أقلام حرة
نحو بناء استراتيجيات تنموية للاقتصاد العراقي .. افكار وتوصيات (2)
كما وتتصف علاقات العمل السائدة كونها تعتمد على اسس غير علمية، وحصول انحراف خطير في سلوكيات العاملين للاسباب المشار اليها سابقا، وبسبب التصرفات الغير المسؤولة للقيادات الحزبية للنظام السابق داخل الدوائر والمؤسسات الحكومية الخدمية والانتاجية، حيث يتم انجاز الاعمال طبقا لرغبات النظام وسلطات القيادات الحزبية دون مراعاة للجانب المهني والسلوك الاخلاقي الذي كان سائدا ومعتمدا في المجتمع العراقي سابقا، ويتم تنفيذ الاعمال طبقا للاوامر المركزية الصارمة وتخضع انجاز اعمال العاملين الى رقابة سلطوية مركزية، اعتمد في تنفيذ الاعمال على تطبيق اجراءات روتينية جامدة غير مرنة سببت عرقلة عند انجاز الاعمال وافقد العاملين قدرتهم على الابداع واتخاذ القرارات المناسبة بصورة انية وسريعة لمعالجة المشاكل والصعوبات التي تعترضهم.
ج – البنى القاعدية الاساسية للنشاط الاقتصادي: تتصف البنى التحتية للاقتصاد العراقي كونها مخربة، حيث لم تجر لها توسعات مهمة خلال العقود الاخيرة للايفاء بمتطلبات واحتياجات الانشطة الاقتصادية والمنزلية، كما وان الصيانات الدورية التي اجريت لها لم تكن على درجة من الجدية والفعالية، يرجع ذلك لعوامل عديدة اهمها ظروف الحروب المتعددة للنظام السابق والحصار الاقتصادي المستمر لسنوات عديدة، اصبحت هذه البنى حاليا لاتفي حتى للاحتياجات الفردية لاغراض الاستهلاك، وهي تشكل عقبة حقيقية عند اجراء اي عملية تنموية فعالة وناجحة في العراق.
لذلك يمكن القول ان ظروف الاقتصاد العراقي في كل جوانبه محطم، بفعل العوامل السياسية للقيادة السابقة، ونتيجة الهيكلية المشوهه لاركان الاقتصاد العراقي خلال مراحل تنفيذ الخطط الخمسية في العقود الاخيرة من القرن الماضي.
ازاء هذه التركة الثقيلة لواقع الاقتصاد العراقي، وبغرض معالجة سلبياتها وفي سبيل تطبيق خطط تنموية طموحة، يتطلب من القيادة السياسية اجراء اصلاحات جوهرية في بناء ومقومات الانشطة الاقتصادية من الناحية الهيكلية والوظيفية باعتماد خطط وسياسات استراتيجية تنموية واضحة ومحددة تعتمد الاهداف الاقتصادية الممكنة التطبيق ضمن المتغيرات الدولية السائدة وضمن ظروف العراق الحالية وتعتمد المهنية والجدوى الاقتصادية كمنهج علمي في اختيار النموذج التنموي وفي اختيار الاليات والوسائل العلمية لتنفيذ الاهداف، ان التنظير لهذه المواضيع يبدو سهلا ولكن نقلها لمراحل التنفيذ تتطلب جهودا كبيرة تنكشف من خلالها الخطط الناحجه من الفاشلة.
لا بد ان نشير ان تطبيق اصلاحات واستراتيجيات تنموية ناجحة لا يتم دون ان يكون للكادر المهني الكفوء والنزيهه دورا اساسيا في عملية الاصلاح والبناء التنموي، ومنحه الصلاحيات وتوفير الامكانيات المتاحة لتنفيذ برامجه وخططه الوظيفية.
(اولا) – الاستراتيجية المعتمدة لتنفيذ مشاريع التنمية، من الناحية التمويلية والهيكلية:
رئاسة مجلس الوزراء:
قبل الدخول في تفاصيل العملية التنموية لابد ان نشير بشكل مختصر الى المهمات والمسؤوليات الكبيرة التي تتكفل بها رئاسة مجلس الوزراء والتي لها تأثير كبير على نجاح او فشل تنفيذ الخطط التنموية في العراق، وهي كما يلي:
(1) – قيامها بالتنسيق مع الوزراء المعنيين على وضع المنهاج الوزاري الذي يمثل الاهداف المراد تنفيذها خلال الفترة المنظورة والتي بموجبها حصلت الوزارة على ثقة البرلمان بها، تقع على عاتق رئاسة مجلس الوزراء بعد ذلك مسؤولية المتابعة الفعالة مع وزارات الدولة للتأكد من حسن تنفيذها للاهداف التي تعهدت بتنفيذها.
(2) – كما وتتكلف رئاسة مجلس الوزراء بمهمة تنسيق الانشطة المختلفة بين وزارات الحكومة لتنفيذ الاهداف المذكورة.
بغرض تنفيذ ماسبق تقع على رئاسة مجلس ايجاد دوائر مختصة ضمن هيكيلته الادارية لتتمكن من خلالها المتابعة الدورية والمستمرة مع الوزارات للتاكد من نوعية البرامج العملية المتخذة من قبلها لتحقيق الاهداف التي التزمت بتنفيذها امام البرلمان.
وعلى الامانة العامة لمجلس الوزراء اتخاذ مايلزم لايجاد حالة التنسيق الكاملة بين الوزارات الحكومية لتوحيد السياسات الاقتصادية والمالية لانشطة الحكومة العراقية.
يلاحظ بصورة عامة وجود ضعف في تنفيذ هذين المهمتين، يعود سبب ذلك الى مايلي:
1 - اسلوب المحاصصة المعتمد حاليا في تشكيل الحكومة العراقية، مما يصعب المحلسبة المهنية لاداء الوزارات العراقية.
2 - ضرورة اجراء اصلاحات هيكلية ووظيفية في عمل امانة رئاسة مجلس الوزراء، لتتمكن من تنفيذ المهمات المذكوره اعلاه بكفاءة.
ان عمليات التنمية الاقتصادية تتم ضمن حلقات متصلة تشترك فيها عوامل متعددة ذات ابعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وغيرها لانبالغ اذا قلنا ان اغلب الدلات الحياتية تشترك وتؤثربشكل معين في تحديد الظاهرة الاقتصادية، لذلك لابد من الالمام بهذه العوامل وتهيئة الظروف والمناخات المناسبة ليتم اجراء عملية التنمية وفق الاصول.
من ذلك يمكن القول ان التركيز على بعض العوامل مهما كانت اهميتها وضرورتها واهمال او عدم الانتباه لباقي العوامل او تهيئة بعض المقومات واهمال بعضها الاخر سوف يعرقل انجاز المهمة بشكلها الصحيح وهنالك تجارب تنموية وضفت لها مقومات وامكانيات كبيرة ولكن نتائجها كانت فاشلة لكونها لم تحسب لبعض العوامل الحساب السليم، في حين هناك تجارب تنموية حققت نجاح افضل لكونها اخذت بكل العوامل ووفرت الظرو ف الملائمة بشكل افضل من التجارب السابقة.
لابد ان نشير الى ان المتابعة المستمرة والفعالة والكفؤة للخطط والبرامج تؤدي الى تقدم فرص النجاح، لذلك لابد من اخذ هذه الملاحظات مأخذ الجد عند تخطيط وتنفيذ الخطط التنموية لاي مجتمع.
لتنفيذ استراتيجية ناجحة للتنمية الاقتصادية يتطلب اتباع الخطوات التالية:
1 – الاهداف:
يمكن ان نحدد نوعين من الاهداف هما:
(ا) - اهداف عامة:
وهي اهداف بعيدة المدى ذات طبيعة وظيفية عامة، يتم بموجبها تحقيق وظائف اقتصادية او اجتماعية معينة، مثل حصة الفرد من الناتج القومي الاجمالي، مستويات البطالة والتضخم السائدة في البلد وتوفير المساكن للمواطنيين وغير ذلك، وهي تسمى بالخطط الاستراتيجية.
يمكن تحقيق هذه الاهداف ضمن اسلوبين هما:
الاول - عن طريق تنفيذ استراتيجية تنموية حقيقية يتم بموجبها حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، يتحقق بموجبها حصول زيادة مهمة في الناتج الاجمالي القومي وتحقق في نفس الوقت رفاهية افراد المجتمع العراقي وهذا مانهدف ونسعى لتحقيقه.
ثانيا - عن طريق زيادة الانفاق الحكومي ضمن برامج عمرانية ومعاشية معينة يتم بموجبها حل المشاكل المعيشية والخدمية التي يحتاجها افراد المجتمع يتحقق بموجبها رفاهية عيش المواطنين، وهذا ما هو حاصل لدى دول الخليج وما يجرى تطبيقه في العراق سابقا وحاليا، حيث تضمنت ميزانية الدولة العراقية بنود عديدة بغرض حل المشاكل الموروثة والحالية التي يعاني منها افراد المجتمع العراقي.
ان تنفيذ مثل هذه السياسات والبرامج لا تحقق تنمية حقيقية ولا تحقق زيادة في اجمالي الناتج القومي بل سوف يبقى الوضع الاقتصادي عليل يعتمد مواطنيه في معيشتهم بشكل كبير على الانشطة الوسيطية والدعم الحكومي من خلال برامج متعددة مثل التوظيف الواسع في دوائر الدولة والدعم الحكومي للسلع التموينية ودعم اسعار صرف العملة العراقية اتجاه العملات الاجنبية وغير ذلك من السياسات المالية المختلفة، ان السير في هذه السياسة يزيد من تعقيد الامور، لذلك لابد من اتخاذ جميع الوسائل لاعتماد الاسلوب الاول الذي بموجبه يتم وضع خطط استراتيجية للتنمية الاقتصادية في البلد.
(ب) - اهداف جزئية ذات طبيعة خاصة وهي اهداف قصيرة الاجل تمثل جزء من الخطط الاستراتيجية المعتمدة، وهي تسعى لتحقيق غايات معينة مثل تنشيط صناعة سلعة معينة او الزيادة في استثمار نشاط اقتصادي معين مثل التوسع الزراعي لصنف معين، يتم تحقيق هذه الاهداف عن طريق التنفيذ الفعلي للمنهاج الاستثماري لها بشكل مباشر او بوسائل الدعم والتنشيط من خلال اعتماد سياسات وبرامج معينة ضمن السياسة الاستراتيجية للتنمية الاقتصادية.
ان تحديد الاهداف يجب ان تتم وفق خطوات علمية متسلسلة معتمدة على قاعدة معلوماتية رصينة ودقيقية، لذلك يجب دعم مراكز جمع البيانات والمعلومات الاحصائية وتقوية الاجهزة المحاسبية لتزويد الجهات التخطيطة والتنفيذية بالمعلومات المطلوبة بالوقت والدقة المطلوبة، ويجب ان تكون الاهداف واضحة ومحددة وقابلة للتطبيق.
ويجب العمل على ربط كل هدف بالالية والوسيلة العملية الخاصة به لتنفيذه.
المراقب للاهداف المعلنة حاليا لم نلاحظ الى ما يشير اتباعها الخطوات المشاراليها انفا، حيث تتصف بعض الاهداف المعلن عنها بالعشوائية وهي تقترب للتصورات والاماني التي يسعى لتحقيقها، حيث لم تقترن عملية تحديد الهدف بالتحليل العلمي والموضوعي لتوضيح كيفية التوصل له وتوضيح للاليات العلمية التي سيتم اعتمادها لتنفيذ هذه الاهداف.
ان تحديد الاهداف ووضع الخطط والبرامج مهما كانت جيدة فانها لا تمثل الحل بحد ذاته دون اقترانها بحسن اختيار الاليات السليمة والكفوءة لتنفيذها، وقدرتها على ايجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي تعترضها.
ان كثير من الاهداف والخطط تبدو براقة ومبهرة عند عرضها، ولكن عملية تطبيقها تصطدم بمشاكل وعقبات عديدة تحول دون الوصول الى النتائج المرجوه منها.
واخيرا يرتبط نجاح او فشل تنفيذ كثير من الخطط والبرامج بشكل كبير على مستويات اداء العاملين ومستوى اداء المؤسسات العاملة، وعلى طبيعة الظروف الامنية والمالية والسياسية السائدة في البلد، وعلى طبيعة المتغيرات الاقتصادية والمالية العالمية السائدة في حينه.
لم نلاحظ اعطاء هذه المواضيع الاهمية الجدية عند وضع الاهداف المعلنة حاليا، كما سنوضحه ادناه.
2 – دور الدولة في تنفيذ المناهج الاستثمارية:
اعتمدت الدولة العراقية خلال العقود الخمس السابقة على اسلوب التخطيط والتنفيذ الشمولي فالحكومة هي الجهة الاساسية والمركزية للتخطيط والتنفيذ لعملية التنمية بكل جوانبها بالاشتراك مع القطاع الخاص، بموجب ذلك تم تنمية القطاع العام بشكل كبير جدا، واصبح دور القطاع الخاص في عملية التنمية كونه ملحق لدور القطاع العام تحدد مجاله في المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
فالدولة هي الجهة المخططة والمنفذة لعملية التنمية الاقتصادية بشكل مركزي ضمن مشاريع الخطط الخمسية المعروفة، التقييم العلمي لهذه الخطط هو الفشل من حيث الجدوى الاقتصادية ومن حيث سوء الادارة والتنظيم، يتم وضع وتنفيذ هذه الخطط في الغالب لخدمة اهداف سياسية ودعائية، لذلك لم تحقق هذه الخطط زيادة مهمة في الناتج الاجمالي للدخل القومي، ولم تستطع احداث تغيير مهم في هيكلية وحجم الانشطة المكونة للناتج القومي وبقي الاقتصاد العراقي ريعي احادي الجانب يعتمد بشكل كبير على تصدير النفط الى الخارج بدرجة شديدة.
بعد عملية تغيير القيادة العراقية، لم تتمكن القيادات الجديدة المتعاقبة على وضع خطط استراتيجية لتحقيق تنمية الاقتصاد العراقي لاسباب سبق الاشارة اليها سابقا، ولم تستطع تكوين افكار واضحة لطبيعة النموذج التنموي الواجب اعتماده وتطبيقه لعملية التنمية الاقتصادية، ضمن هذا السياق ظهرت اصوات واتجاهات تنادي بتطبيق مفاهيم ونظريات اقتصاد السوق التي حقق تطبيقاتها نتائج ناجحة في الدول الصناعية المتقدمة كنموذج تنموي مقترح يمكن ان يحقق نتائج مفيدة للاقتصاد العراقي.
ازاء ذلك فاننا نقدم افكار وتوصيات توضح معالم النموذج المقترح تطبيقه، يتم على اساسه تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة للمجتمع العراقي.
النموذج التنموي المقترح:
ازاء ماسبق نثبت النقاط التالية:
– ضرورة التخلي عن طريقة التخطيط الشمولي الحكومي للانشطة الاقتصادية، واعتماد بدلا عنها طريقة التخطيط الوظيفي للاهداف واعتماد مفاهيم التخطيط المركزي والتنفيذ اللامركزي لها بعد توفير الظروف والامكانات اللازمة لها.
- الاستفادة من مزايا تطبيق مفاهيم نظرية اقتصاد السوق، وهذا لا يعني اعتماد طريقة النقل الحرفي لافكارها وتفاصيل تطبيقاتها، بل يجب التوصل الى الفهم الموضوعي لافكارها ومفاهيمها وتطويرها لتكون منسجمة مع ظروف العراق الحالية واختيار افضل الوسائل لتطبيقها، وعدم تنفيذ برامجها طبقا للفهم السياسي لمفاهيمها وافكارها.
- اجراء اصلاحات وظيفية وهيكلية في عمل رئاسة مجلس الوزراء.
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1057 الاحد 24/05/2009) |