أقلام حرة
فهل يستوي الذين يقتلون والذين لا يقتلون؟ / سلمى بالحاج مبروك
إنّه يذهلني تطفلكم الدّائم باسم الشفاعة والهدى وارتجالكم المواعظ على منابر اللامتناهي / فكم خيّب ظنّي يقينكم المتهالك على ربوة الغيب... يؤسفني جدا أن أهمس في آذان أرواحكم المتعبة من تمردنا على جبل يقينياتكم: أننا ما عدنا نحتمل زوارق حكمتكم الورقية المبحرة في اتجاه بوصلة الغموض ولم نعد نحتمل افراطكم في تزويق آذاننا بأقراط عبوديتكم فأنتم لستم في خدمة آلهة واحدة بل لكل نبيّ فيكم آلهته التي يسهر على خدمتها وطاعتها . فكم يزعج الأحرار أن تطلبوا لهم الغفران والوساطة حتى يعبروا جسر الصّراط المستقيم آمنين .. فهل لزلتم تعتقدون أنكم تمتلكون عين اليقين... وأجسدنا من صلبه تتخفّى في روح روحه تعاند العدم وتنتصر لهاوية الحريّة . ما عاد الزمان زمانكم فها نحن نسير في اتجاه خرابنا الجميل نردد أهازيج الأعالي مكبرين بصوت الإرادة العظمى " ما عدنا في حاجة إلى سياط ترانيمكم المزعجة ومواعظكم المجحفة . فأنتم لستم سوى أنبياء للقتل لا تملكون سوى رسائل الموت المشفر ...
المعذرة أيها الأنبياء القتلة..اغفروا وقاحتنا في الحياة الخارجة عن آداب لياقتكم في اتقان فنون الإجرام، لأننا ما زلنا أحياء ولأن لنا من حبّ الحياة ما يجعلنا نخيّب ظنّ العدم فينا فنحن لا نحمل وجوها متجهّمة ولا أفكارا متورّمة بمرض الموت الخبيث الذي يصل فيه درجة التّورّم إلى حدّ أن تحبّوه لغيركم بقدر ما تحبّونه لأنفسكم...و كأن للموت درجات وللقتل أصناف ...أمّا أنا
فلا أعتقد بما تعتقدون ولا أومن بما تؤمنون فلكم دين الموت ولنا دين الحياة وإن كنتم تعتقدون أنه ثمة فرق بين القتل لأجل هدف والقتل لغاية القتل فإنّي أنبئكم بأنه لا فرق بينهما ما دامت النتيجة واحدة وهي استحضار العدم في أبشع صوره وجعل الموت "ميكياجكم" و"مسحوقكم التجميلي" الوحيد البشع " لتجميل" وجه الحياة تشويها...فهل يستوي الذين يقتلون والذين لا يقتلون ؟
ألا تعلمون أنّ القاتل لا يمكن أن يحمل سوى هويّة جينيّة واحدة تفسّر معنى وجوده وهي أنه ما وجد إلا من أجل اختبار مواهبه القتاليّة ذات القدرات المطلقة على ممارسة كلّ فنون الإبادة والتّشويه للجغرافيا البشريّة . فكم أنتم شيطانيوّن يا دعاة الموت العنيف حتّى أنّ لكم استعداد وقحا وساديّة مفرطة ليس فقط لسفك الأرواح البريئة بل الابتهاج برؤيتها وهي تنحر على مذابح تعصّبكم
أنتم أيها الإنتحاريّون المبتذلون الذين ليس لهم من مشاريع الحياة سوى تدمير الحياة الإنسانية هل يعلم جهلكم المدقع أنّكم تسيرون بنا عكس عقارب الإرادة الإلهية ؟ ففي حين تحوّل الإرادة الإلهية العدم وجودا فإنكم أنتم أيها الإنتحاريون تحوّلون الوجود إلى عدم . مهلا أيها العبثيّون هل ينتابوكم غثيان أن ننتزع منكم قبحكم وبؤس فلسفتكم وهل تعتقدون أن ممارستكم لمهنة الإنتحاري وإبادة الآخرين هو فعل أخلاقي تستحقون بفضله تأشيرات عبور لفنادق الجنة الفاخرة لا لشيء إلا لتوهمكم بأنكم تقتلون لأجل هدف إلهي سامي فمتى كان قتل الآخرين فعلا نبيلا تستحقون عليه مكافآت إلهية باذخة . فأنتم لستم سوى مجرد أغبياء لأنكم تخضعون لفكرة مخادعة تجعلكم تقبلون على موتكم بشهية مفتوحة بقدر نقبل نحن على الحياة وعندما تبدء "ماكنة " إنتاج المعتقدات الخاطئة في العمل فإنه يصعب إيقافها فتنغمسون في لعبة الإعتقاد بأن تفجير الآخرين وقتلهم في عملياتكم الإنتحارية إنما هو جهاد مقدّس وتولعون بالفناء الذي هو في نظركم تخليد لجوهرية حياتكم حيث تبدو أعينكم متجه صوب المكافأة الأبدية التي تنتظركم في عالم الآخرة . إنكم تتصرّفون كشهداء مزيفين معولين على رشوة حرس الجنة من الملائكة بأشلاء جسد هو في جوهره موت وفناء قبل إتخاذ قرار إماتتكم له فأنتم لم تستحدثوا الموت ولن تجعلوه حدثا إستثنائيا وإبداعيا مفاجئا بل كل ما تفعلونه هو تكرار قرارات الطبيعة العمياء . فلا يأخذكم الغرور إلى وهمكم المسكين حين تعتقدون أنكم تملكون القدرة على إفناء الآخرين بافناء ذواتكم حتى وإن اغتصبتم من الله إحدى قراراته الجريئة وعاندتم قدرته وشاركتموه امتيازه الإلهي في القدرة الكلية على السطوة على تجارب الوجود والعدم فلم يكن التدمير فعل أصيل حتّى وإن إدعيتم نبل الغايات فالغايات النبيلة تتحول إلى غايات حقيرة حين تكون الوسائل التي تؤدي لها قذرة ... إن المسافة بين الشهيد الحقيقي والشهيد المزيف كالمسافة التي تفصل جنة عدن عن جحيم صقر... فإن كان الأول يبذل موته كي يحيا الآخرون فإن الثاني يمنح نفسه موتا كي يموت الآخرون ...فهل يستوي الذين يقاتلون والذين يقتلون ؟/
الكاتبة التونسية سلمى بالحاج مبروك
تابع موضوعك على الفيس بوك وفي تويتر المثقف
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2245 الأثنين 15 / 10 / 2012)