أقلام حرة
عائده بهدوء الى منفى الروح والأمنيات .. قراءة في مجموعة عامر صادق الشعرية / فهد عنتر الدوخي
وهو يترجم صدق انتمائه الى واحة الشعر إذ يقول (عندما تبكي الروح،فإن في بكائها ألم، تحول الدموع الى قصائد وأشعار،تملئ بها الدنيا بالكلمات والألحان). وليس من الصعب التمعن في أبجدية هذا الكلام،عندما نجده موجه نحو ترانيم تتوغل نحو مديات موجعة، تتصافح فيها أمنيات تجدها تلهث بين السطورو بين أشراقات نهار يرتوي من ربيع مسكون بالحلم والهدوء..
عائده.. بهذا الجنون وهذا الإنصياع وبإعتراف غير مبهم تطال رؤى عامر صادق وهويدون حرقة الإحتراف الشعري في رحلته قبل أن تعود فضاءا من الشعر والطفولة والأماسي الموشحة بالحنين، هي أيام يعتصر فيها الغيث ليودع مطرا يروي جفاء الأرض اليباب، الصغار يضحون بدمى نصف وديعه، وألعابهم تمور بين الخفوت والإنطفاء، الأمهات يذرفن دموع الوداع أيذانا بإنهيار آخر صيحة حزن..عائده بهدوء الى منفى الروح والأمنيات التي ظلت تعانق الحلم على الأرتقاء، كتاب مفتوح يلتقط صورة الأفق بقصيدة مفتونة بألق السنين، ظلالها يرتجف تحت هلع الكلمات وعنفوان الشعر وهي تنحدر من سفوح يظلها لون الزهور وهدوء السحر وعذوبة المكان، هي ذاتها موجودة في صدى التغريد.. عائده من مهرجان الصخب واللاوجود الى أحضان تتنفس عبق الحياة برغبة بريئة تنشد الحب للصباحات التي لاتحجب شمسها سوى الفراشات المحلقة في فضاءات مغمورة بتراتيل حارات وطني وقد إبتلت وجنتيه بندى مفعم بأريج الرافدين..
في قصيدة (يوما ما) في صفحة23 (أغرقت الشطآن في الأعظمية، هاهي الشموع،أورقت على جدران قصرك الجميل في السيدية، هاهم الناس، الشوارع، المآذن، الكنائس تهتز على قرع خطاك المنسية)..
للفضيلة وجه يلتمع كالحقيقة، والكلمة التي تصنع الأمل والبهجة في نفوسنا هي قاموس من المحاسن والطيبات، والنفس بفطريتها تجهد نحو هـــذا الإنثيال إذ تطرب بالحكمة، بالجملة الناصعة، بالقصيدة، بالخطاب.....
في صفحة9 نقرأ من قصيدة (كتابات).. هل يسمع العصفورصوت موته وينتشي؟ وهل يعرف الربيع موعده؟ والموت فصل كل المواعيد..
تتشكل تلك الصورة الشعرية بهذه الكيفية الإستفهامية وهي ضمنيا تضع الغيب مآلا لنهاية المخلوقات وهنالك إدراك مفهوم ورمزية نثرية جديرة بالتأمل والوقوف وهي القيمة الإعتبارية للجملة عند إدراك المتلقي..
كمايقول (حبيبتي سأقسم قلبي نصفان، نصف لك والنصف الآخر لك أيضا) من قصيدة (نصفان) صفحة11..هنا قد أثبتت الجملة الشعرية وجوديتها حتى بانت مكتنزه، واضحة،إذ إجتهد ووظف حلمه بهذا الوصف الجميل بعد أن أهدى قلبه بنصفيه..
وتأييدا لما ذهب اليه وهويغرف من بحر الإعتراف بجنوحه نحو النصف الآخرففي قصيدة (رحيل) صفحة21 (كنت لي ربيعي الأخضر، وعندما رحلتي زرعت في قلبي وردة بيضاء وألف خنجر) وقبل ذلك يقول في نفس القصيدة (الربيع ياحبيتي لايزورنا إلا مرة واحدة في العمر، وأنت كنت لي ربيعي الأخضر..
إن هذا الأختيار يؤكد صحة وعمق وصواب النظرة فيه والذي أثرى عليه عفوية مباشرة وزينه بهالة من التبجيل والتوقير..
ويبقى شاعرنا يدور في فلك الوداع ويوفر له كل هذه الإحاطة الدلالية والشعرية ويوليه هذا الإهتمام لما يشكله من اسى ضمنى وهو (الرحيل) وربما هو المقصود(أذكر عند الوداع، توقفت العصافير عن التغريد، وتوقف الدم في الوريد،وبدأت الأرض تحتنا تميد..) قصيدة (حلم) صفحة27. وهنا يضئ ذاكرتي الشاعر والناقد عدنان ابو اندلس عند قراءته لمجموعتي القصصية (إنتهاء المواسم) بموضوع الإبتداء والإنتهاء
)عنصر الزمن يرتكز على محورين اساسيين هما الأبتداء والأنتهاء في تقاويم القاص)..إذ أنني أرى التوافق والتجانس جاء متلازما مع تلك الرؤية لموضوع الولادة والرحيل وهما وجهان للبداية والنهاية.
في صفحة61 نقرأ من قصيدة (تأمل ونسيان).. وفي ذائقة الوله نقرأ (دعينا نمشي معا بلا وعود، دعينا نتأمل البحر،نتأمل السماء،ننسى الدنيا، ننسى الوجود).. في دعوته هذه يبحث الشاعر عن مكامن العافية والإنشراح وقد برزت مصطلحات ذات قيمة جمالية ترمز لحالة الإستقرار النفسي والعاطفي..التأمل، البحر، السماء، الوجود، وليكمل مشواره مع المكون الآخر ..
وفي اللوحة الأخيرة (أريد) صفحة63 (لاأريد أن اكون أغنيتك، حين تكون الوسادة رفيقتك، وأنتشر مثل العطر الذي يملئ مساحة جسدك) .. لوتيسر لنا أن نضع هذه اللوحة على طاولة التحليل وصنفنا مدلولاتها والأيحاءات التي يسعى من وراءها الشاعر بعد أن أعطى الكثير ووهب كل مافي وسعه أن يهديه لها..نلحظ( أغنية،وسادة،
رفيقه،عطر، جسد..) هذه المسميات تشكل نوافذالتنير لنا مساحة من الإستمتاع والتخيل والشعور برونق الكلمة وبهاءها عندما توظف بجملة، بقصيدة، وقد تجلى ذلك بالوقوف لتامل محطات عامر صادق في رحلته مع (عائده) ولوحاته المزينة بروح الشعر...
تابع موضوعك على الفيس بوك وفي تويتر المثقف
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2156 الثلاثاء 19/ 06 / 2012)