أقلام حرة

عندما نصوغ الكلمات في غفلة من الزمن / طلال معروف نجم

 

مرد أن أكتب بلغة العاشقين، سببها أن صديقاَ عزيزاً على قلبي دفعني إلى ذلك، عندما طلب مني أن أكتب له اهداءا على رواية من روايات أحلام مستغانمي يروم أن يقدمها لصديقة له، فكتبت له اهداءا يقطر وهجا وولعاًُ. فاعترض على ذلك وهو يقول لي :

 

ــ  لاتجعلني أستجدي حبها، هي من تهيم بي .

فعدت وكتبت له هذا الاهداء :

 

(قمة السعادة ان نرث في الدنيا الحب .. ولا غير الحب . وأن يضوع حياتنا بأريجه .. آنذاك لا يهم أن تختزل الايام) .

 

طفق فرحا به وراح يدونه على الصفحة الاولى من رواية ذاكرة جسد .. وهو يتمتم " كلام حلو يا أستاذ طلال " .

وأذكر حادثة أخرى تؤكد ان الكتابة بعيدا عن القلب لاتدوم . كنت رئيس الدائرة الصحفية بالمعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية يوما، كان للمعهد منتدى واسع الانتشارعلى مستوى الوطن العربي، وهناك موظفا من موظفي السكرتارية يحاول ان يكتب ويكتب، انطلاقا من ان المنتدى فتح ابوابه مشرعة للجميع. اقترحت عليه يوما أن اكتب له قصيدة من نوع موجة النثريات، وطبعا هذا النوع من النثريات لايمكن ان تقنع القارئ الا اذا كان كاتبها متمكنا من لغته العربية، ومتمكنا من التلاعب بمفردات اللغة . ويضيع القارئ بين سطورها دون ان يفقه مايريده هذا الشاعر ان اعتبرناه شاعرا. قلت لهذا الموظف الزميل أكتب وسوف أملي عليك .. واقسم بأني قلت نثرية حتى انا وجدت نفسي بعد ذلك أستكثر على هذا الزميل ان تنزل في المنتدى بأسمه، الا اني تراجعت وطلبت منه ان ينشرها بأسمه . وطبعا نشرت بعد ان اضاف اليها بعض الصور والرسومات التي تعكس مضامين هذه النثرية، بحكم كونه كان ملما في خبايا الكومبيوتر.،وما ان نشرت هذه النثرية حتى جاءت المداخلات تثني على النثرية وتطري على الاسم الذي حملت اسم كاتبها غير الحقيقي.  طبعا لم أتذكر شيئا من النثرية الا اذا عدت الى ارشيف المنتدى . لأنها كتبت انطلاقا من تهكم بهذا النوع من الكتابات. ولا تعكس قلبا ملتاعا.

                                    *

 

عدت الى الوراء سنوات وسنوات، الى أيام الدراسة الاعدادية، وقتها تفتقت عندي موهبة الكتابة . وتذكرت زملاء لي كانوا يستنجدون بي لاكتب لهم، رسائل حب الى صديقاتهم، مقابل ان يجزون العطاء عليَ .

لم تعلق في ذهني وذاكرتي كل الخواطر التي تطلب مني كتابتها، رغم اني أمتاز بذاكرة حفظ التأريخ كل التأريخ بكل أنواعه . لانني كتبتها في غفلة من الزمن . بعيدا عن قلبي . ومنذ ان توقفت عن كتابة رسائل الغرام لزملاء الدراسة، فكل ما كتبته من قصص ومقالات غير السياسية، كانت بإيعاز من قلبي، أحفظها حتى الساعة . وأستطيع ان أرددها وأنا أركن الى الهدوء والسكينة . بينما لم تعلق في ذاكرتي الخاطرة التي سبق ان اعترض عليها صديقي وتم تمزيقها . لانها جزء من الكلمات التي كتبت ايضا في غفلة من الزمن .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1529 الثلاثاء 28/09/2010)

 

 

في المثقف اليوم