أقلام حرة
لماذا لانتظاهر؟ (2) / عبد الرضا الوائلي
قبل البدء علينا ان نسلم ان الشعب العراقي ليس هو هذاك الشعب الذي يتحد بالجينات الوراثية مع الشعب الاشوري والبابلي وانما تمتد جذوره الى شبه الجزيرة العربية، وبالتالي عامل الحضارة الذي يتمتع به العراق كبلد منذ القدم بعيد كل البعد عن العشائر والقبائل العراقية التي جاءت مع الفتوحات الاسلامية ومثال على ذلك مازالت السنينة العشائرية كالنهوة وغسل العار تتحكم في ثقافة المواطن العراقي المدني والريفي على حد سواء.
نبدأ ببعض العشائر التي باعت الامام الحسين وتخلت عن نصرته، ومن المعلوم ان الحسين عليه السلام اول معارض سلمي ومسلح في الاسلام ضد الحكومة الحاكمة الفاسدة حكومة بني امية، نجد ان التفاعل من قبل العشائر العراقية آنذاك مع الامام الحسين لم يرتق الى المستوى المطلوب، نعم هناك عشائر عربية عراقية لها موقف مشرف ولكن هذه العشائر الكريمة لاتمثل الاغلبية التي ناصرت الامام الحسين في انتفاضته ضد الظلم والطغيان، نعم هناك عشائر كوفية تواجدت مع معسكر الامام الحسين ولكن تواجدت على شكل افراد وليست على شكل مجاميع كبيرة كالشهيد زهير بن القين البجلي، والحر بن يزيد الرياحي، وغيرهم من الشهداء الكرام. ان طبيعة مجتمعنا العراقي عشائري بامتيازوهذا البعد الاجتماعي العشائري يلقي بظلاله على الجانب السياسي.
الانكليز قبل ان يحتلوا العراق في سنة 1914 درسوا طبيعة هذا المجتمع العراقي وكذلك شعوب المنطقة العربية التي كانت تحت سيطرتها، بعد ان رضخوا لصوت الثورة في 1920 عمدوا على تنصيب شخصية عشائرية عربية على سدة الحكم في العراق، فرشحوا شيخ خزعل شيخ عشائر بني كعب لحكم العراق ،ولكن بالنهاية كانت الكفة بصالح اللمك فيصل الاول ولاسباب معروفة لايسع المقام هنا من ذكرها.
.
عندما نتطرق الى تكوين المجتمع العراقي نرى السمة الغالبة لهذا المجتمع العرف العشائري، ولامجال يذكر للطابع المدني سوى لباس العصر الحديث ولكن المحتوى بقى عشائرياً، وحتى المثقف الاغلب منا يلجأ الى العشيرة بقضاء اي معضله تقف امامه، وهذا سببه هو سبب واحد لاغير وهو ان الغالبية في المجتمع لاتؤمن بالقانون الوضعي المدني وحتى الديني، نعم في الفترة الاخيرة بعض العشائر العراقية الطيبة لجأت الى القضاء الديني كالديات ومايسمى بالفصل العشائري وفضل هذا يعود الى المرجع الشهيد الصدر الثاني(قدس). ربما سائل يسأل ماعلاقة العشيرة بالتظاهرات والثورات والانتفاضات؟ والجواب هو: لابد من معرفة طبيعة اي مجتمع ما قبل الولوج في تحليل اي قضية تخص هذا المجتمع، وعلى سبيل المثال ان طبيعة المجتمع الغربي يختلف عن المجتمع العربي من حيث الخصائص والصفات والطبيعة، مثلا ان الغرب يتقبل علاقة البنت مع الولد( البوي فريند)، اما في مجتمعنا العربي يفضلون الزنى المقنع والعلاقات السرية بين الذكر والانثى على الزواج المنقطع او مايسمى عندنا بالمتعة.
تلاشى دور العشيرة في فترة ما وتحديداً فترة مجيء البعث الفاشي للحكم، واصبح العراقي يخاف او يستحي من ذكر لقبه في المخاطبات العامة والخاصة، ولكن لم تطول هذه الفترة كثيراً بحيث النظام الهدام السابق جنح الى سلطة العشيرة واستمال العشائر له بعد انتفاضة 1991، وظهر على الساحة العراقية شيوخ جدد لعشائر اطلق عليهم شيوخ التسعين، اذن حتى النظام السابق استخدم عامل العشيرة في استتباب امنه وليس امن البلد.
اما العشيرة اليوم في زمن التغير بعد سقوط الصنم اصبحت هي القوة الفعلية للفرد، واي فرد فينا ليس لديه عشيرة قوية بتعبيرنا(يروح بالرجلين). حتى لو كنت وزيراً بحاجة الى عشيرتك، اذن السياسة بشكل عام تعتمد على خصائص المجتمع، وهذا نلاحظه في مجتمعنا، لديك عشيرة كبيرة بالعدد تستطيع ان تحظى بكرسي في مجلس محافظة او مجلس النواب، وهذا حدث مع عشيرة بني عامر او اولاد عامر كمايطلقون عليهم في محافظة البصرة اذ حظي احد ابناء هذه العشيرة بكرسي في مجلس محافظة البصرة. اذاما سلمنا بحقيقة العامل العشائري والقبلي سنسلم بحقيقة تاريخية وهي قضية الولاء، بطبيعة الحال ينقسم الولاء الى عدة اشكال، منه الولاء الديني وهو اعلى ولاء ينبغي للفرد المسلم، ولكن مع الاسف الكثير منا يجهل حيثيات الولاء الحقيقي للدين. الولاء العشائري(العصبية القبلية) وهي التي تتحكم بمجتمعنا اليوم.الولاء الحزبي(المصلحة الشخصية الممزوجة بالحزبية). الولاء للمال، وهذا مايطلق عليه عبدة الدينار، الولاء للفرج وهذا مايطلق عليه عبدة النساء، الولاء للوطن وهو باعتقادي اخر مايفكر به العراقي في الوقت الراهن وهنا يهمني الشكل الاول والثاني والثالث، اما الاول يعتبر العمدة في عقيدة المسلم بشكل عام وخصوصا الشيعي الذي يعتمد على فتوى المرجع، والشيء بالشيء يذكر كما يقال لي صديق كنا نتحدث عن مقاومة الاحتلال انها واجب وطني وضرورة اخلاقية ودينية قال لي انا اتبع مرجع واذا امر بالجهاد فانا اول المقاومين، وبعد سبع سنين مازال صاحبي ينتظر الفتوى. هكذا اعتقاد عامة الناس الذين يتبعون مراجع الدين ينتظرون الجهاد او الدفاع عن الوطن من افواه المراجع اليست هذه الطاعة للمراجع وهي بالتالي للدين هو هذا الولاء الذي نتحدث عنه، ولكن السؤال هنا اذا سالت اي مرجع تقليد عن اجازة مقاومة الظلم والاستبداد والاحتلال بالعنوان الاولي والثاني سوف يجيز لك مقاومة الظلم مهما اختلف انتماءه، والمشكلة تكمن بالعامة وليس بمراجع الدين باعتقادي تعليق الامور على مراجع الدين هروب من الحقيقة وخوف من العاقبة، اعتاد العامة في زماننا هذا على الاتكال حتى في الاعمال البيتية وفي المصنع او العمل، حتى الغربيين عرفوا طبيعة الفرد العربي او العراقي، وهناك مدير شركة الماني يدير شركة سويسرية للكمياويات يتحدث مع صاحبي العراقي قائلاً له العربي ليس رجل عمل وانما رجل سالفة وفنجان قهوة وكوب شاي، هذه حقيقة لمستها عند العرب وليس عند العراقي فقط، النتيجة ان الاتكال على الاخرين هو الذي ادى بنا الى التخلف سواء على الصعيد الاقتصادي او الفكري او السياسي وحتى الديني،وهذا الذي يجري بالعراق من سكوت مريب من قبل عامة الناس على الظلم والمصائب منشأه الاتكال على الغير ومعظم العراقيين يطبق المثال الشائع (ذبه براس عالم واطلع منه سالم) بس مو سالم ابن مدينة الصدر.
يتبع
للاطلاع على المقال السابق
عبدالرضا الوائلي
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1779 الاحد: 05 / 06 /2011)