أقلام حرة
العراق بين البين ..!
الشكوى لغير لله مذلة !..واستدرك بعدما تهطل آخر قطرة من جواب القلم لسؤالي أن لا بد من وجود قارئ وإلا ما وجد كاتب..أقرأ !
قف هنا بينما تمر قافلة مركبات عسكرية أميركية وبعدها نفتح لك الطريق ..، قالها شرطي على الطريق وأراد أن يقضي الوقت إثناء مرور المارين فأكمل بسخرية..، هل تصدقون ان هؤلاء المارينز أثناء مرورهم هنا في الظهيرة ويشاهدون العرق ينصب منا تحت الشمس الحارقة يعرضون علينا قناني مياه الشرب المعدنية الخاصة بهم الباردة دوما بينما لا يلقي الضباط العراقيون السلام علينا من خلف زجاج سياراتهم المصفحة الذي لا يسمح للهواء المبرد أن يخرج كما لا يسمح زجاجهم المظلل للشمس أن تدخل ويكتفون بإشارة من ضوء السيارة الأمامي من بعيد البعيد تأمرنا بفتح المجال لهم وإزالة سيارات الناس عن الطريق ولعل ربع ميزانية الدولة تضيع في الرصاص الذي يطلق عاليا في الهواء لتنبيه الناس أثناء هذه العملية .. واستدرك.. لكن الوضع أفضل الآن بكثير فلم يعد هذا الموقف يتكرر كثيرا.. ثم استدرك بسرعة البرق هذا الشرطي وقال.. الله يلعن الأمريكان !!
هل اليوم عيد الثورة ؟ ام عيد ميلاد الملك، ضاعت مني اجابة شافية للحظات وانا اتأمل مدخل مدرسة ثانوية مختلطة .. بلا اختلاط.. وتذكرت المثل الشعبي الدارج في العراق بحق من يتوه في المعلومة فيقال له لا يعرف ان كان الحكم ملكيا ام جمهوريا، صدقا لم يحضرني وصف لخلية النحل الطلابية التدريسية التي رأيتها على غير العادة في ذاك الصباح تزيل تراكمات العام الدراسي 2008-2009 وربما منذ تاريخ تأسيس المدرسة في سبعينات القرن الماضي، فالصوندات .. جمع صوندة باللهجة العراقية وهي خراطيم مياه تتصارع فيما بينها متنقلة بين السواعد السمر المشمرة للأبطال الصناديد.. لمن اشتاق لهذه الأوصاف بالعراق.. هنا وهناك في مشهد مائي ذكرني بان النظافة من الأيمان ليست مجرد خط كوفي على ملصقات ورقية بالحجم المتوسط على جدران المدرسة هنا وهناك وبالألوان المتوفرة بغض النظر عن كون قطعة الكارتون المسماة فايل لا يلائم لونها الأصفر خلفيتها من لون الجدار او انها ذاتها تغطيها الأتربة..عادي،فهي في العراء ليست افضل حالا من مثيلاتها داخل الصفوف التي عشعش العنكبوت فيها للدرجة التي قد يطالب يوما بشهادة الأعدادية لأولاده المستمعين لكافة الدروس اليومية،ودخل حلبة الصراع مع الصوندة فريق المكانس التراثية التي تصنع من سعف النخيل على شكل ماسحة عصرية لا تكلف دولار ولكن العبرة يبدوا ليست في التكلفة المرتفعة بل في العلاقة التراثية بيننا وبين هذه المكنسة الأصيلة التي اينما ذهبت تراها حتى باتت جزءا اساسيا في عملية النظافة المقنعة، نعم فهناك البطالة المقنعة وهذه توازيها في التقنع، لأن هذه المكنسة لا تصلح الا لذر الرماد في العيون التي بدورها تدخل مقياس الكم لا النوع من خلال تقييمها لكلمة نظافة، لذا يعتبر عدد هذه المكانس دليلا حيويا على زيف الوعي الصحي المتراكم لدرجة ان كل ما تجيده هو نقل الأوساخ من مكان لأخر بانتظار رمز تراثي اخر عريق وهو اضافة قطعة قماش مبللة الى نفس المكنسة للتأكيد بأن المكان نظيف تماما يكفي فقط ان ترى برك الماء المتجمعة هنا وهناك اذا كنت مشرف على المكان فتبتسم رضا وطمأنينة وربما تفرش جودلية وتنام.. جودلية فراش محمول كالموبايل باللهجة العراقية حيث العراقي يحب اخذ قيلولة في الظهيرة والكلمة ليست لها علاقة بالكاراتيه..الآن تخيل تراب متراكم، ولكن الآن بالتساوي بفضل المكنسة، وماء متراكم فوقه بالتساوي، مااجمل الطين، لتشكر الله وتحمده على ان كل ما ستعانيه هو الربو !
في الطريق من المدخل لمكان الحدث المهم والتاريخي انبرى جمع من الطلبة المؤمن بالمبادىء العسكرية التي صدأت بها عقولهم المفترض كونها مدنية لدرجة كون احدهم يستطيع ان يعدد لك اسماء انواع الأسلحة الروسية ان لم اقل يفككها ويعيد تركيبها كصيانة الجندي لسلاحه هذا ان لم يكن بارع في استخدامها من جراء معارك الأعراس كل خميس في شوارعنا التي تعبد الطريق بالخراطيش الكلاشنكوفية ورائحة البارود المرافق لصوت الطلقات وزمامير السيارات كانها هجمة مرتدة من ايام حرب البسوس القبائلية يغفل عنها حكم المباراة المحسومة لصالح ما يقع من رصاص مرتد على رؤوس قد لاتعي سبب اصابتها باعيرة طائشة والا لهانت الأصابة بمطر الرصاص المنهمر لو علمنا انه دليل فرح وربما لزغردت ام المصابين بهذا القدر المتزحلق نحو اولادها وخزنت ما يكفي من الأعلام العراقية لتلف شهيدا للزفة كل خميس،كل هذا التمهيد لألتقاء مقدس بين رجل وامرأة ربما يعوض تلك الأم المنكوبة لو تعهد العريس بانتاج يوازي ضحايا رصاص عرسه من الذرية،اقل ما يمكن بعد هذا التشجيع العسكري،ولكن هذا ليس المعين الوحيد للثقافة العسكرية التي جعلت من هؤلاء الطلبة يصطفون في خطين منتظرين تفتيش حرس الشرف المدرسي، فاينما يلتفتوا يجدوا همرا وبكتة ومصفحة ومدججة ومفخخة، ولا ننسى صورا من المعركة التي تأتي بعد افتح يا سمسم مباشرة، كذلك رفعة العلم كل يوم خميس التي غالبا ما يصاحبها استعراض شبه عسكري لقطعاتنا الطلابية في معسكرات الساحة المدرسية المخططة للعب كرة القدم اساسا،فمن المؤكد ان ليس فيهم حاجة لتعليمات عسكرية توجه تحركاتهم في مثل هذه المناسبة العظيمة، افتتاح مختبر الحاسوب في مدرستهم الغراء، بالتالي لا يحتاج الطالب المناط به توزيع الحلوى على الضيوف الكرام تحديد مسؤولياته حول عدم السماح بالتلاعب بالعهدة الجوكليتية التي بحوزته ولو توسل له زملاءه من جراء ملل او جوع خاطف لقضمة يقضي بها الوقت، فكل ما يملكه هو ان يعدهم بان ما يتبقى من بعد الأحتفال سيكون غنيمة تستحق الصبر قليلا، خاصة وهو يرى الكيك والبيبسي يتوزع على المناضد امام الكراسي المهيأة لضيوف الحفل، وها قد حانت اللحظة ولم يبقه الا دقائق ليقوم الضيف بقص الشريط لندخل عالم الحاسوب اللهلوب الذي سيملىء العقول والجيوب،توقفت السيارة امام باب المدرسة وقرع جرس الأنذار بعد التأكد من هوية السيارة التي عادة ما تخترق الحواجز المقامة للتفتيش بكونها سيارة دولة، ولا اعلم هل ان كلمة دولة مداولة لهذا الحد الذي شملت به حتى السيارات، فهل من المعقول ان سائقا متهورا يقود احداها يكون ممثلا للدولة بين سيارات الشعب في شارع ما فقط لكون السيارة تابعة لدائرة حكومية، فلماذا لا تفتح اشارة المرور في فرنسا الطريق لجاك شيراك كما تفتحها لسيارة الزبالة التابعة للبلدية في شوارعنا بحجة انها سيارة دولة،ترجل عدة مسئولين من السيارة وتم الترحيب بهم لحين وصلوا للحظة المستقبل الواعد، قص الشريط الذي يفصل بين العلم و الجهل، بين امية العصر الحاسوبية ومستقبل الأجيال الواعد بفضل هذا الأختراع، ومع التصفيق الحار بعد قص الشريط، انطفأت الكهرباء، وتسارع الكادر التدريسي ليشغل المولد، فلم يوجد بانزين، ثم وجدوه، وأبى المولد ان يعمل فهو يحترم ساعات العمل المقررة واحتج لما عاناه في العراق من انتهاك صارخ لعمر استهلاك الأجهزة، ولكنه لم يقاوم ضربة من هنا وركلة من هناك فرضخ اخيرا بامتعاض وعادت مع اذلاله الكهرباء لتنور دربنا الى قصر التكنلوجيا .. مختبر الحاسوب الموعود، واذا بجدران المختبر تملأها الزينة وكأنها حفلة عيد ميلاد في رياض الأطفال مع ان المدرسة ثانوية، وقامت مدرسة الحاسوب باستعراض قدرات المختبر على نشر الثقافة الحاسوبية للضيوف، وكيف ان هنالك انجاز هام قد حصل بدخول الأنترنيت لهذا المختبر الحاسوبي والذي يتوفر في جهاز حاسوب واحد يقابل اكثر من ثلاثمائة طالب وعشرات المدرسين،لو اصطفوا خلف الجهاز لكان نصيب كل واحد منهم هو الضغط على مفتاح انتر قبل انتهاء الدوام الرسمي ولعل السنة الدراسية لا تكفي لباقي مفاتيح الكيبورد ولكن لنكن اكثر تفائلا لأن نظام الدورات التكميلية للتقوية في العطلة الصيفية قد تتيح فرصة لمس الماوس بواقع لمسة لكل فرد في اليوم الواحد !
انتهز الطلبة فرصة فترة الشرح النظري الطويلة كالعادة فالعلم في العراق يميل الى الحفظ والاستظهار بنسبة تسعين في المائة وكأننا دفتر مذكرات للعلوم التطبيقية، ذهب بعضهم الى الحانوتي.. ويقال حانوت.. وهو مكان دفن أحلام الجائعين بالطعام ومقبرة نظريات الطب وقوانين منظمة الصحة العالمية ومعتقل لحقوق الإنسان بل والحيوان فهناك انتهاكات لما يجري من غزل بين الذبان والنمل حينما يرغب احد الطلبة بالأنتحار وشراء سندويش فلافل بحيث تؤدي هذه العملية الى قطع المباحثات الجارية بين النمل والذبان لتوطيد العلاقات الجرثومية حول المقلاة منذ ايام تأسيس الدولة الحانوتية والتي كانت تعرف بغرفة درس التربية الفنية، ولكن تغذية اولادنا البدنية اولى من الروحية والنفسية والتذوق الجراثيمي لطعم العنبة التي تصلح لكي يستخرج منها غاز الخردل المحرم دوليا اهم من التذوق الفني بالتأكيد، وعلى الرغم من ثبات كون المقلاة لفلافل هذا الحانوت المدرسي كانت في الأصل تاريخيا اهم اسلحة حرب طروادة .. المنجنيق.. التي يرمى بها الصخر المتوهج نارا لفك حصار المدن المحصنة بحيث اسودت ولكن هذا الفحم هو دليل انتصار ثم ان الكاربون احد مكونات البطارية ونحن في حاجة ماسة للأكتفاء الذاتي من الطاقة وهذه فرصة جيدة لتربية طلبتنا على ان يكونوا بطارية المستقبل المشرق .
تصفيق حاد يعلن نهاية الأحتفال يدعوا الطلبة للأصطفاف في اماكنهم لتوديع الضيوف واعينهم على نصف سندويشات الفلافل التي لم يكملوها من جهة وعلى الكيك والبيبسي من جهة اخرى فاغلبهم لم تغادره ارهاصات الحصار الأقتصادي وكيف ذلك وهنا الزينة واللافتة والنفس الأحتفالي الذي يعيد للذاكرة اعياد معينة كانت تجري بذات المراسيم في مدرستهم قبل 2003،لم يبق من ذكراها في نفوسهم غير مشهد انتهاء الحفل وانقضاض زملائهم المتنمرين على بقايا صناديق البيبسي وعلب الكيك التي كان يخصم ثمنها من مذكرة التفاهم فالنفط لم يكن مقابل الغذاء بل والكيك والقصور والمرسيدس والأسلحة التي تفتك بأهلهم والغربان التي تقفز من التلفاز لتغتصب احلامهم ليل نهار .. كل هذا وغيره اختلط مع فرحة غريبة بمختبر حاسوب لن يقدر على حساب معادلة شبابهم الضائع في غمرة صراعات من الألف للياء،أزيلت زينة الأحتفال بعد خروج الضيوف بالكامل وعادت جدران مختبر الحاسوب للعصر الحجري كما اغلقت بابه المصفحة واطفأت مولدة الكهرباء للحفاظ على البانزين من الضياع في سبيل العلم وكأن هذه الخطوات من بناء وهدم لهذا الحدث العارض بين الحين والآخر تمر امام اعيننا كأسترجاع شريط احداث فيلم الى الوراء في جهاز عرض لدرجة ان الطلبة خلعوا قمصانهم البيضاء في اماكن ارتدائها واحتلت مكانها في اكياس حملت بها منذ الصباح كماهي بدون اثر لمكواة، فقد عزت الكهرباء عن مختبر الحاسوب والمكواة على حد سواء،وتعد هذه الخطوة التكنولوجية باضافة غرفة تسمى مختبر الحاسوب لمدارسنا قفزة نوعية بالنظر الى ان امية الحاسوب التي ربما تشمل الكادر التدريسي والطالب والضيوف المحتفلين معا بهذا الأنجازقد تدلهم الى مكان غرفة مهجورة منذ عقود لم يتم الأحتفاء بها ولا استخدامها لغير وجبات الغداء الخاصة بالمناسبات الشخصية وفك النذور وعادة ما تكون الوجبات عراقية الدسمة سببا في معانات الكتاب الذين سطروا افكارهم وامالهم في غد افضل ولم يتوقعوا يوما ان تكون كتبهم شاهدا على صواني الثريد والدولمة والحسد يملأ قلب الرفوف الخشبي من طاولة ممتدة عبر غرفة المكتبة لكونها قطعة الأثاث الوحيدة التي تحضى بالتنظيف بعد كل وجبة قراءة دسمة لكتاب طبخ عراقي بينما الغبار نفسه قد مل من التراكم على الكتب لدرجة تكوينه لوحات توازي ابداع جدران كهوف الأنسان القديم وفن رياح الصحراء بالرسم على الرمال، ناهيك عن كون احدث كتاب متوفر قد يعود لعقد الستينيات مما يعزز الأحتفاء بغرفة الحاسوب لا المطعم، اقصد المكتبة .
في الوقت الذي تتحول فيه غرفة المرسم الى حانوت طلابي لبيع الأمراض، وغرفة المكتبة لمطعم يفتح في المناسبات الخاصة، وغرفة الرياضة لمخزن لكل ما زاد عن الحاجة بما فيه الرياضة، وساحة المدرسة لمكان يرفع فيه العلم المستغيث اغسلوني يا قطرات المطر فقد مللت انتظار من يعطف علي وانا ارفع كل صباح خميس بسارية يملأها الصدأ بينما تمر من فوقي الأباتشي،وفي نفس الوقت الذي يرتجف فيه الطالب شتاء ويتصبب عرقا في صيف العراق وهو يؤدي امتحانه بدون تكييف او تلييف بعد حمام الساونا الأجباري،نتساءل بكل وقاحة ونعترض على تصنيفنا ضمن دول العالم الثالث والرابع وال..واللا عالم، ونحن نحتفل بمختبر الحاسوب !
الكاتب
سرمد السرمدي
العراق
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1108 الثلاثاء 14/07/2009)