أقلام حرة

تفجيرات العراق والصراعات السياسية / كاظم الموسوي

وتتداخل معها طبعا العوامل الاخرى، وأهمها التخادم المشترك لعناصر متعددة هي الاخرى فيها، قد تكون داخلية وخارجية، متفرقة او مجتمعة معا. وهي بهذا المعنى تحمل مدلولاتها المعنية، فهي لا تحصل دون ذلك، مهما صدر من بيانات او اعلانات تتحمل المسؤولية فيها او تحمل مسؤوليتها، علنا او سرا، واقعا او افتراضا. والضحايا فيها هي الخاسرة وحدها، والمنسية غالبا، وبما ان جلها من فئات وطبقات الشعب الفقيرة والمستضعفة والمتوسطة الحال عموما، واغلبها من المدنيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في كل هذه التفجيرات والصراعات، فأنها في النهاية توصف واقع الشعب العراقي، وما آل اليه وضعه الجديد،  وأنه هو الخاسر والمتضرر والمستهدف فعلا وبشكل رئيسي (وبديهي هذا الامر هو حال كل شعب يبتلي بما ابتلى به العراق). اما الاهداف الاخرى منها فهي لتعميق تلك الخسارات وزيادة التنكيل والإثارة لما بعدها من غايات ومخططات اوسع منها. وهي الحقيقية وراء كل تلك التفجيرات بكل أشكالها الدموية وغيرها، والصراعات العلنية والمكتومة، المكشوفة والمستترة.

حين احتل العراق ودنست ترابه اقدام الغزاة الامريكان وحلفائهم من كل الجنسيات وما قامت به من انتهاكات صارخة، بدءا من جريمة الاحتلال والحرب عليه، سجلت المنظمات التي تدافع عن حقوق الانسان وكفاح الشعوب من اجل قضاياها العادلة، صفحات واسعة من جرائم التفجيرات وصناعة الصراعات والتفتيت للبنى الاجتماعية وعلى اسس مختلفة ولم تترك فرصة دون ان تتدخل فيها وتمارس مخططاتها التي تتجدد مع الازمان والأحداث منذ قاعدتها الاساسية التي اعتمدت عليها الامبراطوريات البائدة، قاعدة فرق تسد، وقاعدة العمل على استثمار خبثها في تصنيع فئات تخدم مشاريعها وتقوم بالمهمات التي وضعتها وجاءت من اجلها. ودون أي شك قامت وتقوم تلك الفئات بما يخطط لها وبما تسعى اليه وتضع له اهدافه وشعاراته وتضليله البعيد الذي يستند الى قواعد له تصنع تشويها واسعا في الوعي وتعميم الخداع بين قطاعات واسعة من ابناء الشعب الابرياء الذي يقدمون دائما وقودا في كل الحالات التي تبدأ وتنتهي بالتفجيرات والصراعات وتحت مختلف المسميات لها. وليست مشاريع بايدن وتهديدات اصدقائه من العراقيين والعرب، وجيرانهم خصوصا، إلا جزء من واقع الحال غير المخفي.

ما حصل في العراق وما يحصل دائما من مختلف التفجيرات، وما يغطيها من صراعات، تحت أي اسم او تبن لها، تصب في نهاياتها الى خدمة المصالح والمخططات الأجنبية الاستعمارية، مما يصدق القول في اسباب حصولها والاستهداف الفعلي فيها. حيث ان التجربة التاريخية في كل مراحل الحروب والاحتلال والاستعمار قدمت وأكدت على مثل هذه الوقائع والحقائق التاريخية. وليست هذه الدروس وحدها ولا العبر منها هي التي ترسم الملامح الكبرى لأية تفجيرات وصراعات لا تهتم بمصالح الشعب والوطن ولا يعنيها ذلك بل تستهدف خلافها وتعمل على تكريس نتائجها الكارثية وخرابها العام. وأية نظرة لما يحصل للدول والوحدة الوطنية للشعب وللثروات الاساسية في الوطن تؤكد ان وسائل التفجيرات وأساليب الصراعات تنظم وتخطط وتعمل لها القوى والحكومات الاستعمارية وذات المشاريع الامبراطورية. وكل ما جرى في العراق منذ الاحتلال، خصوصا، يؤكد هذه الحقيقة الواضحة. وهذا الوضوح يبين حقيقة التفجيرات والصراعات حولها وفيها.  فهي استمرار لمخططات العدوان والاحتلال والغزو التي رسمت ووضعت لها آلياتها وبرامجها وخططها، وبالتأكيد تنوّع وسائلها والمكلفين فيها، مباشرة او بالنيابة او بالتورط المقصود او عبر توفير التسهيلات والخدمات لها.

لا يمكن ان تمر تلك التفجيرات والصراعات حولها بالسهولة التي تمت بها. وهي تعكس حالات الاختناق والفشل التي انتهت اليها اغلبية تلك المشاريع والمخططات من قبل اطرافها الرئيسية. ولهذا تجري التكليفات فيها وبمن يستخدم لها. وتعني بكل وضوح انها جزء متواصل لها. ولعل في السؤال عنها وشيوعها في البلدان التي تعرضت شعوبها الى الاحتلال والغزو والاحتلال او يجري العمل على تعريضها وتقع ضمن مخططات الغزو والحرب عليها يعطي جوابا واضحا عنها وعن الاهداف الموضوعة لها. فإشاعة الخراب والتجويع والخوف وعدم الاستقرار وغياب الامن والهدوء والطمأنينة مع توجيه الخداع والضلال بآلات الحرب الاعلامية ووسائل الاتصال الحديثة وغيرها من آليات الإختراق والترهيب والكذب، والإمعان في تشويه الوعي وحرفه وغسل وتغييب الادمغة وغيرها من الوسائل والطرق والقدرات الكبيرة التي تمتلكها تلك القوى والحكومات المستفيدة منها والراعية لها، كلها تنتهي الى التعبير عن تسويغ الاحتلال وتكريس الخضوع والارتهان بما يسيء الى الشعوب ومصالحها ومستقبلها.

التفجيرات والصراعات في العراق تؤشر الى ابتلاء العراق الى زمن لا يعرف مداه منها. لقد عبدت الطرق لها السلطات الديكتاتورية وغياب الحريات والحقوق الاساسية للإنسان والمواطن وشاركتها الاحزاب والقوى السياسية التي راهنت على العوامل الخارجية وارتبطت بها، كما ساعدتها، بأشكال مختلفة قوى وحكومات عربية وإقليمية لها مصالحها او تابعيتها لقوى الاستعمار والإمبراطورية الجديدة. وهي كلها، مرة اخرى، تصب في خدمة المخططات والمشاريع العدوانية والاستعمارية وتضر بمصالح الشعب والمنطقة والأمن والاستقرار والسلم فيها. وفي كل الاحوال تظل القوى الاستعمارية التي مارست الاحتلال رسميا وراء هذه الاوضاع والحالات وهي المستفيدة منها بشكل مباشر وأساسي، وقد تكون ادواتها المباشرة او غيرها من يفعل ويتجرأ على احداثها او الاعلان عنها. مهما كانت الاعذار والحجج والذرائع التي توضع لها او تتلون بها. ووقائع الاحوال تشير بكل وضوح الى ان استمرارها دليل كاف عنها، وعن اهدافها، وتفضح القائمين بها حتى ولو ادعوا غير ذلك او اعلنوا ما يخالفها لفظيا او تصريحات اعلامية لا تصمد امام ما يجري على الارض ويمارس فعلا.

 

كاظم الموسوي

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2101 الاربعاء  25 / 04 / 2012)

في المثقف اليوم