أقلام حرة
أغنية "البوسطجية" وحرب الاذاعات بين العراق ومصر / طلال معروف نجم
تنازل عن الحكم ووقع مشروع الوحدة المصرية السورية عام 1958 .
كانت انتصارات عبدالناصر لاتروق البتة، لرجل العراق القوي والجبار نوري سعيد . بدليل قال كلمته المشهورة لرئيس الوزراء البريطاني ايدن وقتذاك، "يجب تأديب عبدالناصر"، على أثر اعلان ناصر تأميم قناة السويس .
قبل تأميم القناة بأيام زار نوري سعيد القاهرة، ودخل على عبد الناصر في مكتبه، حيث بادره الاخير قائلا " لقد دخلت بمسدسك الى مكتبي ولم أعترض"، فرد الباشا قئلا" أنا نوري باشا أدخل بمسدسي الى غرفة ملكة بريطانيا" .
تأزمت العلاقات المصرية العراقية على أثر تأميم القناة، مرد ذلك ان الامة العربية لاتحتمل زعامتان قويتان في آن واحد . في كل زمان ومكان . والتأريخ يحدثنا ان عبد الناصر ايضا، أشتبك في معارك مع زعامة الزعيم عبدالكريم قاسم. والذي يتصور أن الرئيس الراحل عبدالسلام عارف، عندما قاد انقلابه ضد أنقلابي 8 شباط، بأنه سيقدم العراق على طبق من ذهب الى مصر ناصر، كان على خطأ كبير. ومن فم المرحوم صبحي عبدالحميد سمعته يقول مرة" طلبت من الرئيس عبدالسلام ان يشرع بالوحدة مع مصر، مادامت الامور قد أصبحت كلها بيده، فرد عبد السلام قائلا" تريدني ياصبحي ان اسلم العراق الى ابو خشم الطويل" . ومات عبد الناصر وعبدالسلام وظهرت زعامة صدام حسين، فدخلا ايضا مرحلة الصراع على الزعامة . وهذا يفسر ان العراق ومصر فقط يظلان وعبر كل القرون يتصارعان على الزعامة فيما بينهما.
*
نعود الى حرب الاذاعات التي أشتعلت بين عراق نوري سعيد ومصر عبدالناصر. صحيح أن قدرات مصر الاذاعية كانت تفوق قدرات العراق الاذاعية بكثير. فقد أسس عبدالناصر أذاعة صوت العرب الشهيرة . وكان على رأس طاقمها الاذاعي الاعلامي العملاق أحمد سعيد، بصوته الجهوري الذي يأخذ بألباب المستمع. كما أن الاذاعة هذه كانت تصل الى مشارق ومغارب الوطن العربي بوضوح غير طبيعي. فيما كانت أذاعة بغداد لا يمتد أرسالها بعيدا عن بلاد الشام . وكانت تسمع بالقاهرة فقط من قبل أجهزة المخابرات المصرية . ألا ان ماكان يبثه أعلام الباشا يغيض عبدالناصر كثيرا ويستفزه . وكانت هذه البرامج تبث باللهجة المصرية التهكمية المقرونة بالشتائم . بالمقابل ايضا كانت برامج صوت العرب تهكمية مقرونة بالشتائم . الذي كان يميز برامج اذاعة بغداد، أنها تختم عادة بأغنية رجاء عبده الشهيرة " البوسطجية أشتكوا من كتر مراسيلي"، وطبعا هذه الاغنية كانت موجهة لعبد الناصر لكون والده كان يعمل "بوسطجيا" . وفي أحدى خطبه رد عبد الناصر على ذلك، بأنه يتشرف أن يكون والده "بوسطجيا" أستطاع أن يقدم لمصر ضابطا شريفا بفلوس حلال.
واستمرت حرب الاذاعات بين العراق ومصر طوال سنوات حكم الزعيم عبد الكريم قاسم، فكانت أكثر شراسة وسبابا . وعادت الحرب الاذاعية هذه، لتشتعل ثانية بعد توقيع انور السادات اتفاقات التركيع مع الكيان الصهيوني . وقد استعان العراق بالفنان المصري " عبدالغني قمر" الذي كان معارضا لأتفاقية التركيع هذه. ويوم مات قمر دفن في العراق وقتذاك بعد رفض السلطات المصريه دفنه في مصر.
*
ماذا بعد وثائق "ويكيليكس"، ومن بين ما كشفته البرقيات المتبادلة بين الزعماء العرب، ووصف الملك السعودي للمالكي بأنه "عميل إيراني" و"كاذب"، ودعوة الرئيس المصري حسني مبارك إلى انقلاب عسكري في العراق وقوله ان الولايات المتحدة يجب أن "تنسى الديمقراطية" هناك وبأنه يجب أن يكون في البلد "ديكتاتور".
في ضوء ذلك، ترى أن حرب الاذاعات هل ستعود بين عراق المالكي ومصر حسني مبارك؟. طبعا لا .. لأن دور الاذاعات أنحسر. واليوم دور القنوات الفضائية . الا أنه من المستحيل ان يلجأ البلدان الى حرب تحاكي حروب الاذاعات السابقة بينهما. بالرغم من ان عراق اليوم يمتلك قنوات فضائية تزيد على ما تملكه مصر. ولأسباب كثيرة نحتاج الى مقالة أخرى. لعل أهمها خوف مصر من ان تخسر موقعا لها بالرغم من هشاشته في العراق. وخوف عراق اليوم أن يتهم بأنه مال بالكامل الى الجارة العادرة ايران . أو أصبح ولاية فارسية بأمتياز.
............................ الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1599 الثلاثاء 07 /12 /2010)