أقلام حرة

مبروووك .."البرابرة" خارج أسوار بغداد

بهذا التساؤل يختتم الشاعر اليوناني قسطنطينوس كافافيس واحدا من أشهر نصوصه "بإنتظار البرابرة " مشيرا الى حالة من اليأس الذي يصل اليه الإنسان بحيث ينتظر الخلاص من القتلة  الذين كانوا يثيرون الخوف والرعب في نفوس الناس  حيث إنتشرت أسئلة من نوع:

"لِمَ لا يأتي الخطباءُ الفصيحون كعادتهم

يُلقون كلامَهم وينطقون بما في بطونهم؟

لأن البرابرة قادمون اليوم –

وهؤلاء تُضجِرُهم البلاغةُ والخُطَب.

لِمَ يسري فجأةً هذا القلقُ

وهذه البلبلة. (أي وجومٍ ارتسمَ على الوجوه.)

لِمَ تُقفِرُ الطرقُ والساحاتُ بهذه السرعة،

ويعودُ الجميعُ إلى منازلهم مشغولي البال؟ 

لكن عندما إتضح إنهم غيروا إتجاههم أو ربما كان وصولهم مجرد إشاعة تحول خوف الناس الى إحباط فبدلا من أن يفرحوا ويبتهجوا لأن المدينة سلمت من عدو مدمر تلقوا الخبر بألم لأنهم كانوا يحتاجون الى ذلك العدو ليخرجهم من حالة السأم والملل وربما بلغ الناس في تلك المدينة مرحلة أنهم لا يستطيعون  خلالها مواصلة العيش بدون إحساس بالخوف والخطر اللذين يهددان حياتهم

تذكرت هذا النص وأنا أقرأ تصريحا لأحد العراقيين يؤكد إننا إعتدنا على (البرابرة) وجلد الذات، يقول ذلك "العراقي " في إستطلاع بثته وكالة الانباء الألمانية حول  إنسحاب القوات الأمريكية من  المدن العراقية  "إن على الولايات المتحدة الإبقاء على قوة عسكرية من شأنها أن تشكل نقاط ضغط على الحكومة العراقية من أجل إتمام المصالحة الوطنية وإعادة حقوق المواطنين العراقيين إلى أصحابها"

بالطبع إن صاحب التصريح لا يمثل سوى نفسه لكنه بالوقت نفسه يشير الى حالة من الإنقسام في الشارع العراقي، فهناك فريق مع الإنسحاب وبالمقابل يوجد فريق ضده وهناك من هم "بين المنزلتين"   

يقول الفنان  قاسم السبتي الذي يدير قاعة "حوار" ابرز ملتقى للفنانيين التشكيليين العراقيين لوكالة الأنباء الفرنسية حول الامريكان  "لقد جلبوا الدمار والموت، لكنها كانت عناصر مهمة بالنسبة لي كما لغيري من الفنانين. اعمالنا اصبحت اكثر تأثيرا وواقعية وافضل مما كانت عليه ابان نظام صدام حسين"

فهل يعني إن الفن ينمو ويتقدم مع كل خلخلة تحصل في الحياة؟ وأن الصدمات السياسية والإجتماعية والإقتصادية من شأنها أن تنتج فنا قادرا على هضم هذه الصدمات وإستثمارها في تقديم أعمال مغايرة ؟

وبعيدا عن الفن الذي له قوانين تطوره الخاصة  يمكننا أن نسال:هل أصبحت أمريكا الغازية أرحم من العراقيين على العراقيين؟ هل الجيش الأمريكي المحتل  أفضل من حكومة عراقية وصلت الى الحكم عن طريق صناديق الإقتراع؟

إننا بكل الأحوال لا يمكن أن نكون مع قوة غازية عاثت في البلاد فسادا، فكلما يسوغ لي إخواني في العراق فكرة زيارة  بلدي أسألهم : وهل لاتزال الدبابات الأمريكية تتجول في شوارع بغداد؟ ومن خلال صمتهم المرير أعرف الإجابة، فأؤجل تلك الزيارة،لأنني لا أستطيع تخيل  منظر أن أرى دبابة أمريكية تسرح وتمرح في شوارع بلدنا الجريح لذا أعتبر يوم خروج القوات الأمريكية من المدن خطوة مهمة في طريق الحرية وتحقيق الإرادة .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1093  الاثنين 29/06/2009)

 

في المثقف اليوم