أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: هل المنافسة تجعل الناس أقل أخلاقا؟

العديد من الاقتصاديات وحتى التفاعلات الاجتماعية هي اليوم تنافسية. نحن نستعمل الاسواق للعثور على الوظائف. ماذا يعني هذا لأخلاقنا؟ هل الرأسمالية تعطي الناس الحلم الامريكي، هل المنافسة تجعلنا شرفاء ام انها تدفعنا نحو الغش والاحتيال؟ هذه الاسئلة العميقة شغلت أذهان بعض كبار الاقتصاديين الكلاسيكيين الذين رأوا الرأسمالية تنطوي على كل من التأثيرات الاخلاقية الجيدة والسيئة. آدم سمث ركز على الاشياء الجيدة، بينما كارل ماركس كان أقل تفاؤلا. ومع ان المنافسة يمكنها ان تحفزنا للكفاح لأجل الحصول على الموارد، لكنها ايضا يمكن ان تكون لها نتائج سلبية. في مجال الأعمال يمكن ان تكون المنافسة طريقة بنّاءة ضمن فريق العمل ويمكنها ايضا ان تكون مؤذية للفريق ولثقافة الشركة ككل. هنا لابد من الإشارة الى وجود نوعين من المنافسة: المنافسة السلبية والمنافسة الايجابية.

المنافسة السلبية

وتحدث عندما نتنافس مع آخرين لأننا نريد الربح على حساب شخص آخر او اشخاص اخرين. بكلمة اخرى، نجاحنا يعتمد على فشلهم. المنافسة السلبية هي لعبة الصفر وترتكز على فكرة مراهقة في اننا اذا نربح نكون "جيدين"، واذا نخسر نكون "سيئين". الفرق الرئيسي بين المنافسة الايجابية والسلبية هو في نوع المشاعر التي يشعر بها الناس ضمن أجواء المنافسة. هذه المشاعر تجعل نوع معين من الناس يتصرفون بطريقة مختلفة. المنافسة السلبية ترتكز على المحصلة او الانجاز. ضمن هيكل الفريق، تعمل المنافسة السلبية على هدم الثقة والأمان السايكولوجي وهي ضارة للثقافة. انها عادة تتخذ واحدا من الأشكال التالية:

1- شخص معين يتنافس ضد شخص آخر في الفريق

2- شخص ما يتنافس ضد كامل الفريق

3- فريق واحد يتنافس ضد فريق آخر ضمن المؤسسة.

عيوب المنافسة السلبية:

1- التوتر والضغط

احدى اهم النتائج السلبية للمنافسة هي ما تسببه من توترات وضغوط. في بيئة شديدة المنافسة، الافراد قد يشعرون انهم تحت ضغط مستمر ليؤدوا أفضل ما يمكن. هذا الضغط يمكن ان يقود الى قلق وكآبة وأعراض صحية سلبية اخرى. بالاضافة الى ذلك، ان الضغط المتواصل لأجل النجاح يخلق احساسا بالإرهاق حيث الافراد يصبحون مستنزفين وغير قادرين للعمل بصورة أفضل.

2- عدم التعاون:

المنافسة يمكنها ايضا ان تحد من التعاون ضمن فريق العمل. في أجواء المنافسة الشديدة، الافراد يصبحون اكثر تركيزا على نجاحهم الخاص وأقل رغبة للعمل مجتمعين. هذا يمكن ان يؤدي الى قلة التعاون والاتصال، والذي من شأنه ان يكبح التقدم والابتكار. في بعض الحالات، المنافسة تخلق بيئة عمل سامة، حيث يتم تحريض الافراد ضد بعضهم البعض، وسيُحبط التعاون.

3- اللاإنصاف:

عيب آخر للمنافسة هي انها احيانا تكون غير عادلة. في بعض الحالات، الافراد او الجماعات تصبح لهم أفضلية على الآخرين، مثل الوصول الى افضل الموارد او الشبكات. هذا يمكن ان يخلق احساس باللاّعدالة ويجعل الناس يشعرون ان المنافسة قاسية ضدهم. كذلك، بعض الناس قد يخدعون او يتورطون بالغش وسلوكيات غير أخلاقية للحصول على مزايا، وهو ما يفاقم الشعور بعدم العدالة.

4- اللانزاهة:

تقود المنافسة الى عدم النزاهة وسلوك غير أخلاقي. في البيئة الشديدة المنافسة، بعض الافراد ربما يشعرون انهم يحتاجون الى عمل تكتيكات غير نزيهة للتقدم الى الامام. هذا يتضمن الكذب والغش وتصرفات اخرى غير أخلاقية. هذا السلوك يحطم الثقة ويضعف سلامة المنافسة بما يقود الى انهيار في القيم والمعايير الاجتماعية.

5- الخوف من الفشل:

اخيرا، المنافسة يمكن ان تخلق خوفا من الفشل والذي من شأنه ان يمنع الابتكارية والابداع. عندما يتنافس الافراد باستمرار ضد بعضهم، هم يصبحون خائفين من اخذ زمام المبادرة او محاولة تبنّي اشياء جديدة خوفا من الفشل. هذا الخوف يمكن ان يخنق الابتكارية ويمنع الافراد من تطوير حلول وافكار جديدة.

المنافسة الإيجابية

وتحدث عندما نتنافس صحيا – بطريقة تجلب أفضل شيء لنا ولكل المشاركين في العمل. انها طريقة لتحدّي الذات والاخرين . انها تسمح للمرء بالاستفادة من امكاناته وتحقيق النجاح.

عندما نتنافس بهذه الطريقة الايجابية، نحن لا نشجع او نصبح مهوسين بالربح مهما كانت التكاليف. نحن ندرك اننا لسنا "جيدين" او "سيئين" وان النتيجة لا تقرر قيمتنا كبشر. بالطبع، نحن ربما نربح او نخسر المنافسة، وهناك أوقات عندما يصبح للمحصلة تأثيرا هاما . المنافسة الايجابية هي حول النمو، المثابرة، ونقل أنفسنا وفريقنا لمستوى اكثر تقدما.

عندما نتنافس ايجابيا، ذلك يفيدنا ويفيد كل شخص آخر مشارك. هنا بعض فوائد المنافسة الايجابية:

1- انها تشعل الابتكارية

2- تحفز الآخرين

3- تزيد الجهد

4- تحسّن الانتاجية

5- تساعد الناس في تقييم قوتهم وضعفهم

6- تحسّن نوعية العمل

7- تجعل الافراد يقظين

لمعرفة مدى تأثير المنافسة على أخلاقية العاملين، قامت مجلة The conversation (عدد حزيران 5،2023) بإجراء اختبار ساهم به عدد من علماء السلوك وشارك به اكثر من 18 الف شخص نُشرت نتائجه في وقائع الاكاديمية الوطنية للعلوم، حيث تبيّن ان التفاعلات التنافسية تميل لتجعل الناس أقل أخلاقية ولكن بدرجة قليلة. باختصار، بينما يمكن للمنافسة ان تحفزنا للكفاح نحو النجاح، هي يمكن ايضا ان تكون لها عدة نتائج سلبية. من الضروري خلق توازن بين المنافسة والتعاون لخلق بيئة صحية ومنتجة يزدهر في ظلها الافراد، وفي نهاية اليوم يجب ان نتذكر ان الحياة ليست منافسة.

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم