أقلام فكرية

ما بين هيغل وماركس: إشكاليات التاريخ ويقين المستقبل (4)

ميثم الجنابيهيغل وإشكالية الروح والحرية

إن الوعي بالحرية، بالنسبة لهيغل، هو مضمون وحقيقة المسار التاريخي. ويظهر في مجال المنطق بصورة منطقية، وفي الطبيعة بصورة عينية. ويمر تطور الفكرة في التاريخ بثلاث مراحل هي الصيغة التاريخية لمنطق ظهور الأشياء، ونفيها، ثم نفي نفيها. وهذا بدوره هو أسلوب الصيرورة أو التكامل في وجود الظواهر والأشياء كلها، أو ما يمكن دعوته بالتوليف المبدع للفكرة أو الروح المطلق. وليست هذه المراحل التاريخية سوى ما يدعوه هيغل باحتجاب الروح في الطبيعة بمعنى اغترابه ثم تشيؤه، ثم تليها مرحلة تقدم الروح في مساره صوب الوعي بحريته، أي نفيه احتجابه واغترابه، وبعدها إرتقاء الروح من الحرية الجزئية إلى صورته الكلية، أي بلوغ الماهية الروحية ودرجة الوعي الذاتي.

فالتاريخ بالنسبة لهيغل يكشف عن تطور الوعي بالحرية إلى جانب الروح، مع ما يترتب عليه من تحقيق عقلي لهذه الحرية. وذلك لأن المبدأ في التاريخ العيني هو خاصية الروح. وهذه بدورها ليست إلا ما دعاه هيغل بالعبقرية القومية الخاصة بأمة من الأمم. وضمن هذه الخاصية يعّبر روح الأمة عن تجليه الملموس في جميع جوانب وعيها وإرادتها في الدين والنظام السياسي، والأخلاق، والمهارة، والعلم، والفن وغيره من أصناف العلوم وميادين الإبداع. وسوف يطلق شبنغلر على هذه الحالة عبارة النفس الثقافية. وهو اختلاف عميق من حيث المضمون، لكنه في الوقت نفسه هو نفي للمعنى الهيغلي من خلال جعل النموذج الألماني رديفا لمعنى الأوربي (الثقافي الحضاري).

وكما أن من الصعب فهم كيفية عمل أو قوانين الأجرام السماوية بدون الإلمام بعض المفاهيم والتصورات بهذا الصدد، كذلك الحال بالنسبة للتاريخ. فهو بحاجة إلى معرفة عدد من المقدمات. ومن بين أهمها هو مفهوم العقل والحرية. والأكثر أهمية بالنسبة له هنا هو التوصل إلى وعي الحرية باعتبارها القضية الجوهرية في التاريخ. وضمن هذا السياق فإن المهمة تقوم حسب رؤية هيغل في  ألا يجري إعارة الاهتمام للاعتبارات الأخلاقية الخارجية التي يمكن رؤيتها في الأفعال الصادمة في تاريخ العالم وانجازاته. ومن ثم لا معنى هنا لإعلاء شأن أو تقديس كل ما من شأنه الابتهال أمام فضائل التواضع والخشوع وحب الناس والتحلي بالصبر وما شبه ذلك. ففي مجال التاريخ يمكن من حيث المبدأ تجاهل الأخلاق فيه. وهنا يمكننا رؤية الاشتراك والاختلاف مع ميكيافيلي. مع أنهما يلتقيان بأثر المرجعيات الآخذة في التراكم في المرحلة السياسية - الاقتصادية، التي تجعل من الأخلاق قوة تابعة وإضافية إلى جانب المصالح. وإذا كان ميكيافيلي ينظر إليها ضمن سياق القيم السياسية الجديدة، فإنها بالنسبة لهيغل هي جزء من مسار الروح العقلي والأخلاقي. بمعنى، إن كل العثرات والمساوئ والجرائم تصب في نهاية المطاف في مجرى توسيع وتدقيق الروح العقلي والأخلاقي نفسه. وسوف نعثر على صدى هذه الفكرة عند ماركس أيضا، عندما اعتبر القسوة والتخريب والدمار الذي جلبته الرأسمالية الأوربية للعالم الآخر، وعلى مثال الهند بشكل خاص، هي التضحية الضرورية التي تخدم في نهاية المطاف مسار التطور الحقيقي.

ونفس الشيئ يمكن قوله عما يسمى بالتفرقة بين الأخلاق والسياسة فيه. فهذه مجرد أمور عرضية بينما وعي الحرية الصاعد ضمن هذه العملية المليئة بالمتناقضات تشكل مضمون كل هذا المجرى الذي تضمحل فيه وتتلاشى القيم الأخلاقية وما شابه ذلك من أحكام لا علاقة جوهرية لها بحقيقة المسار الفعلي للتاريخ بوصفه مسارا عقليا خالصا. وإذا كان من الممكن هنا رؤية أثر الفكرة السياسية التي بلورها ميكيافيلي، فإن حقيقة الأفكار الهيغلية أبعد وأعمق وأوسع مما في الميكيافيلية. إنها تمثلت ما في الفلسفة السياسية الميكيافيلية من خلال نفيها في فلسفته عن التاريخ. وذلك لأن الجوهري بالنسب لهيغل هو فكرة الحرية ووعي الذات التي تجري من خلال تعرج التاريخي بما في ذلك عبر تعرج الفكرة الاخلاقية.

فقد كانت الحرية ضمن مسارها التاريخي حالة عرضية وعابرة بما في ذلك في اليونان، لأنها فرضت العبودية على ما هو إنساني. وهنا تجدر الاشارة إلى أن قيمة الأسطورة اليونانية هنا تنبع مما يمكن دعوته بالمرحلة اليونانية في الوعي الأوربي الحديث والمعاصر. ففي القرون الوسطى جرى الانقلاب التاريخي الفكري والعقائدي للتقاليد اليونانية العقلية والفلسفية نفسها. وقد كانت المدرسة الاسكندرانية الارهاصة الأخيرة والتحضير الأولي في الوقت نفسه لهذا الانقلاب. ومن ثم اضمحلال وتلاشي الوهج اليوناني الذي أعاد لهيبه ومن ثم الحياة إليه العرب المسلمون.

أما الشرق، فإنه لم يعرف الحرية. والحرية الوحيدة هي للملك أو الإمبراطور ومع ذلك فهي حرية مشروطة بالتقاليد. وتتعارض هذه الرؤية المتحزبة مع مضمون الفكرة الهيغلية حول المسار التاريخي. ففي الشرق بدأ المسار التاريخي ونضج في صيرورة وقوة الدولة. أليست الدولة هي الحرية ووعي الذات والكلّ الاخلاقي؟ ومع ذلك يشدد هيغل على أنه بغض النظر عن إن "الغرب عرف الحرية" الا إن الشرق والغرب كلاهما لم يعرفا الحرية بصورة كاملة. لقد كانت تلك حرية جزئية، أي أن البعض منهم فقط كانوا أحرارا. وأن "الأمم الجرمانية هي أول من وصل إلى معرفة الحرية". بمعنى إنهم أول من اعتبر الإنسان حرا من حيث كونه إنسان بحد ذاته. وهذا بنظره لا يتعارض مع الإقرار بأن الناس جميعا احرارا بصورة "مطلقة" من حيث كونهم بشرا أو ناسا. فالحرية في نهاية المطاف، كما قول هيغل "هي الغاية التي وضعها الله للعالم". وأن هدف التاريخ الكلي يقوم في بلوغ وعي الذات المطلق، أي الحرية. فالحرية هي الغاية الوحيدة التي ترى نفسها متحققة وموجودة بالفعل. بل اعتبرها هيغل "قطب السكون الوحيد وسط حالة لا تهدأ أو مضطربة من الحوادث المتغيرة" كما لو انه يتغنى بعقيد بوذا عن النرفانا أو الفناء في الحق الصوفية.

أما في الواقع فإنه لا الشرق ولا الغرب عرفوا الحرية بصورة كاملة. لقد كانت تلك حرية جزئية، أي أن البعض منهم فقط كانوا أحرارا. لاسيما وأن الحرية جزئية على الدوام لأنها جزء من مسار لا ينتهي. كما أن الحرية تعادل من حيث الجوهر معنى الآفاق الجميلة بالمعنى الفلسفي والسياسي أيضا. فالحرية الفردية هي جزء من الجبر الكوني. وفيه من خلاله يمكن للحرية أن تبرز بوصفها تجربة تاريخية ثقافية لها بقدر واحد حدودها وآفاقها . وبالتالي، فإن الضعف التاريخي والمنطقي في الفكرة الهيغيلية هنا يقوم في انه إذا كانت الحرية مسارا للعقل المطلق فلماذا بدايته عند الجرمان مع اأنهم من بين الشعوب المتأخرة في مجال التمدن والحضارة وتأمل الإنسان وموقعه في الوجود والكون؟

أما الصيغة التاريخية الملموسة لمسار الحرية، فإنه مرتبط بفكرة الضرورة عند هيغل. لهذا نراه يعتبر علاقة الحرية بالضرورة قانونا. فالضرورة هي المسار الباطني والمجرد للروح، بينما الحرية هي ما يعرض نفسه في الإرادة الواعية. من هنا استنتاجه اللاحق عن أن الحرية هي الإرادة الواعية أو أن الحرية هي إدراك الضرورة. وهي فكرة وضعها ضمن تاريخ الثقافة الفلسفية الأوربية سبينوزا. بينما استندت هذه الفكرة واستمدت مقوماتها من كيفية حل هيغل لإشكالية الصدفة والضرورة. فالصدفة بالنسبة له من عالم لا علاقة له بالعقل والمنطق بينما الضرورة هي إدراك وفكرة. من هنا استنتاجه اللاحق عن إن الحرية هي إدراك الضرورة. ولاحقا ستضيف لها الماركسية الإدراك الواعي والعمل بموجبه.

لقد انطلق هيغل في تحليله لعلاقة الحرية بالضرورة في التاريخ من الفلسفة. واعتقد، بأن مسار الفكرة يمر في حالات عديدة من التعارض والتناقض، بمعنى التعارض بين الفكرة في صورتها الكلية الحرة، أي الموجود في ذاتها، والصورة المقابلة لها، أي الوجود الصوري من اجل ذاتها. وفي مجرى الصراع بينهما عبر الإرادة الإنسانية تتحقق معادلة الحرية والضرورة باعتبارها صراعا أبديا. فالإرادة الصورية (أو الحرية المجردة) تريد ذاتها وترغب في أن تجعل شخصيتها الخاصة سارية في كل ما تريد. إذ حتى الإنسان الورع يريد الخلاص والسعادة. ولم يقصد هيغل بذلك سوى البحث عن حالة التناقض الضرورية والمميزة لوجود كل شيئ، مع ما فيها من تضاد بين التوجه الذاتي والواقع. وذلك لأن كل انسجام، كما يقول هيغل، هو حالة فردية وعابرة بينما التاريخ يسير ويتطور عبر الصراع. وبالتالي، فالسعيد هو من يجعل ظروفه ملائمة لشخصيته وإرادته وخياله بحيث يستمتع بهذه الظروف. غير أن تاريخ العالم ليس مسرحا للسعادة، كما يقول هيغل. ففترات السعادة في التاريخ هي صفحات بيضاء فارغة لأنها فترات انسجام، أي الفترات التي يتعطل فيها التضاد (الصراع) لفترة مؤقتة. ولم يقصد هيغل بذلك أفضلية التعاسة والردى، كما انه لم يفّضل أو يحّبذ ما تعرض له هو نفسه من العيش على فراش الموت بأثر اصابته بالكوليرا. لقد سعى هيغل للكشف عن المسار الفعلي للحرية في التاريخ وقيمتها بالنسبة للوجود الإنساني. من هنا قوله، بأن الحرية هي العنصر الصوري في نشاط الفكرة المطلقة، أما النشاط المؤدي إلى تحقيقها فيعادل معنى الحد الوسط في القياس. أما في الحياة الفعلية والتاريخية، فإن الحد الوسط هو النشاط الإنساني الذي يحقق هذا الحد الوسط عبر المبدأ الكلي في الواقع. فانفعالات البشر في مجرى تطورها وتشييدها للمجتمع الإنساني هي نفسها التي تدعم مركز القانون (النظام) ضد هذه الانفعالات نفسها، كما يقول هيغل.

لقد ظلت أفكار هيغل عن التاريخ عقلانية، بغض النظر عن غلاف بعض جوانبها اللاهوتي. فمسار التاريخ بالنسبة له يبقى عقلانيا، أما المظاهر السيئة والمؤلمة فهي جزء من "مكر العقل". وذلك لأنه مسار محكوم بوحدة التناقضات. من هنا حكمه القائل، بأن الانفعالات التي يعاني منها المرء في عزلته لا يمكن أن تكون نموذجية أو نموذجا معبرا عن الواقع الفعلي الكلي. وأشار بهذا الصدد إلى أشعار شيلّر التي عبّرت عن هذه الظاهرة بطريقة مؤثرة، وبوجدان شديد، وبأسلوب يكشف عن اقتناع حزين دفين، بأن مثل هذه المثل العليا لا يمكن بلوغها بالفعل. بينما سعى هيغل إلى ما يدعوه بتجاوز الحالة الفردية التجريبية أيا كانت. وذلك لأن الحالة الفردية متنوعة وتقبل كل درجات التقييم من الأدنى إلى الأعلى وبالعكس. وهنا تلعب الصدفة وخصوصية الفرد أدوارا متميزة بعد حصولهما على "تفويض" من الفكرة العامة.

وهذه بدورها ليست إلا إشكالية الحرية والضرورة. وقد سعى هيغل من وراء تحليل وبناء علاقة الضرورة بالحرية للكشف عن قانون التاريخ عبر السلوك الفردي، والخاص، والجزئي. بمعنى إن الفكرة العامة تجد طريقها إلى الواقع والحياة عبر السلوك الفردي وانفعالاته. ومن ثم إعلاء شأن الجزئي والخاص ورفعه إلى مستوى الارتباط بالحقيقة الكلية. هذه بدورها ليست الا الصيغة المناسبة لما بلوره هيغل عن فكرة المبدأ العام للممكن والممكنات العائم في سماء الوجود! فقد انطلق هيغل هنا من أن "المبدأ هو مرحلة أساسية في تطور الفكرة الخلاقة وتطور الحقيقة العاملة من اجل بلوغ الوعي بذاتها". من هنا، فإن رجال التاريخ العظام أو أفراد التاريخ العالمي، هم أولئك الذين يكمن في أهدافهم هذا المبدأ العام، أي مبدأ الممكنات والبدائل الذي يجري من خلال الصراع لكي تبلغ الفكرة وعيها الذاتي، أي حريتها الفعلية. وهذه بدورها المقدمة التي بنى عليها هيغل إحدى الأفكار العميقة والمتناقضة عن العقل والحرية. وضمن هذا السياق تناول ما يسمى بفكرة العظيم والعظماء. فقد حصر هيغل فكرته عن العظماء في التاريخ بين رجال العلم والسياسة. وذلك لأنهم بصيرون بمتطلبات عصرهم. وبغض النظر عن فرادتهم بهذا الصدد، إلا أن حقيقتهم الأولية تراكمت أو تبلورت "في رحم الزمان" كما يقول هيغل. بمعنى إن من الصعب تحديد السبب الفعلي أو الأسباب الفعلية الكاملة وراء ظهورهم، إلا أن ظهورهم هو تحقيق للعقل في بلوغ الحرية. من هنا قوله، بأن عبقرية هؤلاء الرجال تكمن في معرفتهم وإدراكهم للخطوة الضرورية للسير الى الأمام والتقدم. الأمر الذي جعل منهم "حكماء العصر". كما إنهم من يؤجج أعماق النفس المختبئة للافراد، بحيث يجعل منهم "وسطاء روح العالم"، أو كنيسة الله الفاعلة في الوجود التاريخي للعقل!! وأيا كانت الصيغة اللاهوتية المتلهية بمفرداتها الجميلة، فإننا نعثر وراء غشاءها الميتافيزيقي هذا على محاولة وضع فكرة العظمة التاريخية والعظماء ضمن سياق الصيغة المجردة لمسار الروح المطلق في بلوغ وعي الذات والحرية. وهي الحالة المغرية للإرادة الانسانية والميئوس منها بمعايير الجسد. إذ يسير هيغل هنا ضمن سياق التقاليد الفلسفية التي جعلت من نيل السعادة غايتها الكبرى. والعظماء يسعون إلى ما يسميه هيغل بلوغ المتعة الهادئة، وذلك لأن حياتهم كلها كانت جهد وعناء. وعندما يبلغون مقاصدهم فإنهم يتساقطون كما تسقط قشرة الثمرة الفارغة. وهذه هي مهمتهم التاريخية. فالعظماء عظماء لأنهم انجزوا ما هو ضروري لمتطلبات العصر. وهذا بدوره ليس إلا احد مظاهر ومجريات العقل. فالعقل أيضا يحكم العالم عبر نشاط وقوة العظماء. ويتطابق هذا مع ما يدعوه هيغل بمكر العقل. فالفكرة العامة المجردة لا تشترك في الصراع المباشر ولا تتعرض للخطر. إنها تقف بعيدا تتأمل ما يجري. فالأحداث والتضحيات والعذابات الفردية أيا كانت كميتها ليست بذي قيمة إذا ما جرى مقارنتها بالعام. فمقابل التضحية بالأفراد ونبذهم وطردهم تدفع الفكرة ثمن عقوبة الوجود والعدم لا من ذاتها بل من انفعالات الأفراد.

إن هذا التأسيس والصيغة والحصيلة التي توصل إليها هيغل ليس إلا التعبير غير المباشر عن إشكالية الوسيلة والغاية في التاريخ. وينطلق هيغل في تأسيسه لفهم وحل هذه الإشكالية من أن بين الوسيلة والغاية عامل مشترك. فللإنسان غايات في ذاته. أما المضمون الفعلي أو الباطني والحقيقي لهذه الغاية فيقوم في الموقف من إن الإنسان لا يكون غاية في ذاته إلا بفضل ما هو إلهي فيه، والذي يعادل في فلسفة هيغل فكرة العقل.

ووضع هذا الاستنتاج بما في ذلك في موقفه من الجماهير ودورهم في التاريخ. وانطلق بهذا الصدد من أنه من غير الصحيح القول، بأن الشعب وحده هو الذي يمتلك العقل والبصيرة، وانه وحده من يعرف العدالة، وذلك لأن كل حزب أو فريق من الشعب يمكنه القول بأنه هو الشعب وممثل رؤيته وإرادته. وبمقابل ذلك ينبغي القول بأن ما يؤسس الدولة هو العلم الناضج لا القرارات الشعبية. لكن الأخيرة تكمن في "تاريخ العقل"، بوصفها إحدى قواه التاريخية الكبرى. وهنا يبلور هيغل فكرة علمية وعقلية عميقة بهذا الصدد تقول، بأن القرارات الشعبية التاريخية هي التي تصنع العقل التاريخي. ومن ثم هي وراء صيرورة الدولة أيضا. والاستنتاج المترتب عل ذلك هو الترابط الجوهري بين الدولة والحرية بوصفهما الأشكال المثلى لتحقق المسار التاريخي للعقل و"خطة" الروح المطلق. وسوف يحوّر ماركس هذه الفكرة والموقف ضمن قضية علاقة الفرد بالتاريخ. فإذا كانت عند هيغل تتخذ هيئة فكرة العقل المجرد بوصفه منطق التاريخ، فإنها تتخذ عند ماركس هيئة المسار المادي الاقتصادي الاجتماعي للتاريخ نفسه. ومن ثم فيه يكمن منطق التاريخ أو قوانينه. وعلى هذا الأساس بنى فكرته عن قيمة الفرد في التاريخ وعلاقة القادة بالجماهير، ودور الجماهير فيه. (يتبع....).

 

ا. د. ميثم الجنابي

 

 

في المثقف اليوم