أقلام حرة

"ذاكرة بغداد" خطوة وفاء وتطلعات لتستعيد مدينة الألف ليلة ضوعَها العطر / اسماء محمد مصطفى

من ترد ٍعبر عقود من الزمن، نتألم أن تكون حالها اليوم غير ماكانت عليه في الماضي السحيق الجميل . هذا التناقض والفارق بين الحالين بهما حاجة الى نظرة متفحصة، والى تكاتف أيادي الشرفاء لتضميد جراح بغداد وإعادة بنائها ليس من ناحية الصروح اوالمباني فقط وإنما من خلال تنقية بغداد من كل شوائب التخلف والتردي التي تخللت مختلف جوانب الحياة فيها، الأمر الذي يتطلب جهوداً مخلصة وأفكاراً نافعة من عقول نيرة يكون شغلها الشاغل إعادة البهاء والجمال الى هذه المدينة العريقة، لتستعيد مكانتها الثقافية والعلمية، وتكون مجدداً كما عرفتها البشرية وخلدها التأريخ والأدب، تلك التي اقترن اسمها بالشعراء والصور، تلك التي كانت ذهبَ الزمان ِ وضوعَه العطرَ، تلك التي احتضنت  ألف ليلة وليلة فكانت مكملة الأعراس يغسلُ وجهها القمرُ .  تلك التي كانت أم الدنيا، حين قال الجاحظ عنها  : مَن لم يرَها لم يرَ الدنيا ولا الناس . تلك التي لم يكن ثمة أفضل منها وأطيب، كما قال عنها خطيبها البغدادي، بعد أن سافر الى الآفاق ودخل البلدان من حد سمرقند الى القيروان، ومن سرنديب الى بلاد الروم .

 

ووسط هذه الشجون والتأملات والتطلعات لبغداد أجمل وأرقى، يأتي موقع ذاكرة بغداد الألكتروني الذي انطلق ابتداءً من 16 من تشرين الأول 2012 خطوة وفاء تجاه هذه المدينة التي كانت مركز الحضارة ومحور إهتمام العالم ذات زمان .. لعل أرشيفها  يهز النائمين الضالعين في تشويهها وإهمالها وترديها، ويستفز المثقفين ليحشدوا جهودهم من أجل أن يكونوا، بالفعل، الطليعة التي تقود بغداد ومجتمعها الى واقع أفضل مما هي عليه الآن، باعتبار أن بغداد هي نواة العراق، وصلاح حالها يمهد لصلاحه .

 

ومع انطلاق موقع ذاكرة بغداد في موقع دار الكتب والوثائق الوطنية الألكتروني ليؤرشف موروث المدينة المادي وغير المادي، تكون الدار قد أضافت مشروعاً ثقافياً جديداً في عالم الإصدارات الألكترونية، فقبل موقع الذاكرة أصدرت الدار مجلة الموروث الثقافية التي تعنى بالثقافة وعالم الكتب والمكتبات وتراث البلد وأرشيفه .

 

واليوم يأتي موقع ذاكرة بغداد ليؤرشف كل مايتعلق ببغداد من موروثها المادي وغير المادي، نظراً للمكانة التأريخية التي تحتلها بغداد في العالم منذ أقدم العصور .

 866-asmaa

الموقع بإشراف الدكتور سعد بشير اسكندر المدير العام لدار الكتب والوثائق الوطنية، وإدارة تحرير الصحافية أسماء محمد مصطفى مديرة الإصدارات الألكترونية في الدار، وإخراج المصممة إيمان عبد الحميد شوكت مديرة شعبة الأنترنت في الدار .

 

أسرة تحرير الموقع أوضحت،  في مقالها الافتتاحي، الأهداف التي من أجلها خصصت دار الكتب والوثائق الوطنية موقعاً يوثق موروثات بغداد، يمكن أن يكون مرجعاً للباحثين والمهتمين .  وجاء في المقال الافتتاحي :

 

" لبغداد مكانة في ذاكرة العالم،  فهي الحاضرة التي نهلت منها الأمم أسباب العلم والرقي عندما كان الظلام يخيم على معظم أرجاء المعمورة .

وفي رحلة بغداد، منذ تأسيسها في صدر العصر العباسي، الى يومنا هذا، كتب الكثير، وروي الأكثر، مثلما تركت بغداد  على مستوى العمارة، والبناء والفعلية الحياتية، مايستحق أن يقال عنه الكثير.

إن بغداد هي الحكاية التي تغنى بها الشعراء، وتفنن بها الرسامون والمصورون وهم يغوصون في أعماقها الغائرة في سفر التأريخ، لكي يعيدوا قراءة مدينة انبثق من ثناياها شعاع التأريخ الذي أنار الدنيا، وهي أيضاً، المدينة التي تعرضت الى النكبات والمحن، وعركتها التجارب، وتوقف عند أهوالها الشعراء والمؤرخون،  ليدونوا سيرة مدينة، ظلت تصر على الحياة ولم تعرف الاستسلام، لأن الإصرار على الحياة والإبداع  يبقى فيها وفي عروقها أزلياً .   

ولم تكن بغداد محطة في رحلة حضارة، وإنما محور ومنطلق ورسالة تشربت معانيها جذورها الضاربة في أعماق الأرض " .

 

وجاء أيضاً في المقال الافتتاحي :

"حين تسير في بغداد اليوم، لابد أن من أن تمر بعصور مختلفة، تركت بصماتها على أكثر من مكان منها، فهي الماثلة حتى اليوم في العصر العباسي بشواخصه الماثلة للعيان وكإنها تعيدك الى أكثر من ألف عام، فتعيش تلك الأجواء وتتلمس آثارها الحية، التي تركتها لنا أيامها الطويلة الحافلة بالأحداث والمآثر الكبيرة التي سجلها أبناؤها وهم يكتبون حكايتهم وحكاية مدينتهم الباسلة للتأريخ .

بغداد كانت وستبقى قبلة الباحثين والمهتمين، لأنها منجم الحكايات التي مازالت تترك آثارها على العالم حتى اليوم .

لهذا ارتأت دار الكتب والوثائق الوطنية أن تخصص في موقعها الألكتروني مساحة تؤرشف  هذا السفر النفيس الذي يحكي قصة مدينة ملأت الدنيا وشغلت الناس، من خلال استحضار الذاكرة في مختلف مايخص مدينة السلام، كتأريخها وتراثها وثقافتها وموروثاتها وفنونها وعلومها الى جانب شؤون الحياة المختلفة الأخرى سواء المتعلقة بالماضي اوالحاضر، وعليه فإن الموقع يؤرشف ماخزنته الذاكرة الموثقة في الكتب والمجلات والبحوث والدراسات والفنون التشكيلية والآثار والصروح  وغيرها الى جانب ماحفظته الذاكرة الشفاهية عن بغداد، حيث نكون هنا برفقة عوالم مختلفة رسمتها حضارة بغداد للأجيال، حيث نجد هنا فنونها المتنوعة، متجسدة في معمارها وبصمات أمكنتها ونصبها وتماثيلها المكتنزة بأصالة بغداد والحاكية بلسانها والمعبرة عن روحها، وذلك على سبيل المثال، عبر شناشيلها ومساجدها ومتاحفها كالمتحف البغدادي والمتحف العراقي ونصب تحريرها الكائن في الباب الشرقي ونصب شهرزاد وشهريار ونصب كهرمانة وشوارع الرشيد والمتنبي وغازي ومناطقها ومحلاتها العريقة كالكرادة الشرقية وكرادة مريم والأعظمية والكاظمية وباب الشيخ وسراج الدين وحافظ القاضي والدهانة وعبر آثارها كالباب الوسطاني والمدرسة  المستنصرية وقصر شعشوع، مثلما نجد صوت موسيقاها وصدى غنائها عبر المقام العراقي البغدادي وموالاتها والجالغي البغدادي وزرياب ومحمد القبانجي ويوسف عمر وشلتاغ، كما نجد بغداد في علومها كتراثها الطبي، وفي حرفها ومهنها وأعمال أهلها الشعبية كالسقاية وصناعة السعف والسجاد والبلامة والبناء وأبي الفرارات وأم الباقلاء، وفي مكتباتها العريقة كخزانة بيت الحكمة والمكتبة الوطنية والمكتبة المركزية  والمكتبة العصرية وسائر مكتبات شارع المتنبي، وفي لهجتها الشعبية وأهازيجها وأمثالها الشعبية وكناياتها وحكاياتها كألف ليلة وليلة ومغامرات السندباد وعلاء الدين والمصباح السحري، وفي أزيائها الجميلة، وفي صحفها ومجلاتها، وأيضاً تختزن ذاكرة بغداد مكانة المرأة البغدادية عبر العصور ودورها في العائلة والمجتمع وزينتها ومعتقداتها الى جانب معتقدات المجتمع البغدادي وطقوسه وتقاليده، وأيضا نجد بصمة بغداد في لوحات رساميها ونحاتيها الخالدين في الذاكرة كجواد سليم وفائق حسن ونزيهة سليم ووداد الأورفلي ومحمد غني حكمت .

الأمر الذي يعني أن موقع ذاكرة بغداد الذي ينطلق  من الموقع الألكتروني من دار الكتب والوثائق الوطنية  يعمل على إبراز كل مايتعلق ببغداد من موروثها المادي وغير المادي، وبذلك يمكن اعتبار هذا الموقع أرشيفاً  خاصاً بالمعلومات والموضوعات المختلفة والواسعة عن هذه المدينة العريقة، يكون مرجعاً للباحثين والمهتمين".


موقع ذاكرة بغداد على  الرابط :

www.iraqnla-iq.com/baghdad%20memory/index.htm

صفحة  ذاكرة بغداد في الفيس بوك :

www.facebook.com/thebaghdadmemory

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2249 الجمعة 19 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم