أقلام فكرية

غزلان زينون: كرونولوجية المغالطات بين سلطة وتلاعب

عرفت البلاغة الغربية أوج ازدهارها مع أرسطو ومعلمه أفلاطون، ثم شيشرون وكنتنليان، وقبل أن ينطفئ نورها جاء شاييم بيرلمان وزميلته البلجيكية لوسي أولبريخت تيتيكاه فأعادا لها بريقها من خلال المؤلف الشهير" المصنف في البرهان: البلاغة الجديدة"، وتبلورت هذه البلاغة مع ستيفان أولمان في كتاب "استعمالات الدليل والحجة"، وأيضا شارل هاميلان في كتابه" الأوهام"، فقامت بلاغة هؤلاء على استعمال آليات وتقنيات بلاغية لغوية ومنطقية، واعتنوا بالاستراتيجيات التي يستعملها المتكلم من أجل إقناع السامع، وبالتالي ارتبطت بلاغتهم بالحجاج المرتبط بالإفهام والإقناع القائم إما على الصدق أو المغالطة. لذلك احتل مبحث المغالطات الحجاجية مرتبة متقدمة في البحث الحجاجي المعاصر، وشكل تطوّرا طبيعيا للدراسات اللسانية، التي عُنيت بالتواصل الإنساني، وبالأساليب التي تعتمدها أطراف التواصل من أجل التأثير في الغير أو الاستحواذ عليه وتطويعه، ومنه ارتأينا تقصي حيثيات ومسار تشكل هذا النوع من الحجاج في الفكر الغربي القديم فالحديث ثم المغربي كنموذج. فلم تكن دراسة المغالطات والاهتمام بها أمرا جديدا في الدرس البلاغي، بل هي مسائل قديمة قدم علم المنطق الذي أينع نتيجة ظاهرة السفسطة التي عرفها المجتمع الأثيني، فلقد كان مهدها الفكر اليوناني.

الحجاج المغالط في المنجز اليوناني

إن تفطن الإنسان لما في المغالطة الحجاجية من قوة وقدرة على التأثير بغض النظر عن كونها تعبر عن الحقيقة أم لا، هو الذي دفع بعض الفلاسفة إلى احترافها وتوظيفها من أجل الغلبة والتكسب بتعليمها للناس.

وقد ارتبطت المغالطة في الفكر اليوناني بالتيار السفسطائي، حيث كان أنصاره" يفاخرون بتأييد القول الواحد ونقضيه على السواء، وبإيراد الحجج الخلابة في مختلف المسائل و المواقف ومن كانت هذه غايته فهو لا يبحث عن الحقيقة، بل عن وسائل الإقناع والتأثير الخطابي"[1]، وأبرز زعمائه نجد: بروتاغوراس الإبديري Protagoras of Abdera  وغورغياس الصقلي Gorgias of Siceliot وبروديكوس دو سيوس Prodicos de ceos ، فقد أعطى هؤلاء وآخرون من حاملي هذا التوجه الفكري مشروعيته لاستعمال الحيل الخطابية، ومنه صارت السفسطة في بعض الممارسات الخطابية استدراجا للسامع وفنا يسمح بإظهار الأقل ضعفا، ولقد راهن السفسطائيون على عالم يتعلق باللغة هو عالم مخلوق ومحتوى في الكلام الإنساني فقط،[2] وهذا في حد ذاته تعبير عن وعي عميق بدور اللغة وأهميتها، بل وخطورتها كسلاح لا يختلف في شيء عن باقي الأسلحة المادية التي يستخدمها الإنسان للحفاظ على وجوده والدفاع عن كينونته أو لقضاء مأربه وحوائجه.

في ظل انتشار هذه الحركة الفكرية في اليونان القديمة خلال القرن الخامس قبل الميلاد ظهر مجموعة من الفلاسفة حملوا مشعل التصدي للألاعيب القولية التي اعتمدها السفسطائيون من بينهم أفلاطون أب منطق المغالطات من خلال مجموع محوراته التي حملت أسماء أعلام سوفسطائيين مثل: هبياس الصغير، وهبياس الكبير، وبروتاجوراس، وجورجياس و السفسطائي... من بين آخرين، وتتضمن نقدا لآرائهم، وهجوما على دورهم الهدّام في الفكر اليوناني،[3] فقد بدأ معه الانفصال بين الخطابة والسفسطة لتستقل الأخيرة بذاتها حاملة معها كل النعوت القدحية، بل وأصبحت كل ممارسة فكرية أو كلامية لا تتقيد بضوابط المعقولية والواقعية، وتوصف بكونها سفسطة،[4] وسار أرسطو أيضا على نفس المنوال متسلحا بالمنطق العقلي محاولا نقد المنهج السفسطائي في الجدل في كتابه الطوبيقاأو الجدل،[5] وإحصاء مغالطات هذا التيار وتصنيفها في كتابه السوفسطيقا أو الأغاليط، وأشهر أبوابه: القياس والمغالطة، أنواع الحجج في المناقشة، الأغراض الخمسة للحجاج السفسطائي، التبكيت في القول، التبكيتات التي خارج القول، رد الأغاليط إلى تجاهل الرد، أسباب الأغاليط، المبكتات السوفسطائية في المادة، استحالة معرفة كل التضليلات...إلخ،:[6] وعمل على تخليص عملية الإقناع من الحجاج المغالطي من خلال نظريته في بلاغة الحجاج عبر حصر كل أشكال التبكيتات السفسطائية، فحدد من جهة اللفظ ستة أصناف، هي:[7]

اشتراك اللفظ المفرد: حيث يعمد السفسطائي إلى التضليل من خلال استعمال اللفظ الواحد الذي قد يدل على أكثر من معنى. مثل قولك إنما العلماء بالنحو يعلمون، وإن الذي أطلقت ألسنتهم منذ قريب يعلمون، فالتعليم اسم مشترك يقع على الذي يتفهم هو ونفسه ويستنبط، وعلى الذي يستفيد ويتعلم من غيره، فأما فهمه والمعرفة به فذاك هو استعمال العلم ومعرفته، وحسب ابن رشد المتعلم عالم، لأن المتعلم يعلم، والذي يعلم عالم، فالمتعلم عالم".

اشتراك اللفظ المؤلف: ويتفرع إلى: ما كان من قبل التقديم والتأخير (ضرب موسى عيسى)، وما كان راجعا إلى احتمال الضمير أكثر من معنى (قال خالد لعلي أنه ذكي)، وما كان راجعا إلى التباس الإضافة (كتاب الطالب الجديد)

إفراد القول المركب: يتعلق الأمر بإفراد القول أو إسناده، فمثل قولك: سقراط عالم بالطب، فسقراط إذن عالم، وذلك أنه قد يصدق على سقراط أنه عالم بالطب، وليس يصدق عليه أنه عالم بإطلاق... لأنه ليس يلزم إذا صدق القول المركب على شيء أن تصدق أجزاؤه مفردة على ذلك الشيء

القسمة: كأن يعمد المغالطي إلى استلزام صدق المركب بناء على صدق أفراده، مثال: قول القائل: (أنت عبد، أنت لي، فأنت عبد لي) ومن الحوارات الطريفة ما جاء في كتاب الأذكياء ما روي عن ابن قتيبة أنه قال:" كان أبو العاج على حوالي البصرة فأتى برجل من النصارى فقال: ما اسمك؟ فقال: بندار شهر بندار، فقال: أنتم ثلاثة وجزية واحدة، لا والله العظيم فأخذ منه ثلاث جزى". فقد فرض الوالي على النصراني ثلاث جزى لأن اسمه مركب من ثلاث مفردات في اسمه؛ أي قسّم الكل إلى أجزاء وأعطى لكل جزء خصائص الكل.[8]

الإعجام: ويتعلق بخصائص مميزة للغة المنطوقة أو المكتوبة، كالأداء الصوتي أو إهمال الإعراب وتبديل اللفظ وإعجامه، يكون غالبا فيم يكتب وفي الشعر خاصة.

شكل الألفاظ: وفيه يتم التلاعب بصيغ اللفظ، مثل: أرهبَ الناسُ معاذَ، أرهبَ الناسَ معاذُ، أرهبُ الناسِ معاذُ، أرهِبِ الناسَ معاذُ.

يمكن ردّ هذه التصنيفات إلى خمسة أغراض هي:[9] (الإبطال والغلط ومخالفة الرأي المشهور والاستعجام وإيقاع الخصم في الهذر المحض، ترد بدورها إلى ثلاث آليات عامة هي:[10]

التغليط بالأقوال اللغوية: كثيرا ما يراهن المغالط في بناء استراتيجيته التضليلية على اللغة وخصائصها التركيبية والدلالية والتداولية، إضافة إلى بعض الظواهر البلاغية، ويمكن للمغالطة أن تكون باللفظ؛ وذلك متى لم يطابق القول المعنى بشكل يجعل دلالة اللفظ مشتركة فيلتبس الأمر على المتلقي ويسهل تغليطه، ويمكن أن يكون من جهة المعنى؛ فالمضامين التي يلجـأ إليها المغالط قد تكون غير مضللة في ذاتها، لكنه يعدُّها بطريقة يسمح باستخدامها لهذا الغرض، فالمغالطة في أصلها خروج اللفظ إلى معاني متعددة، فيفهم السامع معنى ويقصد المتكلم أخر.

التغليط خارج – لغوية: معناه استخدام كل الظروف المتاحة للإيقاع بالخصم، بحيث يلجأ المغالط إلى الكذب والمداهنة والمدح والاستعطاف والتهديد والوعيد...، وبالتالي إلى أساليب السلطة والتهكم على الخصم، لأن دغدغة عواطف الجمهور ورغباته حسب أفلاطون أشد إقناعا من أي احتكام للعقل، وذلك من خلال إرباكه والضغط عليه لتعطيل عملية التفكير عنده وتشتيت انتباهه.

التغليط العائد إلى سبل التدليل: أي إيهام المحاور باستخدام قياسات صحيحة بينما هي مضللات، فيصوغ المغالط أقواله بشكل منطقي، لكنه يظهر فيها الفاسد صحيحا والكاذب صادقا، ويدفع بخصمه بعيدا عن قصده فيضمر أكثر مما يظهر، أو يبني القياس على مقدمات توهم بالصحة أو يخادع في ترتيبها على نحو يؤدي إلى تعميم الأحكام أو اختزالها دون أن يكون الأمر في الإمكان.

ومنه يكون التغليط خروجا عن الشكل الصحيح للقياس، وبالتالي نكون أمام استراتيجيات خطابية تعتمد الإيهام والمناورة وتستعمل استدلالا سليما في الظاهر لكنه في باطنه يقوم على خلل في البناء المنطقي.

الحجاج المغالط في الفكر الغربي الحديث والمعاصر

بعد إسهامات أفلاطون وأرسطو بقرون حذا حذوهما الكثير من الفلاسفة أمثال جون لوك، واتلي، شوبنهاور، جون ستيوارت مل، جريمي بنتام، واستمر مبحث المغالطات يثير اهتمام الكثير من المناطقة حتى اليوم، غير أن هذا الاهتمام بدأ ينحسر مع تطور المنطق غير الصوري وارتياده آفاقا جديدة من البحث، وقد ذهب بعض المناطقة خاصة من تأثر منهم بنظرية التواصل ، إلى أن دراسة المغالطات ليست بديلا عن دراسة مبادئ الاستدلال الصحيح، فمادامت المغالطات هي انحراف عن القواعد الضمنية التي تحكم شتى أصناف التداول الحواري فإن الأجدر التركيز على دراسة هذه القواعد عوض دراسة الانحرافات،[11] كما ساهم العديد من الباحثين في الفكر الغربي الحديث في الكشف عن عوائق المسار الحجاجي أمثال فرانسيس بيكون والذي قسم الأوهام المغلطة إلى أربعة أقسام:[12]

أوهام القبيلة: وهي مشتركة بين جميع الأفراد، كالميل إلى التعميم مع تجاهل الحالات الخاصة.

أوهام الكهف: وهي فردية سببها أن كل إنسان ينظر إلى العالم من كهفه الخاص، فيحكم وفق هواه.

أوهام السوق: وترتبط باللغة اليومية المشتركة التي تتحكم فيها الحاجات اليومية النفعية.

أوهام المسرح: وهي الأخطاء المعرفية المتولدة من المعتقدات الفلسفية الموروثة ومن المبادئ المغلوطة.

ارتبطت عودة الباحثين المعاصرين في قضايا الحجاج والخطابة بالبلاغة القديمة، فحاولوا استخراج ما تزخر به كتب القدماء من درر، وإعادة صياغتها بشكل تصير معه قابلة للإسهام في تطوير الممارسة الحوارية المعاصرة، وتجنبها السقوط في مظاهر العبث والمشاغبة السفسطائية التي تضر بالعلم وتفسد العمل، وللوقوف على كل هذا يمكن الرجوع إلى الكتاب الشهير لهامبلين Hamblin المعنون بالسفسطات Fallacies، وأيضا الوصف الدقيق الذي قام به كل من فان إيمرن Van Emren وروب خروتندورست Rob Grootendost الهولنديين في مقالهما" السفسطات من منظور تداولي جدلي"، وأبحاث دوغلاس والتون في مجموعة من كتبه ومقالاته، من بين آخرين أسهموا في إعادة إحياء درس المغالطة القديم في إطار المتطلبات النظرية والعملية المعاصرة.[13]

عموما، يمكن القول إن الدراسات الحديثة والمعاصرة بقدر ما أفادت من الإسهام التراثي في هذا الباب بقدر ما كانت حريصة على تجديده وتطويره بالوجه الذي يصير معه قابلا للانخراط في السياق العلمي والعملي المعاصر، وأهم مظاهر هذا الجهد التجديدي نجد التطوير الدقيق لمفهوم المغالطة نفسه، بحيث لم تعد تشير إلى تلك الممارسات الفكرية المنحرفة، بل أصبحت تدل على صفة تكوينية في أي فاعلية فكرية

الحجاج المغالط في النقد المغربي (محمد العمري نموذجا)

إن اهتمام محمد العمري بنقد الخطاب المغالط إنما جاء من فكرة أن التنظير لبلاغة خطابية عربية حديثة لن يتأتى دون الرجوع إلى التاريخ ومحاورته، ثم تطبيقه على الواقع، فقد عمل على استثمار مفاهيم الحجاج المغالط في تحليل مختلف الخطابات التراثية وأيضا المعاصرة، حيث سعى من خلالها للكشف عن الآليات المغالطة ، ومواضع التمويه والتضليل كما في مصنف البخلاء للجاحظ، حيث وظف الجاحظ القدرات الإقناعية في تعليل سلوكات البخلاء غير المألوفة، ورغم مستواهم الحجاجي إلا أنهم يقعون تحت سطوة الهوى، ويشكل هذا حسب العمري "مصدر الالتباس بالنسبة لبعض القراء الذين ينظرون إلى سعة معرفة البخيل وتنوع مصادر احتجاجه، وصواب أفكاره الجزئية في ذاتها"[14]

اعتمد العمري في تحليله للخطاب التراثي على العديد من آليات المغالطة، على سبيل المثال نذكر:[15]

الاحتكام إلى حجة السلطة: ففي بخلاء الجاحظ مثلا وجد العمري أنهم عمدوا إلى الاستعانة بهذه المغالطة لستر إفراط شحهم، واستدراج المتلقي ومحاولة إقناعه بدعواهم، وهو ما نجده عند الجاحظ مثلا عندما يتلاعب بالإسناد أو يحاكيه محاكاة ساخرة من قبيل : "زعم الناس[16] "، "سمعت شيخا من مشايخ الأَبُلَّة"[17] " وأنت رجل قد طعنت في السن، ولم تزل تشكو من الفالج طرفا، ومازال الغليل يسرع إليك، وأنت في الأصل لست بصاحب عشاء[18] ..، والمتتبع لمدونة البخلاء سيشتشف كثرة توظيف الآيات القرآنية ونماذج من الشعر العربي، وذلك لحمل المخاطَب مضطرا ليصل علمه بعلم الأكبر سلطة منه.

وأكد العمري على أن هذا النوع أيضا موجود في خطابات تراثية أخرى كخطبة الحجاج وما تحمله من عنف لفظي باعتباره وسيلة لدفع المتلقي لقبول عدوى المخاطِب، يقول الحجاج:" فإنكم كأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، فكفرت لأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون"[19] فقد اعتمد الحجاج في هذا المقطع تمثيلا تضليليا يوهم المتلقي بحجيته.

القياس الفاسد: يقول الحجاج في خطبة له:" ألا إن الزبير كان من أحبار هذه الأمة حتى رغب في الخلافة ونازع فيها وخلع طاعة الله واستكن بحرم الله، ولو كان شيئا مانعا للعصاة لمنع أدم حرمة الجنة، لأن الله تعالى خلقه بيديه وأسجد له ملائكته، وأباحه جنته، فلما عصاه أخرجه منها بخطيئته، وآدم على الله أكرم من ابن الزبير، والجنة أعظم حرمة من الكعبة"، في هذا المقطع الحجاجي إيهام بالتشابه بمشروعية إخراج آدم من الجنة ومشروعية قتل ابن الزبير.

فساد التعليل: جاء في كتاب البخلاء للجاحظ قول أبا عبد الرحمان:" أي بني، لمّ صار الضبّ أطول عمرا إلا لأنه يعيش بالنسيم" فالمحاج هنا يوهم المحاور بأن طول العمر سببه العيش بالنسيم، فالبخيل أخفق في توجيه الحجة لأنه بنى المسار الحجاجي على تعليل فاسد.

لم يقتصر محمد العمري على تحليل النصوص التراثية في مسار بحثه في الحجاج المغالط، بل أيضا نظر في الخطابات المعاصرة الشيء الذي أثمر مجموعة من الدراسات من قبيل: دائرة الحوار ومزالق العنف، منطق رجال المخزن وأوهام الأصوليين، عوائق الحوار مع الأصوليين، لكن ما عُرف عن العمري في هذا المجال هو عنايته بالخطاب السياسي، وما يكتنفه من حجاج مغالطي خاصة التاريخي والمعرفي والسعي وراء التحليل الموضوعي في قراءة هذا النوع من الخطابات المعاصرة،[20] لأن هذا النوع من الخطابات يهدف قبل كل شيء إلى" تحقيق منفعة آنية دونما مراعاة لتشويه التاريخ والعلم والقفز على حقائقهما"[21]

وفي ظل الفوضى الفكرية وما كثر من فتاوى وشائعات وأكاذيب وبرامج موجهة... باعتبارها من معالم الزحف التكنولوجي والعولمي، فإن واقع العصر يلزمنا معاودة طرح قضايا المغالطات على محك التحليل والمراجعة لما لها من تأثير على عواطف المستمع وأحاسيسه إن لم نقل الموجه للتكوين السيكولوجي لأطراف الخطاب، يقول أفلاطون في محاورة جورجياس:[22]

" في جدالٍ حول الغذاء يدور أمام جمهورٍ من الأطفال فإنَّ الحلواني كفيلٌ بأن يهزم الطبيب، وفي جدالٍ أمام جمهورٍ من الكبار فإن سياسيٍّا تَسَلَّح بالقدرة الخطابية وحِيَلِ الإقناع كفيلٌ بأن يَهزمَ أيَّ مهندسٍ أو عسكري، حتى لو كان موضوعُ الجدال هو من تخصص هذين الأخيرين، وليكن تشييد الحصون أو الثغور! إن دغدغة عواطف الجمهور ورغباته لَأشَدُّ إقناعًا من أي احتكامٍ إلى العقل"

استنتاجات:

الحجاج المغالطي قديم قدم الدراسات البلاغية الغربية، وجذوره ضاربة في التاريخ.

اللجوء للحيل الخطابية والألاعيب القولية لتحقيق المصالح الشخصية، أمور توجه البحث في الأخطاء المنطقية والاستدلالية في عمليات الحوار.

البلاغة الجديدة مع برلمان حلقة وصل بين التراث اليوناني والتراث العربي.

الدور الفعال للمغاربة، محمد العمري نموذجا، في تجديد المشروع البلاغي ليلائم التراث العربي.

اعتماد محمد العمري على الحجاج المغالط في قراءة التراث نابع عن وعيه العميق بالعلاقة التي تربط بين المكون التداولي والبلاغة.

***

غزلان زينون

...................

المراجع

يوسف كرم (1936) تاريخ الفلسفة اليونانية، لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة، د.ط.

فيليب بروتون وجيل غوتييه (2011) تاريخ نظريات الحجاج، ترجمة محمد صالح الغامدي، مركز النشر العلمي، جامعة الملك عبد العزيز، ط1.

مصطفى عادل (2019) شيء من المنطق، المغالطات المنطقية، رؤية للنشر والتوزيع، الطبعة 15.

رشيد الراضي (2008) السفسطات في المنطقيات المعاصرة التوجه التداولي الجدلي، مجلة عالم الفكر، العدد 4، المجلد 36

عبد الرحمان بدوي 1980، منطق أرسطو، وكالة المطبوعات، الكويت، دار القلم، بيروت، ط1، ج3

هيفاء بو بكر جدة (2025) معنى المغالطة ومضاربه التداولية: الخطاب الفلسفي الأرسطي نموذجا، مجلة سيميائيات، المجلد 20، العدد 1، انظر أيضا: رشيد الراضي (2010) الحجاج والمغالطة من الحوار في العقل الى العقل في الحوار، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط 1

نبيلة بوقرة (2017) استراتيجية المغالطة في حوارات الأذكياء، نماذج من كتاب الأذكياء لابن الجوزي، مجلة سياقات اللغة والدراسات البينية، المجلد 2، العدد 5،

الراضي رشيد، (2010) الحجاج والمغالطة، من الحوار في العقل إلى العقل في الحوار، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى.

غالم عبد الصمد (2020) الحجاج المغالط في النقد المغاربي المعاصر: محمد العمري نموذجا، مجلة (لغة- كلام) المجلد 6، العدد3،

الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر (ت. 255 ه) البخلاء، فضاء الفن والثقافة للنشر والتوزيع.

طيلون هاني علي سليم، المغالطة في القياس المنطقي عند الإمام الغزالي، مجلة قطاع أصول الدين، العدد 19.

[1]   يوسف كرم (1936) ص 58

[2]  فيليب بروتون وجيل غوتييه (2011) ص 24

[3] المغالطة في القياس المنطقي عند الإمام الغزالي ص 1076 مجلة قطاع أصول الدين العدد 19طيلون هاني علي سليم

[4]  الراضي رشيد (2008) ص 135

[5] المغالطة في القياس المنطقي ص 1078

[6]  بدوي عبد الرحمان (1980) ص 773 وما بعدها

[7]  بو بكر جدة هيفاء (2025) ص 43

[8] بوقرة نبيلة (2017) ص 198

[9] نفسه، ص 195

[10] نفسه

[11] عادل مصطفى (2019) ص 18

[12] يوسف كرم (1936) ص 47

[13] الراضي رشيد (2010) ص15-16

[14] غالم عبد الصمد (2020) ص 409

[15] نفسه، ص 410

[16] الجاحظ، البخلاء، ص 170

[17] نفسه، ص 113

[18] نفسه، ص 111

[19] غالم عبد الصمد (2020) ص 10

[20] نفسه، ص 412

[21] نفسه، ص 413

[22] مصطفى عادل (2019) ص 15

 

في المثقف اليوم