أقلام حرة

انتفاضة البصرة (17 /3 /1999).. الثوابت الاخلاقية والجانب المقابل

 أيام تم فيها زعزعة الركائز الأمنية التي ثبتتها أجهزة النظام البائد عبر استخدام كل أنواع الإرهاب بحق أبناء الشعب عموما وبحق أتباع السيد الشهيد محمد الصدر خصوصا . اندلعت الانتفاضة بعد اغتيال السيد الصدر وولديه بأقل من شهر وجاءت ردا على تلك الجريمة التي ارتكبتها حكومة البعث الظالمة . وبما انه كان يمثل القائد والأب الروحي للملايين من العراقيين والأمل الواقعي للتخلص من الحكم الظالم فقد هب المئآت من الشباب للثأر من قاتلي قائدهم وللاثبات لأجهزة النظام بأن السيد الشهيد الصدر قد بعث الروح من جديد في الشجاعة والقوة التي كانت مكبلة بقيود الرعب والخوف من بطش وقسوة الأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة آنذاك . قبل ان ينطلقوا لبدء عمليات الانتفاضة تواصى الشباب المنتفضون وقادتهم وتعاهدوا على ان تكون انتفاضتهم نظيفة وراقية لاتعدٍ فيها على أي جانب اخلاقي , وكانت من ضمن ثوابتهم وتوصياتهم: أولا: عدم التعرض لأي بريء سواء كان بعثيا أم لا . وعدم التعرض لمن يبقى في بيته ويرمي سلاحه من البعثيين وغيرهم . ثانيا: عدم الاستيلاء على أثاث الدوار الحكومية وغيرها وعدم السماح لأي شخص بكسر أبواب تلك الدوائر أو أخذ شيء منها . ثالثا: عدم الهجوم على المساكن التي تضم بعثيين وذلك لتجنب ترويع العوائل البريئة . رابعا: عدم السماح لأي شخص بكسر أقفال المتاجر والأسواق والبيوت المغلقة . خامسا: عدم اطلاق النار على أية منطقة سكنية تطلق منها النار باتجاه الشباب المنتفضين وذلك لكي لايصاب أي بريء . سادسا: استخدام كل السبل السلمية الممكنة بما فيها الاحتيال للسيطرة على الدوائر الأمنية والبعثية والأسلحة الموجودة فيها , ولايجوز اطلاق النار الا عند الضرورة وعند الرد على هجوم الجانب المقابل فقط . هذا بالاضافة الى ثوابت دينية واخلاقية أخرى التزم بها الشباب الثوار عند قيامهم بالانتفاضة مما جعلها انتفاضة واعية ملتزمة أهدافها محددة بحيث لم يجهز فيها على جريح أو أعزل ولم تكسر أبواب أية دائرة حكومية ولم يسرق فيها أي متجر أو بيت ولم تطلق النار فيها على أي من الأحياء السكنية بالرغم من اطلاق البعثيين للنار على الثوار من تلك الأحياء . وهذه الميزات الفريدة السامية جعلت من انتفاضة البصرة في السابع عشر من آذار مثالا رائعا وراقيا للثورة النظيفة الملتزمة , وهذا مالم يحدث في أي من الثورات والانتفاضات في أغلب أرجاء العالم . أما الجانب المقابل (السلطة البعثية) فقد ارتكب بحق أبناء الانتفاضة وعوائلهم أبشع الجرائم التي تعددت وتنوعت بشكل لم يسبق له مثيل لتشكل تلك الحالة النقيض التام للسمة الاخلاقية التي اتسمت بها الانتفاضة ومن قام بها من أبناء البصرة الشرفاء الشجعان . وقد تمثل هذا النقيض بما يلي : أولا : نهب وسلب جميع ممتلكات العوائل التي شارك أبناؤها في الانتفاضة من أثاث وسيارات وأموال وكل شيء ثانيا : حرق الدور بالنار , في حادثة أبكت أبناء البصرة وأدمت قلوبهم لأنه قبل ان تلقى الدور في النار كان يسكنها أناس اتسموا القيم والأخلاق النبيلة وبالصدق والتدين والطيبة . ثالثا : تهديم الدور ومساواتها بالرض بعد ان كانت عامرة بأهلها الذين تشردوا او اعتقلوا او اعدموا . ومصادرتها بعد ذلك . وفي حادثة معروفة في البصرة ناقضت كل القيم الانسانية والاخلاقية فقد حاول بعض البعثيين التحرش بفتى وسم وعند مقاومته لهم سلب سلاح احدهم وأطلق النار عليه فقاموا بقتله فورا والتوجه الى بيته فاعتقلوا عائلته وهدموا البيت بذريعة اشتراكه في الانتفاضة وذلك ليغطوا على جريمتهم النكراء . رابعا : اعتقال المئآت من افراد العوائل من نساء وأطفال وشيوخ وزجهم في سجون ضيقة ومزدحمة وعدم توفير أبسط مقومات الحياة لهم إضافة الى التعذيب الجسدي والنفسي المستمر الذي كان يمارس ضدهم . خامسا : اعدام المئات من الشباب الذين شاركوا في الانتفاضة أو الذين شك البعثيون في مشاركتهم . ودفنهم في مقابر جماعية بالصحراء وعدم إشعار ذويهم بأي خبر عنهم . هذه كانت بعض السمات الاخلاقية والانسانية لأبناء الانتفاضة وماناقضها لدى الجانب الآخر الذي اتصف بالوحشية والدموية وانتهاك كل الحقوق والثوابت الاخلاقية والانسانية .

 

عبدالكريم خليفة جابر

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1350 السبت 20/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم