أقلام حرة

اجعلوا عروش المحبة مزدحمة بكم / أسماء محمد مصطفى

مابالنا لانسعى لنرث الرموز الإنسانية التي أضاءت ظلمة العالم، بدلاً من أن نحتذي بمن أطفأوا ضوءه؟

مابالنا ننسى او نتناسى أن الحياة قائمة على الحب، كإنّ الأرحام التي حملتنا كانت تقتلنا، لا تحيينا في الظلمة لنخرج منها الى النور عراة إلاّ من البراءة؟!

مابالنا لانمعن بمغزى ذلك العري الطاهرالذي خرجنا به للعالم، كإننا بعدم التفكر فيه نريد أن نعود عراة الى الأرض إلاَ من اللابراءة؟!

مابالنا، لانأمل ونحن ننزل الى الأرض في إغماضتنا الأخيرة، أن تنمو فوق جسد موتنا، الزهور، بدلاً عن أن تبقى ذكرانا قاحلة؟!

مابالنا لانسعى لترويض الجزء المكابر من نفوسنا؟

مابالنا لانسعى الى إعادة النظر بصفاتنا، وتأملها، لنكتشف القبيحة منها، فنسعى الى تجميلها، تقويمها، لنكون محبوبين؟

مابالنا نسخر من معتقدات الآخر؟ ونسفه عقله وفكره وثقافته؟

مابالنا نمارس دكتاتوريتنا بشكل يومي في حياتنا، بينما ننتقد دكتاتورية حكامنا؟

مابالنا نفخخ حياتنا بعبوات الكراهية، ونحن نرى الموت كل يوم بمفخخات الإرهاب؟

مابالنا، ونحن نستنكر أساليب الإرهاب، صرنا إرهابيين أسوأ منهم، إذ نسفح القيم الإنسانية السامية؟

مابالنا نغار من نجاح الآخر ونحسده لتميزه، وياليتنا نغار منه ونحسده بصمت من غير جعجعة ، لكننا نأبى إلاّ أن نحمل مشارطنا التقبيحية لنجري عمليات التقبيح على كيان هذا الآخر المبتلى بالتميز؟!!

مابالنا نحكم على سلوكيات الآخرين بمنظارنا فقط وبمقاييسنا وطباعنا كإنها هي المثلى، ومقاييس سوانا لا؟

مابالنا لانتمهل قليلاً قبل أن نطلق أحكامنا؟

مابالنا لاننظر أبعد من أنوفنا، كإن لامتسع للحياة او الحقيقة خارج كياننا؟!!

مابالنا نكتفي بالنظر بعينين فقط، ولانجرب متعة النظر للعالم بعيون الآخرين، كي نرى لوحة الحياة من كل جوانبها وزواياها، فنفهم ونصبح أقرب للحقيقة؟!

مابالنا لانضع هامشاً إننا على خطأ، مهما وثقنا أننا على صواب؟

مابالنا نخدش الجمال بمخالب القبح والحسد؟

مابالنا لانستخدم لغة الورود في كلامنا بحق بعضنا؟

مابالنا لانعرف كيف ننتقد او نبدي آراءنا بلاتجريح او تهكم او تقليل من قيمة الآخر؟

مابالنا نقابل قسوة الحياة علينا بقسوة مماثلة لكن علينا أيضاً؟

مابالنا لانتلطف، لاننزل عن أبراج غرورنا، لانفكر بتأثير الكلمة الفظة او الفكرة القاتلة قبل أن نتهور ونطلقها؟!

مابالنا نتعالى بأسماء قومياتنا او أدياننا او طوائفنا او بلداننا او ثقافاتنا او موروثاتنا او حضاراتنا، ونحن في الأول والآخر من الأب نفسه والأم نفسها؟!  

مابالنا لانفتح صناديق رؤوسنا، ونخرج أدمغتنا وعقولنا، لترى الشمس، فيمنحها النور مدىً أوسع للرؤية؟

مابالنا .. أيصعب علينا أن نكون أجمل؟ وأرقى؟ وأنبل؟ وأحبَّ؟!!

أم إننا بتنا مخلوقات منومة مغناطيسياً من قبل غول الكراهية، اوغسلت الحروب والضغوط والخيبات أمخاخها، وحولتها الى كائنات عصية على الحب؟!!

مابالنا لانواجه غسل المخ هذا بغسل الروح من ملوثاتها؟!

لست أدعوكم لتكونوا ملائكة، فهي كائنات حيادية الفكر والشعور، لكنني أدعوكم لتكونوا خلاصة إنسان .. والوصفة ليست عصية، لكن لابد من خطوة أولى لتهذيب النفس وتشذيبها ..

هل يصعب عليكم أن تتنزهوا من الغيرة والحسد والكره والحقد والسخرية والنميمة والنفاق وما الى ذلك؟

الوصفة الإنسانية التي أقدمها هنا فيها شيء من تلك الصفات والسلوكيات ولكن بمنظور آخر لايهدم بل يبني :

غاروا .. اطمعوا .. اسخروا .. اقتلوا .. إرهبوا ..

غاروا .. نعم غاروا من نجاح الآخر، لكن غيرة بيضاء تحثكم على أن تطوروا من نفوسكم وتنقوا من أرواحكم وتقدموا الأفضل للبشرية؟

غاروا من جمال الآخر الروحي، لكن غيرة جميلة تنقي قلوبكم من الشوائب فتصبحوا أجمل ..

اطمعوا .. نعم اطمعوا بمايمتلكه الغير، لكن طمعاً أبيضَ يجعلنا نعمل من أجل الفوز بالأفضل .

اسخروا .. نعم اسخروا لكن من ضعفكم الذي يحول بينكم وبين تنمية سماتكم الروحية .. علكم بعد موجة السخرية الضاحكة تطلقون دمعة تندي قلوبكم وتمسح شوائبكم ..

اقتلوا .. نعم اقتلوا .. لكن مافي نفوسكم من ضغائن ..

إرهبوا وفخخوا .. لكن وجهوا مفخخات مشاعركم نحو الكراهية والحسد ..

قد يغلب الطبع التطبع، لكن لابأس بالمحاولة .. فقط حاولوا تذكير أنفسكم، حين ترتدون عن طريق السمو .. الروح قد تحتاج الى مفكرة هي الأخرى ..

افتحوا صناديق العقل تلك ..

افتحوا صناديق القلب تلك ..

ودعوا فراشات المحبة الخالصة والحكمة الفاضلة تنطلق منها الى من حولكم .. مثلما أطلقت باندورا فراشات الأمل الى العالم .. لكن الفارق بينكم وبينها إنها اسطورة تجَمِّل الواقع القبيح، أما أنتم فستكونون واقعاً مؤسطراُ، لشدة جماله .. إن فعلتم ..

انبشوا في ثنايا القلب والروح، واعثروا على فراشاتكم ..

فراشة منك وفراشة مني وفراشة منه وفراشة منها .. يغرق العالم بزحمة الفراشات، لكن ما أجمله من غرق .. يجعلنا محبوبين أكثر .. فمن منا لايرغب بأن يكون محبوباً؟!

أحبوا أنفسكم، نعم إحبوها، لكن أحبوا الآخر أيضاً .. فكلما أحببتموه زاد نصيبكم من المحبة والحكمة .

لايشعر بمتعة هذا العرش الروحي إلاَ من احتل حبه قلوب الآخرين .. ياليتكم تجربون .. حتى نرى عروش المحبة مزدحمة .. بكم .

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2275 الخميس 15 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم