أقلام حرة

المجلس الأعلى والرموز من آل الحكيم

وقد تكون هذه المقولة في بعض الأحيان صادقة ولها مصداقية إذا أخذنا بنظر الاعتبار بعض التجارب التي مر بها المفكرون والعلماء والفنانون.

لكن أيضا هذه المقولة لا تنطبق على الكثير من الذين يعدون أنفسهم رموزا في حياتهم وهم غير ذلك إلا بحدود محبيهم والبعض يخلط بين تكريم الرمز بعد موته وبين تناسي الناس أخطائه، ذلك لأن أدبيات الدين الإسلامي تقول (لا تجوز إلا الرحمة على الميت).

 لذا نرى الكثير ممن كان ينتقد ذلك الميت يترحم عليه ويشهد جنازته بل وأحياننا ينعته بنعوت تفوق حجمه الطبيعي.

ونحن في عجالة التأبين للسيد عبد العزيز الحكيم (رحمه الله) لابد لنا من الترحم عليه وذكر محاسنه حتى وإن كنا نرى إنه لم يكن الرمز الذي يصفه محبيه. ولابد لنا من أن نؤمن بأن الرجل كرس حياته من أجل مبدأ يحمله وهدفا يتمنى الوصول إليه وقد شاركه الكثير من أبناء الوطن في تحقيق هذا الهدف ولكن قد يختلف معه بالأسلوب والممارسة وقد يختلف أيضا في الأيدلوجية.

اليوم وبعد رحيل السيد عبد العزيز الحكيم إلى مثواه الأخير، وبعد أن نكفكف الدموع من العيون نحاول أن نكتب بتراخي أعصاب ودون تشنج بصمات للمستقبل علها تساعد في فهم المرحلة القادمة لديمومة المجلس الأعلى لأننا نعتقد أن المرحلة القادمة وإن صورها لنا البعض على أنها حلت في حياة السيد عبد العزيز الحكيم (رحمه الله) وأن السيد عمار الحكيم هو الوريث لأبيه، إلا إننا نعتقد أن الأيام القادمة ستشهد ثورة تصحيحية في بناء هيكل المجلس الأعلى أو ربما تفكيكه إلى جماعات كل جماعة يقودها قائد من قيادات المجلس الأعلى .

أن المجلس الأعلى كان يرتكز على شخصية محورية كانت هي الرابط الفعلي لبقاء المجلس وتماسك تنظيماته، وقد كانت هذه الشخصية متمثلة بالسيد محمد باقر الحكيم (رحمه الله).

فقد كانت شخصية السيد محمد باقر الحكيم أكثر قوة وكانت هي المسيطر الفعلي في تحركات المجلس حتى وإن كان يستشير المقربين في بعض المواقف ولكنه كان يتخذ القرار الذي يراه هو مناسبا.

 لذلك كانت استشاراته عبارة عن قراءة لما ينوي فعله وليس رأيا متفق عليه، وقد كان السيد عبد العزيز هو ثقة السيد محمد باقر، لذلك كان سفير السيد في كل أمر ينوي عمله أو أي موقف يريد توصيله إلى نقطة ما، ولم يكن السيد عبد العزيز مهيئا ليلعب دور القيادة بعد رحيل أخيه بل كان السيد محمد باقر وعائلة الحكيم في إيران يهيئون ولده عمار لأن يكون خليفة لعمه.

لذا نحن نعتقد أن شخصية السيد عبد العزيز الحكيم لم تتعدى محور السفير، ولم يكن موفقا في مخاطبة الجماهير وكسب ودهم لأنه لا يملك أي شيء من أدوات الخطابة والإقناع، ولكنه كان قريبا من القيادات الفاعلة في المجلس والكل يحترمه لأنه كان مسالما وهادئاً ولا يميل للمشاحنات والتفرد في الرأي، وان ظهر منه هكذا موقف فبضغط من ولده عمار.

فعندما استشهد السيد محمد باقر الحكيم في ظرف لم يكن الجميع يتوقعه حدث الفراغ الفعلي وظهرت قيادات لم تكن ضعيفة ولكن شخصية السيد محمد الحكيم كانت مهيمنة عليها، وأيضا ضعف السيد عبد العزيز قياديا وعدم قدرته على اتخاذ القرارات الحاسمة إلا بعد الاستشارة أدت إلى بروز هذه القيادات كرقم صعب في المجلس لا يمكن تجاهلها، ولكنها اصطدمت بشخصية ولده عمار الذي كان يعد خليفة لعمه وليس لأبيه. فكان لابد من إيجاد صيغة تجمع الطرفين دون أن تنفرط عقدة المجلس فكانت الشورى هي الحل المؤقت لاستمرار المجلس.

وتنبه بيت الحكيم لخطورة هذه القيادات فكان الحل انفراد السيد عمار الحكيم بمؤسسة يقودها مرتبطة بتاريخ السيد محمد باقر الحكيم تحمل اسمه وتملك كل الإيرادات المالية التي تأتي من الخارج فظهرت تلك المؤسسة (مؤسسة شهيد المحراب) يقودها عمار دون أن يكون لأي من القيادات الفاعلة دور في تأسيسها وبذلك يكون قد تخلص من هذه الأرقام الصعبة.

 بل نحن نتوقع انتهاء مرحلة المجلس الأعلى ليكون البديل هو مؤسسة شهيد المحراب لكي تتماشى ومسيرة العراق الجديد متخلصا من كل أعباء ذلك المجلس القديم وسلبياته.

 كما إننا نعتقد أن هذه الخطوة كانت بداية لتحذير القيادات في المجلس حال خروجها من الخط الذي رسمه بيت الحكيم للمرحلة القادمة.

بمعنى (إذا أردتم أن يستمر المجلس فعليكم أن تلتزموا بكل التفاصيل التي اقرها بيت الحكيم وإلا فنحن في حل من هذا المجلس).

أيضاً نحن نرى أن التحرك القادم لعمار الحكيم سيكون أكثر وضوحاً مع كل القيادات في المجلس الأعلى.

وبعد إن اختير السيد عمار رئيسا للمجلس الأعلى لابد لنا أن نحذر من انهيار هذا المجلس وانهيار تاريخه لان شخصية عمار الحكيم ليست الشخصية المحورية التي يتجمع الناس حولها بل أن أحد أسباب خسارة المجلس الأعلى في انتخاب مجالس المحافظات هو السيد عمار الحكيم . فإذا كانت هناك حكمة عند قيادات المجلس الأعلى فلابد أن يكون هناك نقدا حقيقيا لما آل إليه المجلس من تدهور ثم أن المرحلة التي يعيشها العراق مرحلة الديمقراطية ولا داعي لتوريث الزعامات. ثم هل يعقل أن يكون رجلا لا يملك الخبرة والكياسة ومتميعا ومتصنعا رئيسا للمجلس الأعلى؟ ثم هل أن بيت الحكيم افتقرت إلى هذا الحد فأصبحت لا تملك إلا السيد عمار؟.

في الحقيقة أن تاريخ المجلس الأعلى اختزل في بيت الحكيم مع تقديرنا لتضحيات بيت الحكيم ولكن هذا خطئ شائع وضاعت معه تضحيات المجاهدين وتفانيهم من أجل خلاص العراق. وقد جاء اليوم ليعود المجلس الأعلى إلى أحضان العراق من خلال تقويم المرحلة السابقة ووضع إستراتيجية مقبلة وبناء المجلس على أسس واقعية جماعية غير فردية يحتكر القرار فيها شخص واحد لا يملك أن يكون مفكرا أو عالما دينيا.

 

سلمان السلمان

أمريكا

[email protected]  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1158 الجمعة 04/09/2009)

 

في المثقف اليوم