أقلام فكرية

جوهر الحق في الدولة العلمانية

يكمن الفرق بين الحق في الدين والدولة الدينية من جانب والدولة العلمانية من جانب آخر أساسا في المنطلق النظري لفهم علاقة الفرد بالدولة والمجتمع.

ففي الدين وضع الفرد كالدولة كلاهما واحد حيث تمنح الحقوق من الله-حسب ادعاء رجال الدين- وهذا هو السبب الذي دعا الأصوليين الى تقسيم الحقوق الى حقين:

1- حق الله على العباد وهو العبادات كالصلاة والصوم وهذه الحقوق مبناها على المسامحة.

2- حقوق العباد فيما بينهم وهو المعاملات كالمداينات والأرث وهذه مبناها على المزاحمة.

وهذا التقسيم يدل على شيء مهم هو أن الفرد لا يستطيع الادعاء بأن له حقوق طبيعية ذاتية هي أساس ماهيته كإنسان وإنما حقوق مجعولة بجعل جاعل فهي في الحقيقة ليست حقوق وإنما (هبة) ممكن أن تسلب كما توهب. لأنك بمجرد أن تخرج من هذا الدين- كونك تمارس حقا من حقوقك الطبيعية هو حق الاعتقاد- تلغى حقوقك ويحكم عليك بالردة ثم تقتل.

ولذلك نرى أن الدولة الدينية عندما تحكم يقتصر دورها على رعاية أحكام الله وتطبيقها لاغير.

ويترتب على هذا القول نتيجتين:

أولا: الدولة الدينية -التي تدعي تطبيق الشريعة ويحكمها رجال الدين- تكون خادمة للدين متماهية معه وهنا تنتهي الدولة كمؤسسة عامة تدير شؤون الناس وتتحول الى كهنوت يقرر التغاير على أساس الدين فقط فتلغى المواطنة من حيث التساوي بين الحقوق والواجبات وينفتح باب احتكار الحق لدين معين ثم يبدأ الاضطهاد الديني.

ثانيا: الدولة الدينية التي تخدم دين معين ستخدم بالضرورة طائفة معينة لاستحالة وجود تطبيق للدين من دون مذهب فقهي يستبطن وجود طائفة تقف وراءه. وعليه فإن أي دولة دينية لا تمنح الحقوق السياسية الكاملة إلا لطائفتها ودينها في الحدود التي رسمها مذهبها الفقهي فيتكرس التمايز الطائفي ويتفكك المجتمع وتتكاره مكوناته وتتناحر ثم تتحارب لأن طبيعة الحق في الدين تتأسس على الإيمان بعقائد هذا الدين من خلال الفهم المذهبي المؤسس على الطائفي.

ويتضح الأمر أكثر عندما يتعلق الامر بوحدة السياسي والديني فلا يجوز-في نظر الفقهاء- مثلا أن يحكم مسيحي أو يهودي أو أي دين آخر بلاد المسلمين وإن كان من نفس القومية أو أن يحكم مسيحي أو مسلم إسرائيل كذلك في الدولة المذهبية لا يجوز أن يحكم السني في دولة قائمة على أساس التشيع كما في إيران مثلا ولا يجوز أن يحكم الشيعي في السعودية مثلا آخر.

 أما في الدولة العلمانية فيكون القانون الطبيعي هو المنطلق النظري لقاعدة الحقوق لأن أساس القانون الطبيعي يكمن في الطبيعة البشرية ذاتها التي تقتضي منه العيش وفقا لطبيعته التكوينية القائمة على تلقائية الاجتماع الإنساني الذي تبلور من خلال تاريخ طويل من الصراع بين البشر كان أكثر قسوة من صراع الوحوش حتى تحول الى قانون حياتي أسس الحضارة والمدنية.

فالعلمانيون ينطلقون من إن تمتع الافراد بحقوقهم وحرياتهم كاملة يؤدي الى نمو شخصياتهم نمو طبيعي غير مرضي وهذا ما يؤدي الى تطور وتقدم المجتمع الإنساني نحو مجتمع عادل يبني العلاقة بين الفرد والدولة على أساس عقد اجتماعي بين الدولة وبين المتعاقدين من أفراد المجتمع المكون الاساسي للدولة الذي يكون دورها قيادة هذا المجتمع المنظم وفق قانون عقلاني يستبعد كل ما هو مدمر لإنسانية الإنسان. فتقر مبدأ المواطنة القائم على الحقوق والواجبات وتساوي المواطنين أمام القانون تساوي كامل لايفرق بين دين ودين أو بين طائفة وطائفة.

فجوهر الحق في الدولة العلمانية هو سلطة العقل والإرادة الحرة التي تنظم العلاقة بين القانون الطبيعي والأخلاق وتقطع الصلة بين الدجل والنفاق والاخلاق حيث لايحتاج المواطن في الدولة العلمانية أن يتملق الدولة لأخذ حقوقه ولاتحتاج الدولة أن تضطهد المواطن ليقوم بواجباته.

في الدولة العلمانية تتكامل الحقوق والواجبات في نظام يضمن استمرارية العمل بهما معا.

وبهذا يكون جوهر الحق في الدولة العلمانية هو(العقلانية).

والعقلانية هي قدرة العقل والإرادة الحرة على القيام أو الامتناع على الإتيان بفعل بدون إكراه ذاتي أو خارجي ويكون معيار الفعل والسلوك هو القناعة باحترام حق الآخر المختلف عرقيا ودينيا باعتباره جزء أساسي من النسيج الاجتماعي المتنوع  وعدم الاعتداء على حريته وحقوقه. وهنا يخلق التكامل في الفكر والسلوك حيث يكون تكامل الحريات والحقوق أساس في تكوين وتطور وانسجام المجتمع الحر.

***

سليم جواد الفهد

في المثقف اليوم