أقلام فكرية

المعرقة العلمية عند ستيفن تولمن (2)

محمود محمد عليإن النقد الذي وجهه "تولمن" لـ "مبدأ الافتراضات المطلقة The Doctrine of absolute Presuppositions" عند "ر.ج .كولنجوود R.G.Collingood 1889-1943، وليسمح لي القارئ بأن نوضح بشئ من التفصيل هذا المبدأ قبل أن أنتقل لنقد تولمن له . فقد خرج هذا المبدأ من عقيدة كولنجوود في " النسبوية التاريخية " Historical Relativism، وفيها صرح "كولنجوود" قائلاً بأن: "القديس أوغسطين  Saint Augustine 354-430م"-  نظر للتاريخ الروماني من وجهة نظر المسيحيين القدامي، ونظر إليه تلمونت من وجهة نظر فرنسي عاش في القرن السابع عشر، كما نظر إليه "جيبون"  من وجهة نظر إنجليزي عاش في القرن الثامن عشر،أما  " مومسين " فقد نظر إليه من وجهة نظر ألماني عاش في القرن التاسع عشر . ويبدو ألا جدوي من وراء التساؤل عن أي تقدير من هذه التقديرات هو الصادق، إذ الواقع أن أحداً من هؤلاء ما كان ليستطيع غير هذا التقدير . وليس هناك أخطاء تاريخية لوجهات النظر المختلفة التي تبدو في موقف كثير من مؤرخي الماضي . وليس هناك محل للسؤال القائل، هل كان تفكير أحد المفكرين القدامى صحيحاً أو مخطئاً؟ كان معني هذا أن " السؤال الفلسفي "، لا يمكن أن يندرج تحت التاريخ، بل لا بد أن يصرف النظر عنه باعتباره سؤالا غير ذي موضوع . ذلك هو ما ذهب " كولنجوود "صراحة في عام (1939) حين قال إن التاريخ هو " النوع الوحيد من المعرفة" .

ثم استطرد "كولنجوود" بعد ذلك في تفسير ما أضافه إلي قوله هذا، من أن المنطق يستهدف العرض لأصول التفكير الصحيح، قياساً إلي العرف الذي يقره عالم المنطق في زمانا ما، وأن نظريات الأخلاق تختلف عن بعضها البعض ، ومن أجل ذلك لا يمكن القول عن واحد منها إنها خطأ ؛ إذ الواقع أن أية نظرية أخلاقية تعرض للون من ألوان الحياة خليق بالسعي إلي تحقيقه، ولذلك طالما أثير السؤال:" ومن ذا الذي يسعي إليه؟ " . أما العلوم الطبيعية فتختلف عن التاريخ، وهي علي النقيض من الفلسفة لا يمكن أن تندرج تحت التاريخ . ولكن السبب في هذا هو أن هذه العلوم تبتدئ ببعض افتراضات تستطرد في تفصيل نتائجها، وما دامت هذه الافتراضات لا يمكن أن توصف بالصدق أو الكذب، فإن التفكير فيها وفي نتائجها لا يمكن أن يعد من قبيل المعرفة والخطأ .

ثم يعلن "كولنجوود" في مقدمة كتابه "مقالة عن الميتافيزيقيا" قائلاً، ولقد ذهبت في هذا الكتاب إلي أن ضرباً من ضروب المعرفة، لا بد أن يستند بصفة قاطعة إلي التسليم "بسلسلة افتراضات مطلقة"، تأخذ نسقاً استنباطياً قائماً علي اللامعرفات والتعريفات والبديهيات والمسلمات وصولاً إلي المبرهنات، وهذه الافتراضات لا تقبل الجدل مثل ذلك الافتراض الذي يقول " بوجود الله "، وهو ضمن الافتراضات المطلقة" للعلم والمدنية " .

بيد أن الأسس التاريخية التي يستند إليها " كولنجووود " تضطرنا إلي التساؤل " علم من هذا ؟" و" مدينة من هذا ؟" ولن نستطيع الإجابة هنا بقولنا " العلم الحديث " أو " المدنية الجديدة " بدون أن نفترض أن كليهما من نوع الكيان المتماسك إلي الحد الذي يتعذر إدراكه علي التقدير التحليلي الدقيق لتاريخ الفكر . وهل نستطيع أن نذهب إلي أن " المدنية الغربية " إن هي إلا جو واحد بالنسبة لهؤلاء الذين يساهمون فيها ويعيشون تحت سمائها، أو أن كل هؤلاء الذين يشتغلون بالعلم الحديث لابد أن يعتقدون جميعاً في هذه الافتراضات المطلقة ؟

والواقع أن العلماء من طراز الرجال الذين قد يتأثر بحثهم العلمي بما لهم من مصالح خارج نطاق العلم، كما أن اختلافهم من حيث القومية والتعليم والتقاليد قد يتضمن أو علي الأقل قد يسمح بشئ من الاختلاف بينهم فيما يتعلق بمثل هذه الافتراضات العلمية التي يقوم عليها نشاطهم . إن المنطق الذي يقوم عليه تدليل كولنجوود ينتهي به في آخر الأمر إلي النزول عن المدلولات العامة كمثل قولنا " المدنية"  و " العلم" إلي " الفرد" ليقول بعد ذلك إن إنتاج المفكر، إنما يتشكل في صورته المطلقة إستناداً إلي سلسلة معينة من الافتراضات المطلقة استنها قياساً  لنفسه .

والآن ونحن بصدد سؤال جوهري يتعلق بالطريقة التي تنتهي بإنسان ما إلي سلسلة افتراضات يؤمن بها، وكيف يمكن (بمضي الوقت) أن يتخلي عن هذه الافتراضات ويؤثر علي غيرها، وهو سؤال لم يجب عليه " كولنجوود " في حاشية، لأن الفكرة علي ما يبدو لم تطرق تفكيره إلا في وقت متأخر، ثم هو يجيب عنه بقوله إن هذه الافتراضات المطلقة يؤمن بها صاحبها بصفة لا شعورية، كما أنها تتغير نتيجة لا فتراض قائم علي " تفكير لا شعوري " ويبدو أن هذه العبارة الغامضة – في السياق الذي وردت فيه – تتضمن أن هذه الافتراضات، بما تنطوي عليه من قبول ثم تغيير، لا بد أن تدخل في النطاق المشروع لعلم النفس علي النحو الذي يفهمه " كولنجوود " ما دامت تقع في منطقة اللاشعور .

فإذا ما أتينا إلي كتاب " مقالة عن الميتافيزيقيا" ألفينا تغييراً مهماً، فنجد أن الافتراضات المطلقة (هي في هذا السياق أسس العقيدة الدينية ومحتوياتها) ليست من قبيل المعرفة، وهي بوصفها افتراضات لا يمكن أن تخلع عليها صفة الصدق أو الكذب، ثم هي طبقاً لمنطق كولنجوود في السؤال والجواب، فإن كل مسألة تتضمن افتراضا ً، وهذا الافتراض ــ إما نسبي أو مطلق، والافتراض المطلق يقف نسبياً بالنسبة لكل المسائل التي يرتبط بها كافتراض وليس أبداً كإجابه . والسؤال الآن ما هو الافتراض المطلق؟

ويقدم كولنجوود نموذجين هامين في كتابه " مقالة عن الميتافيزيقيا "، وهما فكرة " الأله موجود" و " كل ما يحدث له سبب "، وهما إثنان من أكثر المبادئ الميتافيزيقية إثارة للخلاف والجدل . والآن وبمعني هام فإن هذين " الافتراضين المطلقين" هما إجابتان لسؤالين فلسفيين، " هل الأله موجود؟"، " وهل كل ما يحدث له سبب؟ " وإذا كان كولنجوود يعتقد أن هذه المسائل لا تقوم ولا تطرح، إذن فإن ما يدلي به بشكل فقير عن التراث الفلسفي هو من موقع الفلاسفة الوضعيين والواقعيين الذين طالما نقدهم . ومع ذلك فإن هناك أمراً واضحاً خاصاً بالمبادئ الميتافيزيقية، فإذا سألت مشرحا كيف تعرف أن كل شئ يحدث له سبب، فربما يلاحظ مثل كولنجوود، فتتأمل جيداً في وجهك، ولكن إذا ما حكم بعواطفه فإنه سيخبرك بأن هذا المبدأ شئ آخذ به كمسلمة في عملي، ولذا علينا ألا نسأله عنه ولا نحاول استيفاؤه . فهو ليس شيئاً يستكشفه أحد، مثل الميكروبات أو الدورة الدموية، ولكنه شئ نأخذه كمسلمة . وبالتالي فإن ما يخبرنا أن مبدأ السببية هو افتراض مطلق للعلم الذي نتحدث عنه .

إن الافتراض المطلق مهم بالنسبة للمشرح، إذ بدونه لا يستطيع المشرح الاستمرار في عمله بدون ذلك الافتراض، ومع ذلك يأخذه كمسلمة ولا يستطيع استيفاؤه أو البرهنة عليه ولا يستطيع بأي معني محدد تدعيمه بدليل تجريبي  ولا يستطيع التساؤل حوله أو التشكيك فيه .

وكولنجوود بذلك يتفق مع الوضعيين المناطقة في أنه ليس بالامكان استيفاء المبادئ الميتافيزيقية، إلا أنه من جهة أخري يعترض عليهم في أن الرغبة في الاستغناء عن هذه المبادئ لا تتوائم مع المنهج العلمي، وذلك لأنه يجب علي العلماء الطبيعيين أن يفترضوا أشياء لا يمكن إثباتها وربما إذن وبمعني من المعاني النظر إلي ادعاء كولنجوود بأن الافتراضات المطلقة ليست إجابات عن أسئلة، فليست هناك صلة مباشرة مبرهنة بين السؤال هل كل ما يحدث له سبب؟ وإجابته بأن كل شئ يحدث له سبب . والعلاقة بين السؤال وإجابته ليست هنا عينيه واقعية وذلك بالطريقة التي ينظر بها إلي الافتراضات . ومن ناحية أخري فإن كولنجوود ليس لديه مبررات منطقية كافية لبيان أن المبادئ الميتافيزيقية أو الافتراضات المطلقة لا يمكن اثباتها من حيث المبدأ .

وهنا  يذكر تولمن، أن الافتراضات المطلقة تشبه النماذج الإرشادية لتوماس كون، فالنماذج الارشادية والمناهج التي يجب أن تفسر العلم السائد مع الإشارة لتلك القضايا السائدة في مراحل مختلفة في تطور النظام الذي يجب إقامته ومقارنته. وعلي عكس نظرية كولنجوود برهن تولمن علي أنه إذا كانت القضية يمكن أن تقيم فقط فيما يتعلق بالمجموعة المتألقة من الافتراضات المطلقة، فإنه من المستحيل لنا أن نقيم عقلانياً معظم تصوراتنا ومبادئنا الأساسية .

وقد توصل تولمن إلي أن نظرية الافتراضات المطلقة تتضمن صورة غير ملائمة تماما للنسبوية التاريخية . ولذلك تولمن فسر نسبوية كولنجوود بأنها تمثل نوع ذاتي يهدد بحق السلوك العقلاني والفلسفي . وقد كتب تولمن قائلا " بدلاً من تنوع الأنساق المفاهيمية، إلا أن كولنجوود قد خضع لها كلية وترك محاولة الحكم بشكل غير منصف بين السياقات أو الحقب المختلفة وهدد مفهوم العقلانية لكونها ليست أكثر محلية وتطبيق مؤقت .

ومن ناحية أخري يؤكد تولمن أن كتاب " مقالة عن الميتافيزيقيا " لكولنجوود  يتضمن نظرية لتحليل ميتافيزيقي قائم علي منطق الافتراضات المطلقة التي يبدو أنها تتفق مع المنهج المنطقي الرياضي في التزامه بالنسقية . وهذا الالتزام برهن عليه تولمن في أنه أعاق وحرم علي كولنجوود التوصل لحكم عقلاني .

كما يري بعض الباحثين أن نقد تولمن لكولنجوود قائم علي الهجوم الموجه لنظرية الافتراضات المطلقة، حيث برهن تولمن علي أنه أحياناً ما التزم كولنجوود بهذا النمط  بالكفاية الذاتية المستثمرة والموظفة في نسق افتراضي . هذا من ناحية، ومن ناحية أخري فإن كولنجوود في نظر ألزم نفسه بالنسبوية التي لم يتراجع عنها . هذه النسبوية نتجت عن وصفه للنسق الافتراضي علي أنه يمثل هرم من العلاقات الداخلية أشبه ما يكون منطقي قائم علي علاقات استنباطية من النسق الاكسيوماتيكي، وتحليل كولنجوود للنسق الافتراضي يسمح لتساؤلات الصواب والخطأ طالما أنها فقط تنشأ من داخل مجال النسق المتاح. وأيضا داخل نسق سؤال العقلانية الذي يقيم أسباب لشئ ما، بمعني يتعلق بافتراضات النسق .

ومن جهة أخري يؤكد تولمن أن كولنجووود قد إنجرف في النسقية المنطقية كما إنجرف من قبل فريجه، فكلاهما لم يتحررا من التمسك بأهداب النسق المنطقي الرياضي في التعبير عن أفكارهما الفلسفية ؛ وبالتالي ظل كولنجوود بسبب تمسكه بنظرية الافتراضات المطلقة مقيداً بمبدأ العلية القائل بأن أي شئ لا يمكن أن يحدث دون علة، وهذه العلة دائما تؤدي إلي نفس المعلوم . وهذا يعني أن ما يحدث في الطبيعة يمكن أن ينحل إلي حوادث منفردة قد تتجمع أزواجاً أزواجاً علي صورة تكون عليها حوادث كل زوج متصلة بعلاقة العلة والمعلول . وهذه العلاقة العلية تتسم بالضرورة، هذه الضرورة التي تبرر لنا الاعتقاد بقوانين ثابتة صارمة تحكم العالم، وتعكس الألية السائدة في الكون . ولذلك يشبه تولمن تمسك كولنجوود بالعلية بأنه كان مؤيداً لما ذهب إليه كانط إلي القول بأن أي نظرية علمية لا تتضمن هذا المبدأ نظرية باطلة، في حين أن فيزياء أينشتين لا تؤيد ذلك، ولذلك طبقا لكانط " الحوادث مرتبطة بأسبابها "، في حين عند أينشتين " ليست الحوادث مرتبطة بالضرورة بأسبابها.

كما بقي كولنجوود في نظر تولمن حبيس العقلانية العلمية في القرن التاسع   عشر، والتي تؤيد النموذج العلمي في الفيزياء الكلاسيكية، والتي افترضت وجود مكان مطلق لتفسير حركة الأجسام استناداً إلي هندسة إقليدس ذات الأبعاد الثلاثة، بالإضافة إلي وجود زمان مطلق مستقل عن الأجسام .

ومن جهة أخري فقد أنتقد تولمن العقلانية العلمية عند " توماس كون  Thomas Khun "، وبالأخص فكرة النماذج المقياسية، فقد كان كون قد تساءل: هل ينمو العلم نمواً متصلاً متراكماً باستمرار أم  منفصلاً؟ والإجابة في نظره هي  أن العلم ليس متصلاً متراكماً، بل منفصلا ثورياً، وبالتالي فإن تاريخ العلم الحقيقي هو تاريخ الثورات العلمية، والمقصود بالثورات العلمية كما يري كون سلسلة الأحداث التطورية غير المتراكمة التي يستبدل بها نموذج ارشادي قديم كلياً أو جزئياً بنموذج مقياسي جديد متعارض معه . هذا يعني أن التحولات التي طرأت علي النموذج المقياسية تجعل العلماء بالفعل يرون العالم الخاص بموضوع بحثهم في صورة مغايرة . وطالما أن تعاملهم مع هذا العالم لا يكون إلا من خلال ما يرون ويفعلون . فقد تحدونا رغبة في القول بأن العلماء عقب كل ثورة يعملون في عالم مختلف . وكون هنا يقدم نظرية جديدة تعطي السلطة لنموذج متوافق بين علمين متناقضين، أحدهما سائد، والآخر ثوري . وهنا لا بد أن نخضع لسلطة النموذج الثوري .

بيد أن هذا الأمر لم يعجب تولمن، وهنا نجده ينتقد تفسير كون للثورة العلمية، وذلك فيما يلي:

" إن الثورة عند كون تتضمن تغييراً كاملاً لكل الحثيات الفكرية موضع التساؤل . وكأنها نظرية للتغيير الجذري للنموذج السائد . بصورة أدق : إن الثورات العلمية في رأي كون تميل لأن تحدث في فرع معين من العلوم مرة واحدة كل مائتي عام أو أكثر، وأنها ليست أكثر من نظرية للتغير المفاهيمي ككل، فإذا سلمنا بقول كون فيما يري تولمن من أن التناقضات النظرية التي يشغل نفسه بها الآن من الممكن أن تحدث في فترة أكثر تقارباً  . وبمقياس أقل يمكن أن تحدث في أغلب الأحيان وربما يجد كل جيل جديد من العلماء – لديه من الأفكار والرؤي الثاقبة نفسه عند نقاط معينة وفي أحوال معينة علي النقيض من الجيل الذي سبقه مباشرة بالنسبة للأهداف . وهنا نتساءل هل من الممكن لأي علم سائد له مكونات نظرية أن ينمو عن طريق سلسلة من التراكمات فقط إن حدوث ثورة علمية لم يعد يصل إلي درجة تعوق التعزيز المستمر العادي أو المألوف للعلم، ومن ثم فإنه قد ينظر للثورة العلمية علي أنها وحدة تنوع داخل العملية الفعلية للتغيير العلمي . فالثورات الصغرى الجديدة الآن أصبحت وحدات تغيير أثناء أو داخل العلم الثوري والسائد علي السواء .

والسبب في ذلك يرجع إلي أن الانتقال البحت الذي تشتمل عليه الثورة العلمية أمدنا بالمقياس الأصلي للتعرف علي حدوث أحدهما علي وجه الاطلاق . وبمجرد  أن نعرف أنه لا يوجد أي تغيير نظري مطلق في العلم، فإنه يبقي لنا سلسلة من التعديلات النظرية الكبرى أو الصغرى التي تختلف احدهما عن الأخرى في الدرجات وهكذا تحطم عنصر التمييز في نظرية كون ؛ أي أن محاولة فصل العلم السائد عن الثوري هي محاولة فاشلة . فنموذج الأفكار النظرية ينتقل من الأستاذ إلي الطالب .

خلاصة رأي تولمن أن التمييز الذي وضعه " كون " بين العلم السائد والعلم الثوري سينهار؛ بمعني أن الثورة العلمية إنما تتمثل علي شكل تغييرات بطيئة تهيئ الفرصة بدورها للثورة ولا تستغني هذه عن تلك، ومن ثم ليس هناك ما يطلق عليه بالثورة الجذرية أو المطلقة .

ويعطينا تولمن أبرز نقاط الضعف في العلم الثوري عند " توماس  كون " علي النحو التالي:

النقطة الأولي :  ما مدي الشمول الذي يجب أن تتصف به التناقضات النظرية بين أفكار أحد الأجيال العلمية وتلك التي توجد في الجيل التالي إذا كانت فترة الانتقال بينهما تكون ثورة علمية طبقا لرؤية كون ؟ في هذا الإطار يعتقد " تولمن " أن موقف كون غير كاف، ومن ثم فنحن في حاجة إلي مقياس كاف .

النقطة الثانية : إذا كان أي تغيير نظري بين النظريات بالنسبة للأجيال المتتابعة قادراً علي أن أن يسبب عدم الفهم بينهما ويمكن قبوله بوصفه ثورة، ألا نستطيع أن نطلب تفسيراً عاما للدور الذي تؤديه كل هذه التغيرات النظرية خلال تطور الفكر العلمي ؟ أليس لنا الحق في أية مرحلة أن نعامل الثورة الدقيقة بوصفها أجزاء، فإذا كان الحال هكذا،  ألسنا نتجاوز تماماً كل المعاني الأصلية للفظ ثورة ؟ بناء علي ذلك يري  " تولمن " أن الثورة العلمية كما وصفها "  كون " تؤدي إلي عدم التواصل بين تصور وآخر . والسبب في ذلك يرجع إلي أن كل جيل من العلماء ينظر إلي العالم من تليسكوبه الخاص، الأمر الذي يؤدي بهذا الجيل أو ذاك إلي أن يكون محكوما ليس فقط في ضوء ألاته، بل وأيضا في ضوء نموذجه النظري . والنتيجة هي الأفتقار إلي الفهم الصحيح بين الأجيال المتتابعة بسبب التغيير المطلق أو الكامل أو الجذري هذا .. وللحديث بقية..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو  مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم