أقلام فكرية

علي رسول الربيعي: العلمنة والحداثة والدين

علي رسول الربيعيأبتداءً أريد أن اسجل دعوتي الى تشكيل: "المؤسسة الوطنية العليًا للأخلاق".. الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

نشر فريدريك شلايرماخر عام 1799 كتيبًا بعنوان:" حول الدين، خطابات الى محتقريه من المثقفين"[1] في وقت يصوصف بأنه مرحلة اضطرابات في تاريخ أوروبا سواء من حيث النظام السياسي أو البُنى الاجتماعية أو الدين.[2] وكان ينصب التركيز على الحرية والتسامح وكذلك الإيمان القوي بالتقدم بالنسبة للبرجوازية  التي  بلغت ذروتها السياسية مع الثورة الفرنسية. تأثر الدين بظروف تلك المرحلة وكان هناك جدل نظري ساخن حول الدور الذي يمكن أن يلعبه أوما يجب في المجتمعات الحديثة.

يتطلب قراءة كتابات شلايرماخر على خلفية هذه المناقشات. فقد كان يكتب ضد النخب التي يصفها بالمستنيرة لأًنها تستعمل مصطلحًا مختزلًا للدين أو تريد منع الدين تمامًا من الحياة الاجتماعية. فيطرح فهمًا جديدا للدين لا يُختصره في جوانب فردية (الميتافيزيقيا أو الأخلاق). يعتبر الدين تجربة إنسانية أساس وليس شيئًا لاعقلاني. أيً أن الدين ينتمي إلى المستوى الجوهري للانسان وعالم خبرته، وبالتالي المطلوب أن يولى الاعتبار الواجب في كل من النظرية والتطبيق. لا تقتصر ميزة شلايرماخر على ما تعتبر كتابة بوصفها عملأ مؤثرًا فلسفيًا ولاهوتيًا بل كان له تأثير دائم فيما يخص الدين في العالم الاجتماعي والثقافي وكذلك في المجال السياسي العام  في القرن التاسع عشر.

يتشابه النقاش الدائر حول العلمنة  في الفكر الفلسفي االمعاصر في العقود الأربعة الماضية في بعض النواحي مع النقاش حول الدين في فترة الاضطرابات في أوائل القرن التاسع عشر. جوهر هذه المناقشة هو ما إذا كان سيفقد الدين، مع تقدم التحديث والفردية والديمقراطية، أهميته، فرديًا واجتماعيًا، أو حتى سينقرض. لكن  كان هناك انتقادات لنموذج العلمنة "المبالغ فيه" من جهات فكرية مختلفة في السنوات العشرين الماضية الماضية أيضًا. اعترض علماء اجتماع الدين على الراي القائل: ربما فقدت الأديان أهميتها في بعض مناطق العالم، اذ ماتزال تلعب دورًا مهمًا على مستويات مختلفة وبأشكال متنوعة، ليس في المجتمعات التقليدية فقط، ولكن في جميع أنحاء العالم. فما يزال الدين فاعلًا وموضوعًا اجتماعيًا مهمًا. لقد أصبح يُنظر إلى الدين بشكل متزايد على أنه ظاهرة عالمية على الأقل منذ 11 سبتمبر. ومع ذلك، فإن السؤال عن كيفية تفسير الدين هو محل خلاف شديد اليوم كما كان في زمن شلايرماخر. ما يزال هناك جانبان يلعبان دورًا مهمًا: كيف يمكن فهم الدين بشكل صحيح دون تفسيره بطريقة اختزالية؟ وما هو الدور الذي يلعبه في المجتمع اليوم؟

إذا أراد المرء أن ينصف ظاهرة هذا الإدراك الجديد للدين التي يشار إليها أيضًا باسم نهضة الدين أو الديني، يتطلب أولاً مراعاة ظروف التحول الاجتماعي والسياسي للحداثة التي تعتبر الخلفية لهذا التطور. فقد جلبت السمات المركزية للحداثة، وهي الإطار الذي تجري فيه الخطابات حول الدين، تغييرات عميقة وعديدة للمجتمعات والأديان. إن التمايز الوظيفي والتفرد والتعددية كلها سمات بنيوية للمجتمعات الحديثة، تم من خلالها كسر السلطة الوحيدة لتفسير الدين. وبدأ يعتمد لناس في المجتمعات الديمقراطية بشكل أقل فأقل على الدين باعتباره التفسير الوحيد لحياتهم أو تطوراتهم الاجتماعية.

نقطة البداية السياسية للحداثة فيما يتعلق بالدين هي فصل الدين عن الدولة  كما في المجتمعات الغربية، وفي أجزاء أخرى كثيرة من العالم أيضًا.[3] سادت فكرة المجتمع السياسي، منذ الثورة الفرنسية، حيث يتم تصور الدولة كسلطة محايدة تحمي مصالح جميع المواطنين بغض النظر عن رؤيتهم للعالم.[4] وتم التأكيد، في الوقت نفسه، على الحق في الحرية الدينية التي تضمن لجميع المواطنين حرية ممارسة شعائرهم الدينية. أصبح الحياد الأيديولوجي الديني للدولة والاختيار الفردي لرؤية العالم وجهين للحرية الدينية كحق أساس ومركزي للديمقراطيات الحديثة. إن الحرية الدينية الإيجابية والسلبية في اعتمادهما المتبادل، هي أساس المجتمع العلماني، حيث يخفف الدين من جهة ارتباطه الوثيق بالدولة، ولكن يُعطي، من جهة أخرى، مجالًا للتنمية الاجتماعية. وعليه لم تمنح عملية العلمنة الحرية في السياسة مكسبًا فحسب بل للدين أيضًا.

تتميز الحداثة العلمانية بنظر يرى فقدان المعنى في المؤسسة الدينية. ويُسيًر الموقف النقدي تجاه المؤسسات الدينية في المجتمعات العلمانية عمليات العلمنة هذه جنبًا إلى جنب مع تراجع المعتقدات التقليدية وخصخصة الدين. "يحكم الجمع بين الدين والخصوصية والعلاقة الحميمة اليوم على كل من الأسلوب الفردي للتقوى والنهج الاجتماعي للدين: فتكون القناعات مع الذات الفردية أو على الأقل مع الأقرب منها فقط" .[5]

أصبحت الأسئلة الدينية أسئلة للفرد بشكل متزايد، وبالتالي جزء من المجال الخاص، ولهذا يتحدث البحث الاجتماعي الديني عن خصخصة الدين.

تكشف هذه العمليات المختلفة مجتمعة عن ثلاثة أبعاد للعلمنة في سياق الحداثة: انفصال الدين عن الدولة، بما في ذلك تعزيز الحرية الدينية الإيجابية والسلبية، وتراجع المعتقدات الدينية التقليدية (بما في ذلك أهمية مؤسساتها) وخصخصة الدين.[6] عادة ما ترتبط خصخصة الدين ارتباطًا وثيقًا بالفصل المؤسسي بين الدولة والدين، وبالتالي مع نموذج الليبرالية السياسية الذي أصبح أساس الدولة الدستورية الديمقراطية. تعني الليبرالية والعلمنة الفصل المنهجي بين الخاص والعام، المتأصل بعمق في هذا النموذج، و"حصر الدين في مجال الخصوصية بوصفه أحد السمات البنيوية التي تحدد الحداثة على هذا النحو".[7] فيصبح الدين شأنًا خاصًا للمواطنين في النهاية، وبالتالي يتم إبعاده عن أعين الجمهور العمومي.

الدين في سياق العلمنة

لاينقرض الدين من وجهة نظر علم الاجتماع، ولم تؤد سمات الحداثة إلى نهايته، انه يتعامل ويعالج عمليات الحداثة بأشكال مختلفة ويغير أشكال التعبير الاجتماعية والثقافية في هذا السياق.[8] يتعلق هذا التحول للدين في سياق الحداثة العلمانية بحيويته السياسية (أ)، وتمايزه (المؤسسي) (ب)، وتكاثر الأديان (ج) وتطرفه في بعض الأحيان (د).

( أ) تتدخل الجماعات الدينية اليوم فيما يخص الأسئلة السياسية وتشارك في المناقشات العامة. فتظهر العديد من الجماعات الدينية، سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو بوذية أو هندوسية، في جميع أنحاء العالم كجهات فاعلة في المجتمع وتتدخل في مناقشات الشأن العام. لا تتخذ الأديان موقفًا من المناقشات السياسية أو الأخلاقية فحسب، بل تضع أحكامها الدينية على أجندة الخطابات العامة أيضًا. فعلى سبيل المثال، يتدخل الاسلاميون في الساحة السياسية في الدول ذات الأغلبية من المسلمين ويدعون الى تطبيق " الشريعة"  طبقًا لفهمهم لها، وتشارك المسيحية في لجان أخلاقيات علم الأحياء في العديد من الدول الغربية، وفي القضايا الاجتماعية الملحة؛ فتطرح وجهات نظرها في في القضايا الأخلاقية المثيرة للخلاف والجدل.

وهنا أريد أن اسجل دعوتي الى تشكيل:" المؤسسة الوطنية العليًا للأخلاق" في الدول العربية لمناقشة المشكلات الأخلاقية والتربوية في المجتمع يشارك فيها مختصين من العلوم ذات الصلة وحتى  من رجال الدين ايضا.

لا تزال المعتقدات والممارسات والجماعات الدينية متشابكة مع  السياقات الاجتماعية بطرق عديدة حيث تشارك في الساحات والخطابات العامة.[9] ويصدق هذا بشكل أكبر على المستوى العالمي، لأسباب ليس أقلها أن المجتمعات الدينية "جنبًا إلى جنب مع الشركات متعددة الجنسيات ووسائل الإعلام ذات الانتشار العالمي هي من بين المحركات الأولى لعملية تسمى العولمة.[10]

(ب): تتمايز المجتمعات الحديثة في سمات عديدة عن المجتمعات التي يكون فيها  للجماعات الدينية حضور كبير أو تلك الجماعات تمارس نوع من السلطة الدينية. طبعًا ليست هذه العملية جديدة في تاريخ الأديان، ولا سيما الديانات العالمية، فلها تاريخ من الانقسام والتمايز. فقد ارتبطت الأديان، في هذه العمليات، بالتقاليد الثقافية دائمًا، حيث تظهرت أشكال مختلفة جديدة دائمًا. استمرت عملية التمايز والتعددية الثقافية هذه واشتدت على مدى العقود القليلة الماضية.

(ج): يمكن ملاحظة تحول متعدد الأوجه للدين في سياق هذه التغييرات بين الجماعات الدينية ومؤسساتها. فتظهر متغيرات جديدة من التدين في المجال الديني المتحول في سياق العلمنة. وأن عمليات التحول هذه لها تاريخ طويل ثقافيًا وسياسيًا. لقد تُرجمت الأفكار والمعاني الدينية إلى خطابات ومؤسسات ورموز سياسية عامة ودمجت فيها لقرون عديدة، ويمكن ملاحظة ذلك بشكل ملموس في تكوين الأمم على سبيل المثال. تُزين الدلالات الدينية التقليدية والطقوس الدينية من أجل أن  تكون  قادرة على توجيه الطاقات العاطفية العالية التي يستثمرها المتدينون في إيمانهم تجاه الأمة. والأمة هنا لها لغة رمزية دينية يتم تعليمها من أجل أن تكون قادرة على توليد مجتمع ملزم عاطفياً. غالبًا ما يصيب الجماعات الدينية التقليدية التحلل لكن لا يترافق هذا مع اختفاء المتدينين. يعتبر الدين مهمًا في مواقف الحياة المختلفة ويتم تكييفه بشكل فردي، فيحصل تكاثر متعدد الأوجه للدين.

( د) تجلب الجماعات الدينية، في نهاية المطاف، بصفتها جهات فاعلة اجتماعية، مشكلات اجتماعية، لا سيما عندما تقوم التيارات الأصولية الدينية بمعاملة أحكامها وتعبيراتها الدينية كمطلقات وتحاول فرضها بالقوة، وبالعنف أحيانًا. يرتبط التمايز القوي للمجال الديني بـإعادة تسييس الدين ليظهر بثقة أكبر في المجال العام، وأحيانًا في هجوم أصولي على الفصل بين الدولة والدين وما يرتبط به من زيادة في التيارات غير المتسامحة والعنيفة.[11] إن النهضة الحالية للدين لها "وجه يانوس"، فهي تمثل في أحد أوجهها عودة الصراعات العنيفة ذات الدوافع الدينية ومقترنة بعدم التسامح مع الأديان الأخرى أيضًا. تُستخدم، في ظل هذه الخلفية، تفسيرات حول الأصولية الدينية اليوم، سأذكر ثلاثة منها أدناه كأمثلة.

هناك مجموعة من المقاربات تفسر الأصولية الدينية في المقام الأول بوصفها حركة مضادة للحداثة مع تطوراتها في الجوانب الفردية والتعددية. وأنها محاولة، لمنح الناس حالة من الأمن في أوقات التغيير العميق باشارتها إلى المطلق. تمثل "هذه هي الأصولية: إغراء كبير لطلب الدعم من المطلق للتقدم لكن ذلك لا طائل من ورائه للعقلانية الحديثة".[12] ما هو مقنع بشأن هذا التفسير هو أشارته إلى علاقة داخلية بين النمط السائدة، في المجتمع من اداب السلوك والزي وغيره، والأصولية الدينية. تؤدي الاضطرابات الاجتماعية والفكرية والتاريخية متعددة الأوجه، والتي شكلت بشكل عميق التعايش البشري منذ العصور الحديثة، إلى البحث عن نماذج جديدة للتعايش بالضرورة. تبدو الأصولية الدينية في هذا السياق، كرد فعل على الحداثة، لأنها تمنح الناس الأمن في المراحل العميقة من الاضطرابات. ومع ذلك، فإن مشكلة تفسير الأصولية هذه هي أنه لايفسر بشكل كافٍ ما الذي يميز الدين والأصولية الدينية عن بعضهما البعض.

هناك أيضًا مجموعة ثانية من المقاربات تتبنى نظرية الأصولية الدينية كحركة معاكسة للحداثة، لكنها تصنفها في سياق العلاقة بين الدين والثقافة. إن جوهر الحجة هو أن الأصولية الدينية شكل من أشكال الإيمان انحرف عن جذوره الثقافية. ولكن إذا فصل الدين نفسه عن الثقافة، فإنه يصبح شعورًا اعتباطيًا لا يمكن التحقق منه كثيرًا من أجل أن يكون مقبول عقلانيًا. أصبح الدين شعارًا إعلانيًا بشكل متزايد وهو ما يسميه عالم السياسة الفرنسي أوليفييه روي بالجهل المقدس.[13] فعادة ما تنشأ الأصولية الدينية، وفقًا لإحدى أطروحات روي المركزية، عندما ينفصل الإيمان عن الثقافة وتُنسى الهيئات المعرفية الثقافية المدمجة في الدين أو تُبطل.

يستند التفسير الثالث للأصولية الدينية إلى منظور ثقافي تاريخي ويبدأ بالمنطق الداخلي للأديان نفسها. تإنه تفسير يشير إلى المطلق كنقطة انطلاق للميول الأصولية. فيرى  دعاته أن الدين ولاسيما التوحيدي منه ذو توجه نحو العنف مما يعزز ظهور الحركات الأصولية بشكل حاسم؛ حيث يميل هذا التوجه نحو الإبطال العنيف للحقائق الدينية الأخرى لأستناده إلى ارتباط الإنسان الحصري بإله واحد.

اذن يحدد هذا أربعة جوانب مركزية للإدراك الجديد للدين: الحيوية السياسية والتمايز بين المجتمعات الدينية، والتحول ما بعد الحداثي للدين، وظهور التيارات الدينية الأصولية. تشكل الأديان، في الجوانب الأربعة، مواقف الناس تجاه الفعل، وتؤثر في الحياة الثقافية وهي جزء من الخطابات العمومية أو العمليات السياسية. لذلك فإن الأديان عامل مهم يستحق اهتمامًا خاصًا عند تحليل المجتمعات.

أخيرًا، لابد من التأكيد مرة أخرى على استنتاج مهم من التحليلات السابقة: نظرًا لأن الأديان لم تختف في العصر الحديث أثناء ظهور المجتمعات العلمانية، ولكنها حولت نفسها وبطرق عديدة مختلفة، فمن المنطقي، ليس التحدث عن عودة واحدة للدين، ولكن عن تركيز جديد على الدين. تظهر العودة المفترضة للدين إلى المجال العام على أنها إدراك جديد للدين في الأماكن العامة المتنوعة والمجزأة في المجتمعات الحديثة.

استنتاجات من أجل فهم العلمنة

يُناقش في أطار ادراك الأدوار الجديدة للدين اليوم وعبر حقول معرفية عديدة السؤال: ما هي العواقب التي يمكن استخلاصها من هذه الأدوار لفهم العلمنة. هناك مفكرون يشككون في قيمة تحول وتغيير نموذج العلمنة من منظور التصور الليبرالي للمجتمع. تستند هذه الشكوك في المقام الأول إلى حقيقة أن الاعتراف (أو الجماعات) الدينية كفاعلين اجتماعيين يمكن أن يعرض إنجازات الديمقراطية للخطر. لذا يؤكدون على ضرورة الحد من الدور الاجتماعي للدين. لكن هناك من يرى أن الدين مازال يلعب دورًا مهمًا في المجتمع.حيث يشكل الدور الاجتماعي للدين مجالات مختلفة من الحياة العامة من وجهة نظر علم الاجتماع. ومن غير المقنع، من حيث البحث في علم اجتماع الدين على المستوى الوصفي، التحدث عن الانقراض الوشيك للأديان. لقد تغيرت الأديان كثيرًا ومع ذلك  فإنها ماتزال ذات أهمية اجتماعية. لذلك، لا تؤدي العلمنة إلى إنهاء دور الدين بالضرورة ؛ بل قد يصبح المعتقد الديني خيارًا للتعايش العادل بين كثيرين. يتمتع الدين بحيوية كبيرة، في هذا الصدد، لا سيما في سياق علماني، ويمكنه أن يقدم من منظور معياري مساهمات مهمة في تعزيز المجتمعات الديمقراطية.[14]

ومع ذلك، تشير انعكاسات تحولات الدين في مواجهة الحداثة إلى الحاجة إلى تطوير مفهوم مختلف للعلمنة والنظر في الأهمية الاجتماعية (العالمية) للدين. لهذا الغرض ، بدلاً من نظرية العلمنة، التي تظهر على أنها نظرية اجتماعية متفوقة، يتطلب وضع تصميم نظري يلتقط عمليات التحويل شديدة الاختلاف وغير المتجانسة للديني.  تتخذ مثل هذه التحولات للدين وتفاعلها مع العلمنة أشكالًا مختلفة في مناطق عديدة من العالم، لأن عمليات العلمنة تحدث بشكل مختلف في كل مكان. هذا هو السبب في عدم وجود طريقة موحدة للتعامل مع الدين في المجتمعات  التي يسود فيها العامل الديني  كعامل مؤثر وفعال.[15] لذلك المطلوب فهم  العلمنة نفسها بوصفها عملية متمايزة. فيتطلب أن تكون نظرية العلمنة منفتحة على السياقات الثقافية المختلفة وأن تتكيف مع وجهات النظر الدينية المتضمنة في تلك السياقات.

وهذا يشير إلى الحاجة إلى خطاب يختص بتغيير نموذج العلمنة ودور الدين. وهنا تُفهم الديمقراطية على أنها شكل من أشكال التنظيم السياسي الذي تم إضفاء الطابع المؤسسي عليه بطرق مختلفة في العديد من البلدان حول العالم ، وبالتالي أصبح شرطًا أساسيًا مهمًا للإجابة على سؤال دور الدين في المجتمعات الحديثة. إن إحدى نتائج التفكير في الدين ووظيفته الاجتماعية، في ظل هذه الخلفية، هي الحاجة إلى التفكير في فهم مناسب للسياسة والديمقراطية ككل.

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

.................................

[1] شلايرماخر، في الدين، أحاديث الى المثقفين من بين منكريه، ترجمة سامة الشحماني، مراجعة وتقديم عبد الجبار الرفاعي، دار التنوير، بيروت، 2017.

[2] Schneiders, W. (1997). The Age of Enlightenment.

[3] أنظر:

Graf, F. W. (Ed.) (2013). Politics and religion. To diagnose the present. Munich. https://www.uni-muenster.de/imperia/md/content/religion_und_politik/aktuelles/03_2019/auszug_englisch_vollantrag_exc_religion_und_politik.pdf

[4] أنظر:

https://www.jstor.org/stable/26265968

[5]  St. Anselm, Anselm of Canterbury: The Major Works, OUP Oxford, 2008.

[6] أنظر:

جوزية كازانوفا، الأديان العامة في العالم الحديث، ترجمة كاترين سرور وهالة حيدر نجار ومي صباغ، المنظمة العربية للترجمة، 2005.

[7] مصدر نفسه.

[8] Heinz, M. (2003). Religiousness in the Secularized World. In: Voices of the Time (221/8) 571-574.

[9]https://www.academia.edu/11281831/Edmund_Arens_Religion_as_Ritual_Communicative_and_Critical_Praxis_The_Frankfurt_School_on_Religion_Key_Writings_by_the_Major_Thinkers_edited_by_Eduardo_Mendieta_New_York_Routledge_2005_373_396

[10]  Leggewie, C. (2007). Religion and globalization. In: Muller, J.Reder, M.Kar cher, T. (Eds.), Religions in the process of globalization. Stuttgart, 12-20.13.

[11] Leggewie, C. (2007). Religion and globalization. In: Muller, J.Reder, M.Kar cher, T. (Eds.), Religions in the process of globalization. Stuttgart, 12-20.18.

[12] Greiffenhagen, M. (1991). Try against the meaninglessness. On the development of feminist currents in contemporary societies. In: Universitas (46/1) 36-45.

[13]   أنظر: روا، أوليفييه، الجهل المقدس، زمن دين بلا ثقافة، ترجمة صالح الأشمر، دجار الساقي ن بيروت ، 2012.

[14] Taylor; C. (2009). A secular age.

[15] أنظر:

Martin, D. (1979). A General Theory of Secularization. New York.

 

في المثقف اليوم