أقلام حرة

لا تنسوا غوانتانامو..! / كاظم الموسوي

الامريكية حوّلتها إدارة الرئيس الامريكي بوش الثاني الى معتقل لـ 799 سجينا "مسلما"، بعد احداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الامريكية، التي لم تكشف اسرارها بعد مرور كل تلك الفترة عليها. هذا المعتقل اعتبر وصمة عار امريكية بامتياز، حتى عد مثيلا او بديلا لتمثال الحرية الذي نصبته امريكا شعارا لها امام العالم.

اطلق الرئيس بوش الثاني وهو يشن حملته العدوانية تحت ما يسمى بمحاربة الارهاب، وآلته الاعلامية، على المعتقلين "اسوأ الاشرار" و"المقاتلين الاعداء" وأقام لهم محاكم عسكرية استثنائية، تحت سمع وبصر العالم ومنظماته التي ترفع شعارات الدفاع عن حقوق الانسان والأمم المتحدة ومجلسها الخاص بالحقوق الموجهة من دوائر اجهزة الولايات المتحدة والبنتاغون الامريكي. رُحّل عن المعتقل اكثر من ثلاثة ارباع من مر بالسجن وأنصفتهم المحاكم الوطنية في بلدان حليفة للولايات المتحدة، كبريطانيا وفرنسا والسويد والدانمارك، وأطلقت سراحهم لعدم توفر ادلة بحقهم وبرأتهم من التهم التي وضعتها الادارة الامريكية وأجهزتها المخابراتية والأمنية والحربية لاعتقالهم وتعذيبهم.

الرئيس الامريكي الحالي باراك اوباما وعد بغلق هذا المعتقل وإلغاء المحاكم العسكرية ولكنه لم يف بوعده، فما زال المعتقل قائما وما زال فيه 171 معتقلا. ومنذ افتتاحه تفننت اجهزة الادارة الامريكية في نمذجة الاساليب التي تمارس فيه وتكرارها في السجون الامريكية الاخرى التي اشرف عليها او تحكم فيها في افغانستان والعراق وغيرها ممن تفضح كل مرة في وسائل الاعلام الغربية عموما. وما حصل في غوانتانامو من فضائح كشفتها ايضا وسائل الاعلام الامريكية خصوصا ومن ثم وثائق ويكيليكس وعرت كل الشعارات البراقة المخادعة التي تترنم بها الادارة الامريكية ومؤسساتها وأتباعها وخدمها، ونشرتها بعد كل ذلك شهادات المعتقلين انفسهم بعد اطلاق سراحهم. ومنهم من وثقها في كتب منشورة ومقابلات تلفزيونية موثقة، وهي كلها ادلة صارخة عن انتهاكات حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني، واثباتات دامغة عن جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب معلنة بدون حاجة لشهادات اخرى. وقد يكفي ما يحفظه العالم كله عن صور المعتقلين من البشر الذين يظهرون بملابس برتقالية وأكياس على رؤوسهم، ويتعرضون لمختلف صنوف الاضطهاد النفسي والجسدي في أوضاع مخزية، لا تليق وتتواءم مع ما تدعيه الولايات المتحدة اليوم من حضارة انسانية وفي هذا الزمن والتاريخ والعلاقات والتطورات التقنية.

روى احد المعتقلين ما حدث معه في غوانتانامو عن وضع "أدوية له في الطعام لمنعه من النوم كما أشعلت أضواء النيون على مدى أربع وعشرين ساعة، في زنزانة معدنية بطول مترين وعرض 1,5 متر مع موسيقى أفلام جنسية بأعلى صوت وملابس يجرّدونها للمعتقلين لعشرين يوما مع تشغيل المكيف بقوة". واضاف عن خضوعه "لكهرباء في الساقين" وقارورة غاز يفتحها الحارس "خمس عشرة ثانية ليتنشق منها يوميا كل 20 دقيقة على مدى أشهر". وذكر التعليمات الامريكية التي قابله بها الحارس لحظة وصوله إلى غوانتانامو: "انس العالم والحياة المدنية، انس كل شيء. أنت في النار الأميركية"، وقص كيف عاش "حياة حيوان" يتلقى تعليمات صارمة "لا تمش، لا تتحرك، لا تتكلم، هذا ممنوع". وشرح آخر: استمرت معنا الأغلال لفترة معينة ثم نزعوها عنا وجعلوا ثمة عقوبات لكل من لا ينصاع للأوامر بالمعسكر، فبمجرد أن يسأل عن الرقم ولا يجيبه المسجون، أو يغطي المسجون وجهه بالبطانية يحمي نفسه من البرد وهو نائم، فيأتونه فوراً بالكلاب البوليسية، ويرشونه بالمواد التي ذكرتها مع العصي والقوات الخاصة، كأنه جيش يريد الهجوم على دولة ما!! ويتحدثون معك بالمايكروفون ويصورون بالكاميرا ويصيحون: سلم بطانيتك وانزع ملابسك أنت الآن أمام القوات الأميركية وإلا سنداهمك، كأنه فيلم، وهذا يدل على شدة تأثرهم بالأفلام. ثم يداهمون السجن ويعرون السجين تماما، لمدة شهر يبقى عريانا!!.

بعض من هذه الشهادات سجلها محامون امريكيون في وثائق لهم منشورة، كما انها صورة واضحة لا لبس فيها لمن يهمه بعد الرقص على انغام الوعود الامريكية والعزف على اوتار المديح للبيت الابيض وأجهزته التي يجب ان تحاكم بقوانين ادارتها وادعاءات اجهزتها ضد غيرهم من الشعوب والبلدان، قبل التصديق بها والاعتماد عليها.

في كتابه "ملفات غوانتانامو: قصة 799 معتقلا في سجن أميركي غير قانوني" سجل المحامي اندي واشنطن عن الضغوط التي كان يتعرض لها محامو الدفاع عن المعتقلين، حيث "تخضع جميع مراسلاتهم وملاحظاتهم للرقابة، وغالبا تمرّ أسابيع عديدة قبل أن يستعيدونها".  اما الرقيب الامريكي إريك سار الذي عمل في معتقل غوانتانامو فقد سرد في كتاب له "داخل الأسلاك الشائكة"ما شهده من سوء معاملة وحشية للمعتقلين. وقد تطوع سار الخبير في اللغة العربية في الجيش الأمريكي للعمل في غوانتانامو عام 2002. واكتشف إن ما رآه في السجن غيّر من نظرته إلى المعتقل وإلى بلاده كليا. كما كتب إن عدد محاولات الانتحار في المعتقل يتجاوز بكثير ما تعترف به الحكومة الأمريكية.. وتساءل: "لقد أصبح غوانتانامو رمزا لكل ما هو خاطئ في صورة الولايات المتحدة. إذا كنا نحاول بناء جسور مع العالم الإسلامي، ما هو الوجه الذي ننقله عن أنفسنا؟".

اما عن المعتقلين العرب فلا تزال معاناة عائلاتهم مستمرة بانتظار الإفراج عنهم. ومن الفضائح الاضافية ان هؤلاء المعتقلين من الدول التابعة والحليفة لسياسات الولايات المتحدة والتي تشاركها كل حروبها الخارجية وتمولها ولا تتمكن من اطلاق سراح مواطنيها. ومهما كانت الاتهامات عليهم فما كشف منها اثبت وبالدليل القاطع مسؤولية معتقليهم عنها وبراءتهم منها. وفضحت اغلب التحقيقات تلك المسؤولية ولكن الادارة الامريكية ومؤسساتها لا ترغب بإغلاق هذا العار. وما يحصل فيه لحد اليوم دليل كاف إلى الحد الذي جعل منظمة العفو الدولية تقول أن معتقل غوانتانامو الأمريكي يمثل همجية هذا العصر.


كاظم الموسوي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2178 الاربعاء 11/ 07 / 2012)


في المثقف اليوم