أقلام حرة

الكتل السياسية والخيارات الثلاث / سلمان السلمان

 حركة الرساليين من أبناء الأمة وينطلق من يقينه بالله وإخلاصه للحق فلا يتحرك إلا من خلال حركية العقل في البحث عن سر المنطق وأخلاقية التعامل بين الناس وأن لا يقول ما يؤلمهم فيكون مراقبا لتصرفاته محاسبا لنفسه يبحث عن الأفضل من المفردات لينطلق بها نحوا الأفق الإنساني فيكون مصداقا لحركة الأنبياء.

من خلال هذه المقدمة نستطيع أن ندخل إلى بحر القيادات المتلاطمة في عراق اليوم تلك القيادات التي افترقت وتقاتلت ولا تكاد تجتمع لأمر جامع بينها، كي نسلط فكر أقلامنا على أدوات تعاملهم ونبحر في سماء أخلاقياتهم لنستكشف طموحاتهم وأين تسير مناهج ثقافتهم؟ ثم نقدم رؤيتنا علها تنفع في عودة القيادات إلى صوابها.

نبدأ من حيث انتهت المباحثات السياسية ونترك المقدمات المملة التي واكبها المجتمع العراقي بكل أطيافه.

فهمنا أن المباحثات شابها الكثير من التعثر نتيجة تمسك الكتلة بموقفها الحاد والجاف الذي ينم على عدم الشعور بالمسؤولية تجاه أبناء الشعب العراقي.

لذا نحن نعتقد أن الكتل اليوم أمام ثلاث خيارات ولا يحتاج الفطن إلى معرفتهن:-

أول هذه الخيرات هو اتفاق العراقية مع دولة القانون على أن يكون المالكي رئيسا للوزراء.

أما الخيار الثاني هو اتفاق الإتلاف الوطني ودولة القانون والتحالف الكردستاني وعلى أن يكون المالكي رئيسا للوزراء.

والخيار الثالث هو الذهاب إلى إعادة الانتخابات.

 أما لماذا في الخيارين الأول والثاني لابد من وجود السيد المالكي رئيسا للوزراء؟ ثم أليس هناك خيار آخر وهو خيار تحالف العراقية مع الإتلاف الوطني والتحالف الكردستاني؟

الظاهر أن دولة القانون لا تنطلق بأي حوار جدي ما لم يكن السيد المالكي هو المرشح الوحيد لرئاسة الوزراء وعليه فلن يكون هناك أي حوار إذا طالب الطرف الثاني بتنحية السيد المالكي،كما إنها دخلت الانتخابات على إعادة ترشيح السيد المالكي فلن تأتي بأي بديل حتى لا تقع في نفس تجربة الانتخابات الماضية وقضية السيد الجعفري.

 نعم هذا خيار ولكنه خيار غير منطقي ولا يصمد أمام المعطيات الواقعية ويؤدي إلى ضياع الوقت والجهد ومصيره الفشل، ذلك لأننا نعتقد أن إتلاف دولة القانون هو مركز القطب الذي يحرك الأمل في الوصول لحكومة وطنية.

بمعنى أن التفاهم والموازنة مفقودة بين الكتل الثلاث (العراقية والتحالف الكردستاني والإتلاف الوطني) إذا لم تكن دولة القانون حاضرة فالحوار بين العراقية والإتلاف الوطني حوار هش ولا يصمد إلا بتسليم أحدى هاتين الكتلتين للأخرى وهذا بالطبع مخالف للمنطق فليس من المعقول أن تضعن كتلة الإتلاف الوطني للعراقية وتسير خلفها لأن ذلك معناه في المفهوم العام للقاعدة الشعبية هو السير خلف من كان بالأمس مسلط على رقابهم وعودة الفكر السابق لساحة الحكم مرة أخرى، وهذه بالحقيقة مغامرة لا نعتقد أن قيادات الإتلاف ستذهب نحوها وتخسر قاعدتها الجماهيرية، كذلك أن أي حكومة ستتشكل من هذا التحالف سيكون مصيرها الفشل.

وقد يقول قائل أن الإتلاف الوطني قادر على أن يخلق حالة من التوازن مع العراقية إذا تحالف مع القطب الكردي، فنقول إن هذا التحالف لا يتمتع بالمقومات المشتركة التي تجعله قادر على الحوار والمماطلة مع العراقية وكسب ما يريد لأن ذلك سيصطدم بتقسيم المناصب فلن يحقق شيء هنا مقابل ما لو تحالف مع دولة القانون، ولو افترضنا جدلا إن ذلك ممكن فإننا نعتقد أن الكتلة العراقية لن تسمح لنفسها أن تكون تحت الوصايا الشيعية الكردية لأنها ستصطدم بقاعدتها الشعبية التي تعتبر أن الإتلاف الوطني والتحالف الكردي عدوا الأمس.

إذاَ نحن أمام ثلاث خيرات ولابد للإخوة في العراقية والإتلاف الوطني من دراستها بشكل دقيق ومتأني وبعيد عن التعصب وحب الذات، ولكي ننتهي من هذه المشكلة التي أضاعت الكثير من الجهد والوقت والاهتمام بهموم الشعب ومعاناته وبناء المؤسسات الحكومية التي تحتاج إلى مراجعة وتقويم مرة أخرى.

 إذا اعتقد الإخوة إنهم غير قادرين على السير مع السيد المالكي مرة أخرى، عليهم أن يدرسوا خيار إعادة الانتخابات بشكل جدي وواقعي وأن يراجعوا كل مواقفهم وسير الانتخابات السابقة وأن يوازنوا بين البقاء على هذا العدد من المقاعد وبين تكثيرها أو نقصانها لكي يفهموا أن اللعبة السياسية لا تحتمل التخمين والاحتمالات، وإنما دراسة الحقائق والمعلومات الدقيقة لتجنيب أنفسهم الوقوع بالمحظور.

وبما إن الإتلاف الوطني لازال يعتبر نفسه في إتلاف واحد مع إتلاف دولة القانون فنحن هنا نحاول أن نضع بعض النقاط علها تساعد في مراجعة المواقف.

أولا: نحن نعتقد أن المجلس الأعلى يفهم اللعبة بشكل جيد وهو حريص على تنحية المالكي بكل الطرق حتى وإن كانت على حساب الوحدة الوطنية أو وحدة الإتلافين الوطني والقانون، وهو سائر إلى النهاية لأنه يدرك أن الخط الفاصل لبقاء المجلس الأعلى هو وصول قيادة من المجلس الأعلى إلى الحكومة القادمة وهذا الأمر لن يحصل عليه إلا بتنازل مهم يقدمه لطرف ما.

ثانيا: لقد لعب السيد عمار على المكشوف بعد أن كان يلعب في الخفاء وأصبح لا يستطيع التراجع إلا اللهم بقرار من القيادة الإيرانية.

ثالثا: القاعدة التي يمتلكها التيار (المقتدائي) قاعدة تتمتع بحس عالي من الوطنية وشعور واضح لاستمرار التحالف كما إن أصل هذه القاعدة هو السيد محمد صادق الصدر وأيضا اصل قاعدة حزب الدعوة السيد الشهيد الصدر الأول وكذلك الشهيد الثاني، فهذا يعني إذا أدركت هذه القاعدة الصدرية أن ممثليها يميلون لغير رؤيتهم الفطرية فسوف تتجه بوصلتهم نحوا الدعوة بشكل فطري ودون انتظار لذلك على التيار المقتدائي أن يكون حذرا من أي خطوة متعجلة.

رابعا: نحن نرى إن اختيار السيد الجعفري بديلا عن السيد المالكي اختيارا غير موفق فكيف تعالجون مشكلة الأمس بطرح نفس المشكلة اليوم والتي كان دواءها السيد المالكي بالأمس.

خامسا: إذا كان السيد المالكي حليف التيار المقتدائي بالأمس وظهر منه هذا الذي تنكرونه عليه فكيف تثقون بمن كانوا خصومكم بالأمس؟

سادسا: هل يعتقد التيار المقتدائي أن المجلس الأعلى يقبل بمرشح من التيار إذا تنازل المالكي للإتلاف الوطني؟ إذا اعتقد التيار بذلك يكون قد أضاع بوصلة السياسة.

سابعا: إذا كان التيار المقتدائي يعتقد إنه قادر على نسيان ما حدث له من خصومه فمن باب أولى نسيان ما حدث له من حلفائه.

ثامنا: على المجلس الأعلى وخاصة ممن نثق بحبهم لهذا الوطن واحترامهم لأنفسهم أن يكفوا عن الترقيق لما يفتق السيد عمار ويتخذوا موقفا مشرفا من هذا السجال وليتوكلوا على الله.

تاسعا: إذا اعتقد الإتلاف الوطني إنه غير قادر على بلورة اتفاق مع السيد المالكي فليسارع بالمطالبة بإعادة الانتخابات فإنها الأسلم لكل الأطراف وللشعب العراقي خاصة ولكن يجب أن يكون القرار صائب ومدروس لأن إعادة الانتخابات قرار فيه كثير من المخاطرة.

تاسعا: إذا أراد الإخوة في العراقية أن تنتهي دائرة السجال والبدء في الخطوات العملية لبناء العراق الجديد فنحن نعتقد أن المرحلة مهيأة لذلك، وأن الشارع العراقي يترقب هذا الاتفاق بفارغ الصبر، لذلك نطالب الكتلتين العراقية والقانون بوضع خطة مشتركة في رسم سياسة الدولة في الداخل والخارج لكي لا تكون هناك نقاط تقاطع تربك العمل المستقبلي في بناء العراق الجديد وأملنا في الأحرار من القائمة العراقية في تلاقي الرؤى لصنع حاضر جديد.

 قد يقول قائل نحن ننطلق من تأييدنا للسيد المالكي فنقول وبكل شفافية نحن لا نميل لتولي السيد المالكي رئاسة الوزراء لدورة ثانية لا لعدم قدرة السيد المالكي في إدارة الحكومة بل لأننا نعتقد أن الكثير ممن يحيطون بالسيد المالكي لا يستحقون أن يكونوا في هذه المراكز ولأننا لا نتمنى أن يستمر رئيس وزراء لدورة ثانيه فنصنع منه دكتاتور، ولكننا أيضا نعتقد أن ليس هناك بديلا نطمأن إليه يكون أفضل من السيد المالكي في خارطة الكتل، لأننا نخاف من عودة الفوضى.

أملنا أن يكون الإخوة في الكتل السياسية أكثر واقعية وأن يبادروا لاختيار إحدى الخيارات الثلاث لننتهي من هذه المشكلة التي أرخت بظلالها على الواقع الحياتي للمواطن العراقي ونخشى أن تلقي هذه الممارسة على السياسة العراقية لونا من ألوان العتمة لا تضيء في سماء الثقافة السياسية.

 

سلمان السلمان

أمريكا

08/04/10

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1478 الخميس 05/08/2010)

 

في المثقف اليوم