أقلام حرة
يوم السجين العراقي / عبد الكريم خليفة
سجناء الأمر بالمعروف والخير ومحاربة الظلم .. سجناء كلمة الحق امام الحكام الظلمة. لم يكتف الحكام آنذاك بسجنه لعام و لعامين، ولم يقتنعوا بسجنه في مكان واحد، وكذلك غيروا السجانين عدة مرات. ويمكن استقراء اسباب ذلك بأنه لم يبد أي شكوى أو انزعاج، ولم يبدر منه أي توسل أو تنازل لهم، كما ان الكثير من العاملين بالسجون التي كان فيها قد تأثروا بأخلاقه العالية وشخصيته الفريدة المؤثرة وصبره وتقواه وتدينه . وقصص الإمام الكاظم في السجن كثيرة ولعل أكثرها تأثيرا عندما سأله احد أصحابه عن الفرج فرد عليه الإمام بأن الفرج يوم الجمعة على الجسر، وعندما فرح ذلك الرجل وأخبر الناس بذلك فوجئوا بأنه في يوم الجمعة جاء جنود السلطة بجنازة الإمام ووضعوها على الجسر ببغداد. هكذا هو الفرج بالنسبة للإمام عليه السلام وهو رفقة رسول الله وأهل بيته والأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وقد اعتبر الإمام موسى الكاظم رمزا للسجناء في العراق واختير يوم استشهاده يوما للسجين العراقي. والمعروف ان العراق كان في عهد الطاغية المجرم صدام سجنا كبيرا لأغلب أبناء الشعب وللأحرار الذين عارضوه. وكان في هذا السجن الكبير سجونا أصغر شهدت جرائم لم يشهد لها العالم مثيلا في قسوتها وكثرتها وتنوعها ولايمكن مقارنتها حتى بأشهر السجون في العالم كسجن الكارتاز في امريكا وسجن الباستيل في فرنسا وغيرها. ومن السجون الشهيرة في العراق سجن (نقرة السلمان) في صحراء السماوة. هذا السجن الذي وضعته السلطة بعيدا عن الأنظار ومارست فيه أبشع أساليب القتل والتعذيب بحق أبناء الشعب العراقي. وكذلك سجون مديريات الأمن في كل المدن العراقية، فقد كانت تشهد حالات رهيبة من الموت البطيء والتعذيب المتعدد الوسائل والذي استخدمت فيه كل الطرق التي لايمكن للعقل تصورها، ومن أبشعها (الثرامة) لسحق لحم السجين وعظامه سوية والصعق بالكهرباء في أكثر اجزاء الجسم حساسية .
وبعد ان تخلص الشعب العراقي من ذلك الحكم الظالم بفعل تضحياته وصبره وتقديمه للملايين من أرواح أبناءه قرابينا للحرية جاءت حكومات كانت تعارض الظلم وتلعنه وقد قاست وعانت منه سابقا. ولم تأت هذه الحكومات بالقوة والتسلط والقتل وإنما جاءت بالانتخابات حيث اختارها الشعب لتدير شؤون البلد وتوفر الخدمات والعيش الملائم والحرية والأمان. ولكن هذه الحكومات وبعد ان رأت حالها انها تمسك بزمام الأمور ومن ورائها قوات الاحتلال أعادت معظم هذه السجون ووسعت بعضها ليشهد التاريخ على العراق بأنه لازال بلد السجون والظلم. ومن جملة مالاقاه السجناء في عهد هذه الحكومات التي جاءت بعد سقوط النظام البائد ماجرى في سجن ابي غريب من حالات التعذيب والإذلال والقتل التي مارستها قوات الاحتلال الأمريكي. كما ان سكوت الحكومة عليها ينذر بخطر عودة الحكم الظالم والديكتاتورية المتسلطة الى العراق وبأقنعة ووجوه جديدة ومختلفة.
وفي البصرة وحسب مانقل عن بعض السجناء وحراس السجن فإن سجن بوكا يعتبر متنزها للإرهابيين من السجناء والذين كانت وظيفتهم قتل العراقيين وتفجير البيوت والمساجد والأسواق والمراقد المقدسة. وقد وجدوا فيه مساحة آمنة للالتقاء وتبادل الأفكار الإرهابية الشيطانية وتخريج الإرهابيين والتكفيريين. أما معارضو الاحتلال فهم يعيشون ظروفا صعبة وأغلبهم أصيب بالأمراض النفسية والجسدية.
ولاينس ابناء البصرة سجن (جدر موحان) الذي أسسه سيء الصيت موحان الفريجي الضابط الذي تولى مسؤولية قيادة العمليات ابان الحملة العسكرية التي أطلقها رئيس الوزراء المالكي على البصرة وأسماها (صولة الفرسان) حيث زج فيه بالكثير من شباب البصرة وأذاقهم أقسى الظروف وحسب وصف بعض السجناء الذين كانوا فيه والحراس فهو عبارة عن بناء اسطواني الشكل جداره عال جدا وهو من الكونكريت المسلح وليس فيه سقف يقيهم من الحر والشمس والتراب والبرد وغيرها من الظروف الجوية الصعبة.
ان الذين يستحقون ان يسجنوا لايوضعون في مثل هذه الأماكن فهم يعتقلون ويسجنون حسب القانون ويسجنون في سجون نظامية ملائمة. مع العلم انه كان يسجن فيه الكثير من الأبرياء الذين فقدتهم عوائلهم وأبناؤهم لأسباب سياسية أو كيدية أو بسبب احقاد وعداوات مارسها المخبرون السريون. ان هذه السجون تذكرنا بالسجون التي قضى الإمام موسى الكاظم معظم حياته فيها وبسجون صدام ونظامه الظالم.
عبد الكريم خليفة البصري
............................ الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1452 الجمعة 09/07/2010)