أقلام حرة

اللعبة السياسية والتنافس الانتخابي

في البداية لابد لنا أن نعترف بأن مرحلة التخندق لازالت قائمة مع محاولة الهروب منها بالابتعاد عن الخطاب الطائفي، ولابد أيضا أن نقر أن الوطن لازال يحاول أن يستوعب الواقع الجديد المتمثل بالديمقراطية الحديثة ومصطلح الحكومة الفدرالية وإقليم الشمال والمطالبة بإقليم الجنوب وإقليم البصرة.

ولابد لنا أيضا أن نكون أكثر صراحة حينما نتحدث عن الدولة والحكومة والمجلس التشريعي (البرلمان) فقد كانت السنوات الأربع الماضية في تاريخ العراق السياسي الحديث عبارة عن سفينة يقودها أكثر من ربان، بل ويستهتر بها الإعلام المبرقع بلباس الحرية، لينال من كل شيء عراقي سواء كان هذا الشيء جميلا واقعيا أو سخيفا غير منطقي.

لذا نحن نعتقد أن المرحلة السابقة كانت عبارة عن فرض الإرادات واغتصاب المناصب وتجميع الأموال وبناء الوضع المالي للأحزاب وبناء الشخصيات على حساب معانات الشعب والوطن.

وأيضا لم نرى من الإعلام العراقي المؤيد والمعارض خطابا وطنيا بعيدا عن التطرف والتخندق لأنه يشكل السلطة التي تبني الديمقراطية، فكان الإعلام يحاول أن يقول أنا موجود، ولكن المتفحص والمتابع يجد أن إعلامنا عبارة عن ببغاء يردد ما يقوله الآخرون.

قد يقول قائل أن الحديث عن تخفيف حده التنافس غير واقعي لأن الحملة الانتخابية اليوم في أوجها، لكننا حينما نعود إلى الائتلافات ونقرأ سطورها نجد أن الحملة عبارة عن واقع حال بمعنى تحصيل حاصل للديكور الذي فرضه الواقع وشجعت عليه الأحزاب القوية.

ففي الواقع أن الناخب العراقي لم يجد تغييرا واقعيا في الائتلافات الحالية اللهم إلا باستثناء قوة حقيقية شعبية كانت قد ظهرت أيام تطهير البلد من الإرهاب والفوضى، وتلك القوة في غالبيتها عشائرية ليس لها أيدلوجية أو أي طرح سياسي سوى حبها للوطن والعراق الواحد وعدم السماح للأجنبي التلاعب بالشخصية العراقية.

لذلك تسابقت الكيانات والأحزاب لضم تلك القوة لها، وانتهى الموضوع بنفس الديكور القديم.

فالناخب العراقي اليوم سيضطر للتصويت لهم، لأيمانه بالديمقراطية والتغيير وأيضا لعدم بروز قوة يثق فيها قادرة على تغيير المعادلة، من هذا التصور فأن تخفيف حده التنافس واقعية وضرورية لكي لا تنجرف الأحزاب والكتل السياسية بالإسراف للدعاية الانتخابية وعلى حساب أموال الشعب العراقي مرة أخرى.

 لذلك نحن نعتقد أن الكيانات الرئيسية (الشيعية، السنية، الكردية) ستفوز مرة أخرى، ولن نشهد تغييرا جذريا في قناعة الناخب، سوى ظهور بعض الشخصيات التي سوف تكون فاعلة في أدائها للفترة التشريعية القادمة، لأننا نعتقد أن التخوف لازال قائما بينهم ولم تكن هناك ثقة بين هذه المكونات.

نعم قد يختلف شكل الحكومة القادمة عن هذه الحكومة إذا استطاع الناخب أن يحيد بعض الشخصيات القذرة التي لعبت على فن الاختلاف وتحفيز الاحتقان، من خلال طمس أسمائهم في الذاكرة السياسية والى الأبد.

لكننا أيضا نرى أن تشكيل الحكومة سيمر عبر تجاذبات واختلافات وارها صات واحتقانات بين هذه الكتل وسوف تطرح مسألة المشاركة في القرار السياسي لجميع المكونات، ولن يكون حالة الحكومة الجديدة بأفضل من سابقتها.

ولكن أيضا هناك بصيص أمل في هذا النفق المظلم، لان هناك قوة تدرك ما معنى أن يبقى الوضع على ما هو عليه؟ وتدرك أيضا أن إبقاء الحكومة مرهون في قرارات الكتل، معناه ضياع للجهد والوقت واستمرار لاستنزاف الطاقات والجهد.

لذلك سوف تعمل هذه القوة على تشكيل جبهة موحدة للاستمرار في بناء الدولة وتحفيز عامل المصلحة الوطنية.

ونحن بدورنا نطالب من الكتل التي تعتقد أنها سوف تكون الفائزة في هذه الجولة أن تتحرك في حركة فاعلة لصناعة إستراتيجية موحدة لإدارة البلد داخليا وخارجيا. وان لا تلتفت للهوامش الثانوية التي تعطل الحركة الواقعية في بناء البلد وأيضا لبناء الثقة فيما بينهم.

بمعنى:-

أن يضعوا الأمور الخلافية جانبا في هذه السنوات القادمة، وان يلتفتوا لبناء السياسة الداخلية والخارجية وان يكون الهدف واحد والتصريح واحد وان لا تخدعهم ماكينة الإعلام وتحفز بينهم الشعور الفئوي أو الطائفي أو العنصري لأن بناء الوطن اليوم هو الأهم والقضايا الخلافية ممكن الحوار فيها ومناقشتها حال استقرار الوطن.

وأيضا نحن نعلم إن الإخوة في كردستان يخافون من قوة المركز أي الحكومة المركزية، وهذا التخوف لم يأتي من فراغ وإنما جاء من خلال تجربتهم مع الحكومات السابقة التي حكمت العراق لذلك نتمنى على الإخوة العرب من السنة والشيعة أن يتوحدوا في كلمة تطمأن الإخوة الكرد لكي نجتاز مرحلة التخوف والانجراف نحوا القضايا الفرعية التي تضيع المجهود وتستحضر الأزمات بين الإخوة، وبالتالي الخاسر الوحيد هو الشعب العراقي.

وأيضا نطالب الإخوة الكرد أن يندمجوا في عراقيتهم ويعملوا على بناء هذا الوطن لا أن يعملوا لكردستان وحدها وكأنها بلد يحاول الانسلاخ من البلد إلام وبالتالي هم لا يهتمون للعراق إلا بمقدار استشعارهم  بالخطر.

إننا نحاول أن نكون أكثر واقعية في تصورنا للمرحلة القادمة، لأننا نعتقد أن التناحر والتجاذب الغير منتج معناه ضياع لأربع سنوات أخرى، إي استمرار لمعانات الشعب العراقي، وهذا ما لا يتمناه أي عراقي محب لأرضه وشعبه.

 

سلمان السلمان

أمريكا

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1333 الثلاثاء 02/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم