أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: كوجيتو ديكارت واحتمالات المغالطة؟

اعتُبر كوجيتو ديكارت (انا افكر لذلك انا موجود) كأساس للفلسفة الحديثة، اتجاهه كان متميزا عن أسلافه، واتسم بمحاولة البدء من الصفر في فهم الانسانية والعالم. في المبدأ 1.8 يشير ديكارت الى ان الكوجيتو لا يثبت فقط وجوده، وانما يثبت انه شيء يفكر. لكي نفهم بشكل أفضل ما يعنيه هذا، يحاول ديكارت إعطاء تعريف لـ "التفكير" في المبدأ 1.9. بـ "التفكير" هو يعني الاشارة الى أي شيء يتصف بالإطلاع والوعي. هذا لا يتضمن فقط التفكير او الفعاليات الفكرية الاخرى وانما ايضا التصور، الاستشعار، الرغبة، الاعتقاد، الشك، الأمل، الخوف، وجميع العمليات الذهنية الاخرى.

كونه أثبت انه كيان يفكر، ديكارت يستمر لإثبات اننا نعرف عن وجود الذهن أفضل مما نعرف عن وجود الجسم. الحجة المعلنة في المبدأ 1.11 تسير كالتالي:

1- كل صفة او خاصية يجب ان تنتمي لجوهر(طالما هذه هي بالضبط طبيعة الصفة او الخاصية)،

2- كلما اكتشفنا المزيد من الصفات للجوهر كلما كانت معرفتنا بوجوده أفضل،

3- عندما نتعرف على صفة لأي شيء، نحن ايضا نتعرف على صفة لأذهاننا – الصفة المسؤولة عن امكانيتنا لمعرفة أي صفة. علاوة على ذلك، نحن نأتي لمعرفة هذه الصفة الذهنية بيقين اكثر مما لو تعرّفنا على صفة اخرى . فمثلا، نحن نأتي لمعرفة ماهية الوردة عبر رؤيتها. لكن ربما نحن مخطئين في الحكم على ان الوردة حمراء. ما لا يمكن ان نخطأ به هو اننا عملنا ذلك الحكم واننا امتلكنا هذا الإحساس. وهكذا نحن نصبح اكثر قوة في معرفة ان ذهننا موجود.

الاستنتاج باننا نعرف وجود أذهاننا بتأكيد اكثر مما نعرف وجود أجسامنا هو ضد البديهة، وديكارت يحاول لاحقا تفسير لماذا ذلك يبدو قاس جدا لنا. السبب الذي يجعلنا نميل للاعتقاد اننا نعرف أجسامنا أفضل من معرفتنا باذهاننا، هو اننا نفشل في التمييز بين اذهاننا واجسامنا. وهكذا نحن ندرك ان وجودنا هو اكثر تأكيدا من وجود آي شيء آخر، نحن نستنتج من هذا وبشكل خاطئ ان وجود اجسامنا هو المؤكد  وليس وجود اذهاننا.

بعد إثباته انه شيء يفكر، وقبل إثباته ان الذهن يمكن معرفته افضل من الجسم، ديكارت يحاول الإلتفاف في المبدأ 1.10 لإحباط أي معارضة  يدرك انه سوف يواجهها من جانب الفلاسفة المدرسيين: نظرا لفشله بتوفير تعريفات لعباراته مثل "الوجود" و "الوعي". هو يحذر بانه سوف يستمر للقيام بهذا على طول الكتاب ويوضح ان هذا ليس نقص في الاهتمام او أعراض لتفكير متعجل. بل، هو يعتقد ان معاني هذه المصطلحات هي واضحة تماما بذاتها لدرجة ان أي محاولة لتوفير تعريفات (مثلما يفعل المدرسيون) سوف تعمل فقط على تشويش المسائل. هذه هي الملاحظة الاولى من بين عدة ملاحظات ساخرة  يطرحها ديكارت ضد طريقة المدرسيين الفلسفية.

تحليل

في المبدأ 1.8 يستنتج ديكارت انه شيء مفكر. ولكن هل ذلك كل ما يستنتجه؟ يبدو مريبا كما لو انه يستنتج ايضا انه مجرد شيء يفكر، كأنه استنتج بان  الـ "انا" الذي اكتشفه يمكن تحديده بالذهن مع استبعاد الجسد.هل هذا حقا هو الموقف؟ هل ديكارت يستنتج هنا ليس فقط "انا أعرف فقط بأني ذهن" وانما ايضا " انا أعرف اني فقط ذهن وليس جسما؟".

اسئلة حول هذا المظهر من فلسفة ديكارت نوقشت بحرارة منذ ان نُشرت تأملاته . لو تصورنا ان ديكارت هو في الحقيقة، يجادل للادّعاء بانه ذهن وليس جسم. ماذا سيكون جداله؟ سيكون جداله على الشكل التالي:

1- انا أعرف بأني شيء يفكر

2- انا لا أعرف اني شيء كجسم

3- لذلك، انا لست شيئا جسمانيا.

 هو سيستنتج ادّعاءً ميتافيزيقيا من ادّعاء ابستيمولوجي، ادّعاء حول ما هو كائن من ادّعاء حول ما يعرف. مغالطة من هذا النوع تسمى "مغالطة الجهل؟ لأنها تفترض ان جهل الشخص هو برهان على شيء ما في العالم.

ديكارت يبدو كأنه يهرب من الخناق بقدر ما تذهب هذه المغالطة. هو يستنتج المبدأ 1.8 بالكلمات التالية: "لذا فان معرفتنا بتفكيرنا هي سابقة لمعرفتنا بشيء جسدي وهي اكثر تأكيدا،لأننا أدركناه سلفا رغم اننا لانزال في شك حول عدة اشياء اخرى". هذا البيان تأكيد واضح بان ما يثبته هنا،وبقدر ما يعرف،هو انه فقط شيء يفكر. هو لا يعتقد على وجه اليقين انه أثبت كونه مجرد شيء يفكر.

عبر التفكير المحض، ديكارت يطرح استنتاجات ملفتة وواسعة النطاق من يقين الكوجيتو البسيط. عندما نستعمل كلمة "انا" نعني بها الروح او الذهن، والروح ذاتها جوهر متميز عن الجسم وعن كل الاشياء المادية. ورغم اننا مرتبطون بجسمنا الانساني الخاص بنا، مع ما لدينا من شعر كثيف، لياقة بدنية،ابتسامة رقيقة، وربما في مواقف اخرى تدهور الرؤية، وغزو الشيب للذقن، وعلامات التعب، لكننا نستطيع ان نوجد بلاجسد.

الإستعارة التي استعملها ديكارت كانت سلة تحتوي على تفاح جيد وآخر متعفن. لكي نتجنب انتشار التعفن، من الحكمة ان نتخلص من كل التفاح ونضع في السلة فقط التفاح الجيد. بنفس الطريقة، في تبنّي طريقته في الشك، نحن يجب ان نتخلص من كل تلك العقائد ونبقي فقط العقائد الصادقة غير المشكوك فيها. هنا تبرز بعض المشاكل في مقارنة التفاح. في النهاية نحن نحتاج الى عقائد لتقييم عقائد اخرى. مقارنة أفضل طرحها اوتو نيورات Otto Neurath من حلقة فيينا وهي: "نحن نشبه مجموعة من البحّارة يجب عليهم إعادة بناء سفينتهم في بحر مفتوح، غير قادرين ابدا على تفكيكها في حوض جاف وإعادة بنائها من مواد جديدة ". نحن يجب الإعتماد على بعض عقائدنا لتقييم العقائد الاخرى، ننبذ البعض، نحتفظ بالاخرى، ومن ثم نعيد مراجعة تلك العقائد التي كنا نتمسك بها بقوة في البداية.

تجدر الاشارة الى ان استنتاج ديكارت في الكوجيتو ليس أصليا. القديس اوغستين في القرنين الثالث والرابع الميلادي طرح استنتاجات مشابهة لديكارت.

***

حاتم حميد محسن

......................

Sparknotes, philosophy, principle of philosophy

في المثقف اليوم