أقلام حرة

نساء في ساحة التحرير / سليمة قاسم

توجهت مع مجموعة من قريباتي اللواتي  تلقين نفس الدعوة، وبعد مسير عدة ساعات وصلنا الى بيت قريبتي الذي كان يقع في منطقة ريفية جميلة تحيط بها الخضرة من جهاتها الاربع. استقبلتنا قريبتي ومجموعة من النسوة من جاراتها وقريبات العريس بثيابهن الزاهية وزينتهن المبالغ فيها.

تطلعت في وجوه تلك النسوة اللواتي كن يعشن على الهامش، ولم يجدن سوى الاذعان وتنفيذ اوامر الرجل، وقد صدق ظني فما تعانيه المراة في مكان ما تجد له شكل اخر في امكنة اخرى، كانت احاديثهن تدور حول ما يفعله بهن الرجال من الازواج او الاخوة او  الاباء وحتى الابناء، وما يتعرضن له من سوء التعامل والضرب والاهانة وفرض الراي، ولكن بطريقة ساخرة فيها الكثير من الهزل.

تحدثت احدى النساء عن اصرار زوجها على تزويج ابنتها من رجل لاتحبه بعد ان فشلت هي في اقناعه بتزويجها من قريبها الذي كانت ابنتها تحبه، وبعد ان طلقت الفتاة تحملت امها النتيجة، فقد اعتاد زوجها على توجيه اللوم  لها كونها هي السبب في فشل زواج ابنتها، دون ان يحمل نفسه الذنب.

كانت اغنية (لاتضربني لاتضرب كسرت الخيزرانة، صارلي سنة وست اشهر من ضربتك وجعانة) تصدح في ارجاء البيت كأنها تحكي عما تعانيه تلك النسوة، او تتنبأ عن مصير العروس التي تستعد لدخول حياة جديدة يبدو انها لن تختلف كثيرا عن حال قريباتها وابناء قريتها اللواتي يعشن نفس الظروف وان اختلفت التفاصيل.

تحدثت امرأة ثانية لاتزال في مقتبل العمر  عن زوجها الذي اصبح شيخ العشيرة رغم صغر سنه وكيف كان يجيد حل مشاكل قريته واقاربه لكنه لايجيد حل مشكلته معها، فقد كان لايكرر طلبه اكثر من مرة، وفي المرة الثانية يكون طلبه مصحوبا بضربة قوية، وبكل ما تقع عليه يداه.

وقد روت امرأة اخرى قصتها وهي مشغولة بهدهدة طفلها الصغير كيف تزوج عليها زوجها مرة اخرى، بحجة انها عاجزة عن انجاب ولد يحمل اسمه. وكانت المفارقة الطريفة ان زوجته الجديدة انجبت بنتا وهي ولدت صبيا، وحين طالبته بتطليقها رفض ذلك بحجة انها اصبحت ام ابنته.

اما اكثر النساء سخرية فقد اكدت ان تصرفات زوجها في النهار مرتبطة ارتباطا وثيقا بما يفعله في المساء، ضحكت النسوة بعد ان عرفن ما تقصده تلك المراة المشاكسة.

استمرت النسوة بسرد معاناتهن وباسلوب ساخر، فامر مناقشتها  حتى مع اقرب الاقرباء مرفوض رفضا باتا وفقا لعرف المجتمع الذي يرى في موضوعة العنف شأنا عائليا بحتا.

بعد فترة هدأت النسوة بعد ان شعرن بالتعب، وهنا جاء دوري ورحت احدثهن عن  الظلم اللواتي يتعرضن له، وكيف ان المراة هي كائن لايختلف عن الرجل في شيء، ولها حقوق مثلما عليها واجبات،  وعلى الرجل ان يحترمها ويقدر مشاعرها وانها تستطيع ان ترفض ما يفعله بها الرجل.

سكتت النسوة وكأن الطير فوق رؤوسهن، ورحن بعدها يطرحن الاسئلة عما يمكن فعله للتخلص من اضطهاد الرجل وتحكمه فيهن، اجبت عنها بوضوح وبساطة وبطريقة تتلائم مع درجة استيعابهن.

اما ام العروس ويبدو ان حديثي لم يرق لها فقد سألتني عما فعلته انا بالذات للدفاع عن المرأة، اخبرتها انني سخرت قلمي للدفاع عن قضايا بنات جنسي وكشف ما يتعرضن له اولا، وثانيا انا عضوة في  سكرتارية احدى منظمات المجتمع المدني التي لها تاريخ مشرف في الدفاع عن المراة.

كان لابد ان اطرح حلا معينا بدلا من الكلام، اقترحت مثلا تنظيم تظاهرة لنساء القرية وللمدافعات عن حقوقهن في ساحة التحرير، اما ردود الافعال فقد كانت متباينة، البعض رفضن الفكرة رفضا قاطعا، اما البعض الاخر فادركن صعوبة تنفيذها،  اقترحن ان يذهبن للساحة منقبات خوفا من بطش الرجال بهن، وبالنتيجة لم توافق اي امراة على الذهاب معي الى ساحة التحرير.

ساد صمت مطبق حين دق موبايل ام العروس، طريقتها في الحديث اوضحت ان زوجها هو المتصل، بعد انتهاء المكالمة طلبت مني ام العروس مرافقتها الى بيتها لجلب حاجة ما، اعتذرت عن الذهاب معها لكوني متعبة، وبعد مدة عادت ام العروس لكن وضعها غير الطبيعي اثار انتباهي،

وحين جاء اهل العريس لاصطحاب العروس الى بيت الزوجية، بكت امها بكاء مريرا، اقتربت منها لتهدئتها،  فاشارت الى خدها الذي احمر فهمست في اذني  ان زوجها فعل ذلك حين ذهبت للبيت قبل قليل لانها نسيت كي ثوبه، ثم اضافت بحزم عن استعداها للذهاب معي الى ساحة التحرير. 

  

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2011 الثلاثاء 24 / 01 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم