أقلام حرة
يوم بلا ذوق / سليمة قاسم
ولكن اجابته المقتضبة والغامضة على تحيتي،جعلتني اقول في سري انها فاتحة (شر)، لا سامح الله !
لم يمنعني ذلك بطبيعة الحال من مواصلة طريقي إلى المدرسة، وفيما عبرت إلى الجهة الثانية من الشارع انتظرسيارة الاجرة سعيدة الحظ، كانت سيارة أخرى من طراز رفيع الموديل تمر بجانبي بسرعة جنونية، ولما كانت بلدية محلتنا لم تنظف الشارع في هذا الصباح من كمية المياه التي تجمعت يوم امس، فكان حظي وفير من رشقة مائية بسبب تلك السرعة الجنونية المباركة !
كان السائق من بني الذوات كما يبدو، أخرج يده بحالة جنونية من نافذة السيارة ليرسل لي إشارة غضب، وكأني أ نا المسؤولة عن كل ما حدث .... قلت مع نفسي : ولله في خلقه شؤون !
لم افكر بالرجوع كي ابدل ثيابي، لان الوقت كان يداهمني، وربما كي اسلي محنتي، قلت إن الماء فاتحة خير على كل حال، ولكن ما الذي سيقوله الناس وهم يرون هذه الاطيان وقد تعلقت بتنورتي التي كانت اعز تنورة لدي !
جاءت سيارة الاجرة لتقلل من شعوري بالالم والحرج، ولكن ذلك لم يمنعني من أن افكر بمسالة يسمونها بادبياتنا العامة بالذوق !
صعدت السيارة وانا احدث نفسي عن سبب قلة ذوق الناس في التعامل مع بعضهم، كالعادة اخترت الجلوس علي الكرسي الذي لايحبذه الجميع لما يحدثه لهم من دوار، احبذ الجلوس على ذلك الكرسي، لانه يخلصني من تبعات القيام والجلوس المتتابعة عند صعود ونزول الركاب، رغم انه يكلفني من ناحية ثانية، فبحكم موقع الكرسي هذا يكون اشبه لزام علي أن اسلم أجرة الركاب الى السائق، وكنت اقوم بالعمل مجانا بطبيعة الحال، ولكن من دون كلمة شكرمن هذا الراكب أو ذاك، فراودني مرة أخرى منظر جاري وهو لم يرد على تحيتي بوضوح وأريحية، وقفز منظر السيارة الراقية الموديل تشق (عباب) بحر المياه الآسنة في الطريق، ثم القي نظرة على تنورتي وهي ملطخة بالوحل، وقد شحن صوت راديو السيارة بصوته المدوي كل هذه الصور بمزيد من (الانس والارتياح)، خاصة وإن الاغنية التي كان يطرب لها السائق كثيرا تتحدث عن الحزن والشجن والفراق وربما الموت أيضا ! يبدو أن أحد الركاب كان قد تناول طعاما دسما صباح هذا اليوم الجميل جدا، وإلا لماذا يتجشأ بهذه الطريقة المقرفة ؟ حسنا، ما لي وهذا المنظر، حاولت الهروب منه عبر نافذة السيارة التي بقربي، سرحت النظر وإذا به يقع على منظر بعث في نفسي دفعة جديدة من الخوف وا لقلق، شجار بالايدي والارجل بين رجال الشرطة، الشرطة أنفسهم ... .
وصلت المدرسة، كنت قد تنفست الصعداء، قلت مع نفسي عندما استلم كتاب النقل قد أنسى أو اتناسى كل هذه المصادفات( الجميلة) للغاية،ولكن لم أكن أدري إن مديرة المدرسة سوف تطلب مني الانتظار دقيقة واحدة فقط وإذا بها تتحول إلى نصف ساعة بالكامل، وكنت حين الانتظار ازيل بعض الاوساخ الطينية التي بقيت عالقة بتنورتي العزيزة علي جدا ...
قلت أعود للبيت لعل العود أحمد، استأجرت سيارة اجرة مكيفة رغم أن مدخولي الشهري لا يساعد على ذلك، وبعد دقائق ارتفع صوت مكابح السيارة، لقد اصطدمت بسيارة اخرى، نزل السائق مهرولا ليلتحم مع السائق الاخر في معركة بطولية مصحوبة بسيل من الكلمات النابية، وبما اني لم ادفع اجرة سائق التاكسي، انسحبت من ارض المعركة قبل ان تنالني لكمة أو ركلة، تساءلت عن معنى الذوق ولماذا تخلى عنه الناس في تعاملهم اليومي وكيف اختفت من قاموسهم عبارات الشكر والثناء، لقد استغرفت بالتفكير بهذه النقطة وانا في حافلتي الجديدة في طريقي إلى بيتي ، ولم اشعر أني وصلت حتى نبهني أحد الركاب، كان جاري القديم، شكرته كثيرا، وفيما اردت النزول ساعدني شاب آخر، نزل من الحافلة وفسح لي فرصة النزول براحتي ... شكرته ... وقلت مع نفسي : هذه تعوض لي عن تلك ... ولكن استدركت وقلت : لا، الذوق يجب أن يكون ثقافة عامة، وليس ثقافة نخب فقط .
............................ الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1558 الاربعاء 27/10/2010)