أقلام حرة

المشهد السياسي في موريتانيا: صراعات ومسارات / كاظم الموسوي

وصراع العسكر على قيادتها، وتشابهها او اختلافها عن عدد من جيرانها بدور قادة الجيش. وما زالت تعاني رغم كل ما حدث فيها من تلك السمات الغالبة. ورغم قسوة الطبيعة عليها تظل تجربتها الاخيرة في التحولات السياسية شاهدا على امكانيات التغيير والتأثر قربا او بعدا عن محيطها السياسي. ولكن التدخلات الخارجية، وخاصة من لدن بعض الدول الغنية التي تتحرك بالريموت كونترول الصهيو امريكي، تسبب لها ولغيرها بداهة المشاكل التي هي في غنى عنها. ومعلوم ان هذه التدخلات تعمل على تنفيذ الاوامر لها بحرق البلدان وإشغالها بما لا يخدم ابناءها ولا يعينها بالتخلص من عواصف الطبيعة والرمال والجفاف المنكوبة بها سنويا. ورغم ذلك تظل القوى السياسية الوطنية قادرة على الحفاظ على ثوابتها الوطنية وساعية نحو بناء بلدها والتنمية فيه ومواجهة عواصف الطبيعة والجغرافية بقوة وثبات. وهو ما يشهد له في الميادين العامة ولكن سباق الصراعات والتدخلات والدعم الخارجي يثير في المسارات العامة قلقا وخشية من تكرار اصبح معلوما لما حصل في بلدان اخرى.

تسجل وسائل الاعلام المكتوبة باللغة العربية، وما اكثرها اليوم، على موريتانيا اليوم سعة الخلافات بين السلطة ومؤيديها والمعارضة وفصائلها، ولاسيما الاجنحة الاسلاموية. وهي في الاغلب تعبير سياسي له بنى قبائلية وجهوية داخلية محكومة بالانتساب الى موازين القوى العسكرية صاحبة القرار الحاسم في السلطة. والسلطة التي يتزعمها الجنرال ولد عبد العزيز تتمسك بالخطوات التي اوصلتها، بعد السيطرة على السلطة عام 2008 ومن ثم الانتخابات التي فازت فيها في العام التالي. والمعارضة تتنكر للعملية وتتهم السلطة وقائدها بما تقوله كل المعارضات. ويظل المحك العام هو المصالح الوطنية والمواقف منها ودورها في اتخاذ القرار السياسي. ففي الوقت الذي يصر رئيس السلطة على ممارسة سياساته المعنونة بمحاربة الفساد والإفساد الشائع في البلاد ومساعدة الفقراء من ابناء الشعب الذين هم ضحايا السياسات العامة لكل الانقلابات التي حدثت في موريتانيا يمتنع عن محاورة ومشاركة بعض القوى المعارضة التي تسعى مثله في صناعة تحولات وطنية وتغييرات ايجابية مشتركة. متمسكا بان ما قدمه من سياسات يؤشر الى تلك التحولات وتغييرها في طبيعة المجتمع خصوصا في جوانبها القبلية، والحد من المؤثرات الخارجية. مما يقدم صورة صراع سياسي بأبعاد مختلفة ومنها ما تثيره الاحداث المجاورة لموريتانيا وما حصل من انقلابات فيها، الامر الذي يعيد البلاد الى ما عاشته من سلسلة انقلابات. هي أصلا داخل المؤسسة العسكرية ولم تأت ببرامج عملية لبناء البلد وخطط استراتيجية لإنقاذ الشعب. وكلها كما تبين من تجربتها السياسية انقلابات بدوافع السلطة والثروة والمناصب والجاه مما جعل البلد يعيش في اوضاع مأساوية من الفقر والتخلف، لولا صمود الشعب وقدرته على التحمل والصبر والتمسك بمستويات من استمرار صيغ الدولة ومؤسساتها.

في اجواء ما يحصل في المنطقة العربية والأفريقية تعيش موريتانيا هواجس التغييرات وتلعب عليها التدخلات العربية والأجنبية لنقل السلطة الى ما تريده مخططاتها المعروفة. ولهذا تطرح افكار تدعو لانتخابات جديدة وهناك خشية من التلاعب فيها او تأثير المال السياسي والضغوط الخارجية. كما تطرح شعارات متأثرة بأجواء الثورات والانتفاضات العربية متحمسة لها، كإسقاط النظام العسكري او ليسقط العسكر وما شابه ذلك، دون التفكير بتداعياتها على مسارات التطورات السياسية في البلاد. ويزيد في حدة الصراع والجدل الداخلي تدهور الاوضاع الاقتصادية وقسوة الطبيعة عليها، اضافة الى عوامل اخرى، تعكسها الاحوال المعيشية المتدنية وشحة الامطار وانتشار الجفاف وهجوم الرمال والتصحر على المدن، بما فيها العاصمة نواكشوط، وتهديداتها على امور اخرى تترك تأثيراتها على الاوضاع الاقتصادية والسياحية والاجتماعية ايضا. مما ينعكس على وقائع مرة تكبد الشعب ولاسيما فئاته الفقيرة اثمانا كبيرة وتدفعه الى البحث عن لقمة الخبز وتترك لأحزاب المعارضة مجالات التحكم في قطاعات مدينية وتحريك الشارع السياسي بشعارات لا تخلو من خلفيات لها تاريخها في البلاد. وتفعل فعلها في حالات الاستقطاب والانقسام المجتمعي واحتدام الاحتقان السياسي قبيل الانتخابات المزمع عقدها.

التطورات والصراعات السياسية الغالبة على مساحة البلاد حاليا تستدعي وتحتاج بكل اشكالها الى وعي سياسي يضمن لها حماية الشعب والبلاد من الضغوط والمخططات الخارجية، ولاسيما المحركة بالمال العربي. وكذلك العمل على الحفاظ على الخيارات الوطنية والتعدد السياسي وبناء البلد لخدمة ابنائه ومصالحه ومستقبله. والاستفادة من دروس التاريخ وإعادة بناء البلاد بما يخدمه. فما حصل منذ الخلاف بين الرئيس المختار ولد داداه والنهضة وصراعه السياسي مع القوى الوطنية الاخرى وانتهائه بالانقلاب عليه ودخول البلاد في مسلسل الانقلابات العسكرية والصراعات الاثنية والقبلية طبع البلد في ما هو عليه في المشهد السياسي. وهذا الارث السياسي الثقيل عكس تجربة مشوهة للبناء والتحديث والتنمية المستدامة. ولعل في الاقتناع في ضرورة العودة الى بناء الدولة ومؤسساتها وسيادة القانون والمواطنة وحماية الثوابت الوطنية والتاريخية للشعب الموريتاني ودوره في محيطة الجغرافي والإقليمي بشكل يحميه من الضغوط والتهديدات الخارجية قضية الساعة لكل الساعين الى السلطة. وهو المحك الوطني لكل القوى الموريتانية.

المشهد السياسي في موريتانيا حاليا بين مسارات وصراعات، متأثرة بتدخلات اجنبية، تعكسها خطابات وشعارات التهديد والإسقاط بين قوى السلطة والمعارضة واحتدامها الى درجة التناقض والهروب من التفكير بما هو اهم من "كعكة" السلطة والتخلص من الصراعات الداخلية وتماثلاتها. مثلما هو الحال في غياب الاهتمام بمستقبل الدولة وحمايتها ومؤسساتها ورموزها وتداعيات ذلك على موقعها. والمطلوب ضرورة اعادة قراءة المهمات والمستلزمات لإدراك ما يسهم في انقاذ الشعب والدولة مما يخطط لهما ويحيق بهما من اخطار حقيقية.

 

كاظم الموسوي

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2133 الاحد  27 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم