أقلام حرة

انتهاكات معلنة / كاظم الموسوي

التي تعلنها ولا تنفذها خارج حدودها غالبا، إلا بالصورة التي باتت فاضحة وتجسيدا عمليا وواقعيا لها. وإذ تمارس الولايات المتحدة سياساتها الدولية بهذه الطريقة تفرض طابعها المميز لها المعبر عن طبيعتها وجوهرها الاصيل، الذي لا تنفع معه كل صفقات العلاقات العامة وجهود اتباعها وتابعيها والأثمان المالية الهائلة التي تبذّرها فيها. فهي تخرق قوانينها بشكل مستمر حين تواجه مقاومة اقوى وامتن ضدها. وتنتهك قوانينها ايضا حين تريد ان تفرض قوتها وسيطرتها على حساب الشعوب الاخرى والحاجات الانسانية المطلوبة. هذا ما يظهر دائما في مواقفها من حقوق الانسان عموما ومن مؤتمرات البيئة والمناخ والأرض والأسلحة المحرمة وغيرها، وكذلك في تقاريرها وتوجهاتها وتعاليمها لمن تتعامل معه، افرادا ومؤسسات حكم.

تخالف الادارات الامريكية نفسها كثيرا في أغلب ما تدعيه من قوانين وشعارات وتتجاوزها ممارسة وسلوكا في اغلب الأحيان، ودائما تقدم صورة متعارضة بوضوح، ولكن هناك من يتغافل عنها  ويبرر لها او يعمل على التضليل والخداع في كل ذلك لنفسه اولا ولغيره ثانيا وانتشار اضراره، وللأسف تقوم وسائل الاعلام ولاسيما العربية بدور تابع كليا وممنهج صارخ لها، وبديهي مدفوع الثمن مسبقا من المال ومدخرات الاجيال العربية. ولعل في التقرير السنوي الذي تصدره وزارة الخارجية الامريكية عن حقوق الانسان ما يثبت ذلك ويعري اسم التقرير ومصدره والمروجين له اعلاميا ويكشف بكل صلافة مدى الاستهتار بالمصطلحات والقوانين التي تهم حقوق الانسان فعلا، والحريات العامة اساسا. والتقرير السنوي الاخير، وعنوانه عن التعذيب والاعتقال الذي ساد في اخبار انتهاكات حقوق الانسان خلال العام المنصرم، ومتابعة الخارجية الامريكية وسفاراتها التي تتحكم في الكثير من ادارات البلدان التي تخضع عمليا لسياسات واتفاقات مقننة مع ادارات واشنطن وأجهزتها المعروفة، يعطي نموذجا اخر عن انتهاكات الولايات المتحدة واختراقاتها المعروفة للعالم والتي لم تستطع اخفاءها رغم كل جبروتها، وفضحت من داخلها وبتقارير مؤسساتها واعلامها، ولاسيما في ممارسات عنوان التقرير نفسه. ومعتقل غوانتانامو شاهد بسيط وواضح ولا يستطيع احد التنكر له او الصمت عليه. وبقاء هذا المعتقل الى اليوم يذكر بكل سجلات السجون الامريكية في البلدان التي ابتلت بالاحتلال الامريكي او بالتعاون والتنسيق والشراكة مع الادارات الامريكية، من امثال ابو غريب في العراق وباغرام في افغانستان والسجون الطائرة والبحرية في اوروبا وغيرها. وتحاول الادارة الامريكية وخارجيتها التملص من تاريخها الاسود في هذه الشؤون والحالات التي تكررها باستمرار وتتعارض بها حتى مع ادعاءاتها التي تضعها في تقاريرها السنوية. ولابد من الاشارة الى عرض بعض وقائع ما تعيشه الشعوب في البلدان التابعة لها ولكنها كعادتها تميز بينها وما تسجله فيها يمكن ان يكون  وكأنه تبرئة ذمة رغما عن الوقائع والحقائق. وتضع التقرير هذا وسيلة ضغط لها لزيادة فروضها وتقييدها لحريات الشعوب ومصالحها الاساسية.

مثل التقرير السنوي عن حقوق الانسان تصدر الادارة الامريكية تقريرا عن نشاطاتها العسكرية ومصالحها الفعلية في اتفاقيات الامن والقواعد والتدريب مع البلدان الاخرى. وهذا التقرير هو الاخر صورة اخرى لانتهاكات حقوق الانسان والأعراف والقوانين الدولية، في جوهره وأهدافه العملية. وما يكشفه التقرير عن بيع الاسلحة ولاسيما للبلدان التي اتهمتها في تقريرها الاول بانتهاكات لحقوق الانسان دليل اثبات بنفسه عن مشاركة الادارة الامريكية في الانتهاكات لحقوق الانسان. وتعبر هذه التقارير عن مصالح اللوبيات والمجمعات المتحكمة في القرار السياسي والعملي الامريكي، وفي المواقف الامريكية من القضايا العالمية والدولية والقانون الدولي والانساني، من جهة، وعن طبيعة الدولة ومصالحها المعلنة والمدعاة والتطبيقات العملية لها في واقع الحال، من جهة اخرى.

هذا التقرير (صدر في 8 حزيران/ يونيو 2012)، يشير الى أن واشنطن باعت ما قيمته 44 مليارا و28 مليون دولار من الأسلحة إلى 177 بلداً خلال العام الماضي، ومن بين هذه الدول، الإمارات وقطر و"إسرائيل" والسعودية والكويت والبحرين والجزائر وجيبوتي وهندوراس. كما تضمن التقرير إشارة إلى ثلاثة بلدان، هي مصر والجزائر والبيرو، التي شهدت ارتفاعا حادا في حالات القمع في العام الماضي، ومع ذلك زودتها بشحنات من الأسلحة الامريكية. ويثبت التقرير ازدهار ما تسميه الولايات المتحدة بـ"الشراكة" مع تلك البلدان، حيث ارتفعت مبيعاتها للأسلحة في العام 2011، بـ 10 مليارات دولار عن العام 2010، وتوقعت وزارة الخارجية أن تشهد المبيعات زيادة 70 في المائة خلال العام المقبل. والزيادة بشكل أساسي من الشحنات المرسلة إلى السعودية والبرازيل والهند. هذه المعلومات التي تنشرها الادارة الامريكية، رغم ما تحتويه، لا تعكس بالضرورة الوقائع كما هي، او بمصداقية وشفافية كاملة، اذ اصبح معلوما ان الادارات تمارس فيها ايضا اساليبها في الخداع والتضليل ومحاولات الهروب من الملاحقات القانونية او الاجراءات الرسمية، وتظل انتقائية بكل الاحوال، ورغم كل ذلك تعلن هذه التقارير حقائق صارخة وإثباتات كافية لحجوم الانتهاكات والخروق الامريكية لقوانينها اولا وللقانون الدولي ولحقوق الانسان ايضا. وتتظاهر بأنها تشارك الامم المتحدة فيما يطرح فيها من اتفاقيات عالمية تسعى اعلاميا لفرض تقديم تقرير سنوي مفصل عن الاسلحة التي تصدرها. وتستبق الادارة الامريكية ذلك ضمن التنافس فيه مع غيرها في فرض وصايتها العسكرية وسياساتها الاستراتيجية المعلنة منها.

كاظم الموسوي

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2166 الجمعة 29/ 06 / 2012)

في المثقف اليوم