أتخاذ خيارات مستنيرة في الانتخابات والحكم على الأنظمة في الفترة الفاصلة بين الانتخابات، إلى الوصول إلى مجموعة متنوعة من مصادر المعلومات - وليس فقط المصادر التي تسيطر عليها الحكومة.

يحتاج المواطنون إلى أن يكونوا قادرين على المشاركة مع بعضهم البعض أثناء الانتخابات وفيما بينها. وأن يكونوا أحرارأ في الانضمام إلى المجموعات القائمة، وتشكيل مجموعات جديدة، والمشاركة في المنافسات السياسية. تعد المشاركة في المجموعات آلية رئيسية للمواطنين للتأثير على المسؤولين.[14] وأخيرا، المواطنة الشاملة. كما يقول دال "لا يمكن حرمان أي شخص بالغ يقيم في بلد بشكل دائم ويخضع لقوانينه من الحقوق المتاحة للآخرين وهو ضروري للمؤسسات السياسية ".[15]

يدرك دال أن هذا يعطي للمواطنين دورًا أقل من دوره في الديمقراطية التشاركية، الاً أنه هو يؤكد أن حكم الأغلبية هو أكثر أشكال الديمقراطية عملية في المجتمعات الكبيرة والمعقدة. فبالنسبة إليه، إذن، هناك معياران أساسيان في تحديد الديمقراطية: الانتخابات الهادفة والحريات والحقوق المدنية.[16]

البيانات الأساسية الثلاث

سنقوم بفحص ثلاثة من مجموعات البيانات الأكثر استخدامًا واحتراماً على نطاق واسع لاستكشاف الخصائص المحددة للديمقراطية: مجموعة بيانات Vanhanen ومجموعة بيانات Polyarchy وتصنيفات Freedom House.

مجموعة بيانات نظام المشاركة المتعددة Vanhanen

يلاحظ Tatu Vanhanen[17] أن مقياسه يتبع عن كثب منطق نموذج دال لحكم الأغلبية (فليس من قبيل الصدفة، يُطلق على موقع Vanhanen عنوان Polyarchy Data). والمتغيران الذي يستخدمهما لإنشاء "مؤشر الديمقراطية" هما: 1- النسبة المئوية للحصة من الأصوات المدلى بها في الانتخابات من قبل أحزاب الأقليات / المرشحين المستقلين؛ 2- النسبة المئوية للراشدين البالغين الذين يصوتون في الانتخابات. يرى الأول كدليل على التنافس الحقيقي والثاني كدليل على حرية الوصول إلى الاقتراع.

يصر Vanhanen على أنه لكي يتم تصنيف بلد ما كدولة ديمقراطية، فإنه يحتاج إلى أحزاب / ومرشحين مستقلين للحصول على ما لا يقل عن 30 في المائة من الأصوات ويتطلب نسبة إقبال تتجاوز 20 في المائة. انه يضاعف هذه معا؛ إذا تم الوصول إلى كل عتبة وإذا كانت النتيجة الإجمالية ست نقاط مؤشر (0.3 X 0.2 X 100)، فسيتم تصنيف الدولة كدولة ديمقراطية.

يقول Vanhanen طبقاً لمنطق قيم العتبة: "إذا كانت نسبة الأحزاب الصغيرة منخفضة للغاية، على سبيل المثال، أقل من 30 في المائة من الأصوات المدلى بها ...، فإن هيمنة الحزب الأكبر تكون قد تغلبت لدرجة أنه من المشكوك فيه ما إذا كان يمكن اعتبار هذه دولة ديمقراطية ".[18] "يزعم أن أي شيء أقل من نسبة المشاركة 20 في المائة يشير إلى أن الناخبين المحتملين قد لا يتمتعون بحرية كاملة في التصويت، مما يشير إلى وجود مشكلة في الحريات المدنية.

وهكذا، يعترف Vanhanen بمكونين من عناصر الديمقراطية: انتخابات معبرة عن منافسة حقيقية، وحرية الوصول إلى الاقتراع من قبل الأفراد. بالنسبة له، يمثل الأخير مثالًا على حماية الحريات المدنية وحكم القانون، رغم أنه يرتبط بالانتخابات.

تقييمات Freedom House ( بيت الحرية)

ينشر بيت الحرية ( Freedom House ) تقريراً سنوياً مشهوراً ومتاح لمن يريد الوصول اليه عن الحرية في العالم. يتناول فيه جميع دول العالم ليصف ويصنف بعد ذلك المدى الذي تكون فيه الحرية، أيً هل هناك حرية أم لا ولأي درجة. يتم التعامل مع درجة الحرية كمقياس للديمقراطية. يقوم بيت الحرية كل عام بدراسة استقصائية ومن خلال كمية هائلة من المعلومات حول كل بلد، وويقيًم أعضاء الفريق كل دولة علىاساس سلسلة من العناصر من O إلى 4، ويعتبر O الأقل حرية و 4 الأكثر حرية. هناك بعدان لنقاط بيت الحرية: (1) الحقوق السياسية و (2) الحريات المدنية. هوناك عدد من الأسئلة المحددة لكل بعد منهما لوضع التصنيف 0-4 على النحو المذكور أعلاه.

هناك سلسلة من الأسئلة للتي تتعلق بالحقوق السياسية، نأخذها على سبيل المثال لا الحصر، فهناك أويمكن اضافة قضايا أخرى حسب البلدان تحت الفئات التالية - العملية الانتخابية (على سبيل المثال، "هل رئيس السلطة التنفيذية، أو البرلمان ... منتخب من خلال انتخابات حرة ونزيهة؟"، هناك واحد من ثلاثة بنود تحت هذا العنوان ؛ التعددية السياسية والمشاركة (على سبيل المثال، "هل الخيارات السياسية للشعب خالية من هيمنة الجيش أو اي قوى مسلحة أخرى، [إلخ]؟") ؛ أداء الحكومة (على سبيل المثال، "هل الحكومة خالية من الفساد المتفشي؟")؛ أسئلة إضافية تتعلق بالحقوق السياسية التقديرية (على سبيل المثال، "هل الحكومة ... تعمد تغيير التكوين العرقي ... لتدمير ثقافة أو قلب التوازن السياسي لصالح مجموعة أخرى؟"). ثم يتم حساب النقاط. يتم ترميز درجة 36-40 كـ 1 (الأكثر حرية) ؛ 30-35 ك 2 ؛ 24-29 إلى 3، وهكذا ...، حتى نصل إلى أقل درجة من الحرية 7، ثم يأتي تصنيف الدول بين 0-5 من النقاط. حيث تعني علامة 1 دولة حرة من ناحية الحقوق السياسية؛ ويمثل 7 منافسة قليلة الحرية. وتنطبق العملية نفسها على البعد الثاني في تصنيفات بيت الحرية- أيً الحريات المدنية؛ والتي تشمل الفئات التي تتعلق بحرية التعبير والمعتقد (على سبيل المثال، "هل هناك حرية نقد الحكومة والأحزاب الحاكمة ونقد السلطة ونقد القادة والحكام نقد ايديولوجيا السلطة دينية أو وضعية، أو حرية أكاديمية، ...؟")؛ وكذلك الحقوق التنظيمية (على سبيل المثال، "هل هناك حرية التجمع وتشكيل الجمعيات واحزاب ...؟")؛ وحكم القانون (على سبيل المثال، "هل هناك قضاء مستقل؟")؛ الاستقلالية الشخصية والحقوق الفردية (على سبيل المثال، "هل هناك تكافؤ في الفرص في المناصب والوظائف العامة وغياب استغلال اقتصادي؟"). يتم منح 0-4 نقاط لكل عنصر محدد، كما اشرنا أعلاه، يتم احتساب 53-60 نقطة على أنها 1 ( حرية)، مع 0-7 نقاط تؤدي إلى درجة 7 (الأقل من الحرية).يتم إضافة التصنيفين معًا ثم تقسيمهما على اثنين. النقاط من 1-2.4 تؤدي إلى تسمية الدولة "حرة"؛ 3-5.5 "حرة جزئيًا" ؛ 5.5-7 يتم تعريفها على أنها "غير حرة". ولأغراضنا، فإن الشيء الرئيسي الذي يجب ملاحظته هو أن اثنين من البعدتن يركزان على الانتخابات والحريات السياسية الممنوحة للأفراد.

تقييم النظام

يمكن تلخيص جوهر تصنيفات النظام السياسي من حيث تصور الديمقراطية على النحو التالي.[19] هناك ثلاثة عناصر أساسية مترابطة للديمقراطية، حيث يتم إدراجها في الثقافة السياسية المعاصرة. أولاً، وجود المؤسسات والإجراءات التي يمكن للمواطنين من خلالها التعبير عن التفضيلات حول السياسات والقادة البديلين. الثاني هو وجود قيود مؤسسية على ممارسة السلطة من قبل السلطة التنفيذية. ثالثا، ضمان الحريات المدنية لجميع المواطنين في حياتهم اليومية وفي المشاركة السياسية.

تم تطوير سلسلة من التدابير المحددة، ويقوم المبرمج بتصنيف كل بلد وفقًا لهذه المقاييس الملموسة. تشمل الفئات التي يتم ترميزها في نظام المشاركة السياسية هو،هل هناك فئات معينة محرومة أو محرومة؟ القدرة التنافسية السياسية في الانتخابات؛ القيود المفروضة على رئيس السلطة التنفيذي؛ ما مدى انفتاح العملية السياسية؟ هل تتميز العملية بالاستيلاء العنيف على السلطة؟؛ وتعقيد هياكل السلطة، أيً ما مدى مركزية السلطة الحكومية؟.

بمجرد أن يتم ترميز كل عنصر محدد، يتم حساب درجة من الديمقراطية (مع الإشارة إلى مدى ديمقراطية جماعية للأبعاد المختلفة) إلى استبداد ( درجة الاستبداد في بلد معين). يتم استخلاص درجة الاستبداد من درجة الديمقراطية (أيً أن المنطق وراء هذا هو أن العديد من المجتمعات لها بعض خصائص ديمقراطية واستبدادية) وتضاف عشر نقاط إلى المجموع الكلي. تمتد النتيجة المتحصلة من O (الأقل ديمقراطية) إلى 20 (الأكثر ديمقراطية).

تعريف عملي للديمقراطية

نعتقد أن المناقشة السابقة للمناهج المختلفة لتحديد وقياس الديمقراطية تكشف عن بعدين متمايزين. بعبارة موجزة، هي (1) حكومة بالأغلبية، و (2) ما يسمى عادة "بسيادة القانون". نحن نرى أن هذين المعيارين البسيطين ينتجان من عدة مقاربات مختلفة لاستكشاف الديمقراطية. يؤكد نهج شمبيتر على الانتخابات. تعكس ديمقراطية المشاركة بالتأكيد وعيًا بأهمية الانتخابات وتطالب أيضًا بأن تتاح للناس فرصًا كبيرة وحقيقية وأن يشاركوا في السياسة بحرية وبعدة طرق أخرى غير مجرد التصويت. فقد أكدت ديمقراطية المشاركة على كل من الانتخابات والحريات المدنية. وهكذا، تتحدث كل من المنظورات التي تم فحصها بشكل أو بآخر عن كل من هذه الخصائص.

وهذا يتوافق مع تعريف واحد قياسي للديمقراطية.[20]

نظام الحكم الذي تُمنح فيه السلطة السياسية المطلقة للشعب، قد تكون الديمقراطية مباشرة، كما تمارس في اجتماعات أثينا القديمة وبلدة نيو إنغلاند، أو تتطلب الديمقراطية غير المباشرة والتمثيلية نظامًا لصنع القرار يستند إلى حكم الأغلبية، مع وجود أقلية محمية الحقوق محمية. اقدم تعليق موجز على كل من هذين الجانبين المميزين للديمقراطية.

"قاعدة الأغلبية"

 إن كل من كتب تحت هذا العنوان يقصد بها، نظامًا تمثيليًا للحكم، انتخابات حرة تنافسية وجراء انتخابات جماعية، والمساءلة النهائية للممثلين أمام الناخبين، والوزن المتساوي للتأثير في التصويت بعنى الأقتراع الواسع أن لم يكن الشامل الذي يجسد مبدأ "شخص واحد، صوت واحد".

يتم في النظام الديمقراطي اختيار الممثلين حسب نوع التصويت الشعبي حيث تختلف الطريقة من بلد إلى آخر. ولكي تكون ديمقراطية حقيقية، يجب على النظام تمكين الأغلبية - إذا كانت هناك أغلبية - من انتخاب نسبة مقابلة تقريبًا من الممثلين.، وإن يتم اتخاذ نفس الحكم بشأن طريقة منصفة لتمثيل الأقليات. ويكون في في جميع الديمقراطيات الممثلون مسؤولين أمام الناخبين من حيث أن ناخبيهم يختارونهم وأن إعادة الانتخاب مرهون بالناخبين في تلك الدائرة الانتخابية. تتطلب الانتخابات الهادفة نوعاً من المنافسة الثنائية أو متعددة الأحزاب وقدرة جميع الأحزاب على عرض مشاريعها أمام الناخبين. وعليه تدعو قاعدة الأغلبية إلى حق الاقتراع الذي يعطي التصويت لمعظم المواطنين البالغين.

"سيادة القانون"

يمكن توضيح جميع المتطلبات المذكورة أعلاه، وكذلك قائمة طويلة من الحقوق والحريات المدنية في دستور وقوانين الدولة. ومع ذلك، كما رأينا في كثير من الأحيان، فإن هذه القيم لا تأثير لها في حالة عدم وجود نظام قضائي قادر على تنفيذها بفعاليًة. إن هذه الحزمة من العواملهي المقصود بمصطلح "سيادة القانون". يدرج بيت الحرية Freedom House صراحةً "حكم القانون" باعتباره معيارًا للحريات المدنية.

يجب أن تكون الحقوق الانتخابية والحريات المدنية أكثر من مجرد كلمات رائعة على الورق. فإذا تم تجريد أولئك الذين يخسرون الانتخابات من حقوقهم المدنية أو حريتهم أو ممتلكاتهم من قبل أغلبية منتصرة، فهذا شكل حكم يضاد الديمقراطية. تتطلب قاعدة القانون وجود سلطة قضائية مستقلة، وحكومة مستعدة لفرض حتى تلك القرارات القضائية التي لا تعجبها، والحماية الفعالة للحريات السياسية والمدنية ضد التعدي والأنتهاك العام والخاص. كما قال اللورد أكتون في تعليقه الشهير (1877) "إن الاختبار الأكثر تأكيدًا الذي نحكم من خلاله على ما إذا كانت دولة حرة حقًا، هو مقدار الأمن الذي تتمتع به الأقليات".وطبعا الأقليات ليس فقط عرقية أو دينية ولكن سياسية أو فكرية أو غيرها. لا تزال المؤسسة الأمريكية لسلطة قضائية مستقلة هي النموذج الأساسي في هذا الصدد وقد تشكل المساهمة الأمريكية الأكثر أهمية في النظرية والممارسة الديمقراطية.

إن حكم الأغلبية وسيادة القانون هما المكونان الأساسيان للحكم الديمقراطي. والمفارقة العظيمة، بطبيعة الحال، هي على الرغم من أن كلاهما ضروري للغاية، إلا أنهما يتعارضان مع بعضهما البعض، ونتيجة لذلك، كانا مصدرًا للجدل السياسي المستمر. لكن هذا التناقض الأساسي لا يمكن الهروب منه: إنه ثمن العيش في ظل نظام ديمقراطي.

اقول كتعليق ختامي على حكم الأغلبية وسيادة القانون. من المسلم به أن أيا من هذين الشرطين لا يفسح المجال لتقدير مرضٍ تماماً؛ تختلف الآراء حول بلد معين بشكل مشروع من ناحية القواعد والقوانين في بعض الحالات. ومع ذلك، عندما ننظر إلى التقييمات والقوائم العديدة للحكومات الديمقراطية وغير الديمقراطية، هناك اتفاق أكبر بكثير على عدم الاتفاق.

الديمقراطية وبناء الأمة

عندما نتحدث عن "بناء الأمة الديمقراطية"، نتوقع في نهاية المطاف أن تتميز الحكومة الديمقراطية الجديدة بحكم الأغلبية بالإضافة إلى حكم القانون الذي يضمن حقوق الأقليات والحريات السياسية. أما إذا كانت "الديمقراطية" الناشئة لا تفي بهذه المعايير فلا يمكننا، بالطبع، أن نقبل تلك الدولة الجديدة كديمقراطية. سنوضح في الدراسة اللاحقة في سياق هذا الموضوع/ النقاش طبيعة بناء الدولة، والتي غالبًا ما يتم اعتبارها حاليًا بمثابة بناء دولة ديمقراطية. وعلى كل حال تستند هذه المناقشة إلى تصور لمصطلح "ديمقراطي" وكان هذا هو محور هذه الدراسة. شكراً لمن قرأ وصبر وفهم. 

 

 الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

......................

[1] Schurnpeter, Joseph. (1975). Capitalism, Socialism, and Democracy. New York: Harper & Row.242).

[2] Schurnpeter, Joseph. (1975). Capitalism, Socialism, and Democracy.269.

[3] Schurnpeter, Joseph. (1975). Capitalism, Socialism, and Democracy.285.

[4] بوبر، كارل، المجتمع المفتوح وأعداؤه،، ترجمة السيد نفادي و حسام النايل،، بيروت، دار التنوير،2014.

[5] Przeworski, Adam. (1999). Minimalist conception of democracy: A defense. In Ian Shapiro and Casiano Hacker-Cordon (eds.), Democracy's Value. Cambridge: Cambridge University Press.

[6] Bachrach, Peter. (1967). The Theory of Democratic Elitism: A Critique. Boston: Little, Brown.

[7] Bachrach, Peter. (1967). The Theory of Democratic Elitism: A Critique.101.

[8] Casiano Hacker-Cordon (eds.), Democracy's Value. 101.

[9] Pateman, Carole. (1970). Participation and Democratic Theory. New York: Cambridge

University Press.

[10] يرتبط أحد الأنواع الفرعية الحالية لمدرسة الفكر الديمقراطي التشاركي بعمل الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس، الذي يدعو إلى إقامة نظام اجتماعي سياسي يعتمد على التواصل الحواري والخطاب المفتوح. وهو يدعي أن النظام الرأسمالي الراحل يعاني من أزمة شرعية وأن هناك تحول لهذا النظام يلوح في الأفق. فهناك حاجة إلى معايير جديدة. لكن كيف سيتطور هذا الوضع؟ يجب هابرماس في :

Habermas, Jurgen. (1975). Legitimation Crisis. Boston: Beacon Press (trans.T. McCarthy).

إن أخلاقيات الاتصال فقط هي التي تضمن عمومية القواعد أو المعايير المقبولة واستقلالية الأشخاص الذين يتصرفون فقط من خلال إمكانية خطاب يستوفي مطالب الصلاحية التي تظهر بها القواعد. وهذا يعني أن ضمان العمومية يأتي من فقط من القواعد التي يوافق عليها جميع المتأثرين دون أي قيد إذا دخلوا في عملية تشكيل الإرادة الخطابية.،"لا تستند المطالبة بصحة القواعد إلى الأعمال اللاعقلانية الأختيارية للأطراف المتعاقدة، ولكن في الاعتراف بدوافع عقلانية للقواعد، والتي قد يتم التشكيك فيها في أي وقت." وما الذي يحدد الصلاحية؟ يدعي هابرماس أن الحجة الأفضل التي تنبثق عن الحوار التعاوني يجب أن تحكم - إذا كان هناك إجماع حول هذا الاحتمال الوحيد. تفترض نظرية الاتصال هذه أنه لا توجد حقيقة عالمية لتوجيه صياغة المعايير المتفق عليها بين الناس. يجب أن يكون تطوير هذه المعايير وظهورها نتيجةً للمناقشات التي تؤدي إلى توافق الآراء.

قام هابرماس بتأليف سلسلة من الأعمال التي توضح نظريته في العمل الاجتماعي بمزيد من التفصيل .

Habermas, Jurgen. (1979). Communication and the Evolution of Society. Boston: Beacon Press (trans. T. McCarthy).

 Habermas, Jurgen. (1984). The Theory of Communicative Action, VOL 1. Boston: Beacon Press (trans. T. McCarthy).

وهو يجادل بأن المواطنين سوف يختبرون صحة ادعاءات مختلف الأفكار والقواعد قيد المناقشة. وفقا لتحليله النهائي

Habermas, Jurgen. (1975). Legitimation Crisis. Boston: Beacon Press (trans. T. McCarthy)150.

يجادل جون دريزيك بأن عقلانية التواصل والديمقراطية يمكن أن يخفف الكثير من المشكلات التي تواجهها الأنظمة الديمقراطية في القرن العشرين. تتضمن الترتيبات للمساعدة في ما يسميه دريزيك "الديمقراطية الاستطرادية"، المجالات العامة المفتوحة للنقاش، والتأكيد على المواطنة النشطة والخطاب العام النابض بالحياة. إن التمردات التي ترعى الديمقراطية الاستطرادية ستحمي الناس من قوة الجماعات المهتمة بالذات ومن التكنوقراط / البيروقراطيين الذين يقدمون خبراتهم الفنية كقوة مصدر. ستؤدي النتيجة النهائية إلى مزيد من الديمقراطية الحقيقية، أنظر:

Gutmann, Amy and Dennis Thompson. (1996). Democracy and Disagreement.

Cambridge, MA: Harvard University Press.

 [11] Dahl, Robert A. (1956). A Preface to Democratic Theory. Chicago: University of Chicago Press.

[12] Dahl, Robert A. (1998). On Democracy. New Haven: Yale University Press.

[13] Dahl, Robert A. (1998). On Democracy.91.

[14]Dahl, Robert A. (1960). Who Governs? New Haven: Yale University Press.

[15] Dahl, Robert A. (1998). On Democracy.86.

[16] Dahl, Robert A (1970). After the Revolution. New Haven: Yale University Press.

[17] Vanhanen, Tatu. (2003). Democratization: A Comparative Analysis of 170 Countries.

London: Routledge.

[18] Vanhanen, Tatu. (2003). Democratization: A Comparative Analysis of 170 Countries.65.

[19] Gurr, Ted Robert, Keith Jaggers, and Will H. Moore. (1991). In Alex Inkeles (ed.).On Measuring Democracy. New Brunswick, NJ: Transaction Press.97.

[20] Plano, Jack and Milton Greenberg. (1993). The American Political Dictionary. Fort Worth: Harcourt Brace Jovanovich, 9th edition. 8-9.

 

في المثقف اليوم