أقلام حرة

إعصار جاسمية وتجربتي مع الأختين مطرة وطينة (حفظهما الله) الى يوم لاطيناً فيه ولاماء

بإدراج اسم جاسمية الى قائمة الأعاصير والى جوار ساندي الأميركية 2012 . وهاهو إعصار جاسمية يغرق بغداد كما اعتدنا خلال سنوات مضت من غير أن تضع أمانة بغداد حلاً جذرياً شاملاً لشبكات تصريف المياه الثقيلة ومياه الأمطار .

وعليه فإن ّ إعصار جاسمية ليس الأول من نوعه في العراق، حيث سبق أن ابتلعت أعاصير سابقة بغداد من غير أن تسمى، ومن بينها إعصار مائي كانت لي معه تجربة شخصية حين وجدت نفسي أعجز عن الوصول الى منزلي في يوم شديد المطر شديد الغرق قضيت فيه معظم النهار برفقة الأختين العزيزتين على العراقيين مطرة وطينة حفظهما الله لنا ذخراً ليوم لاماء فيه ولاطين .

كان ذلك اليوم من أيام عام 2008، الذي كتبت مذكراتي عن مطرهِ وطينه، ولكن بلغة فصيحة ممزوجة بالعامية، وأظن هذا المزج مناسباً لتتناغم معه جاسمية الشعبية وهي تقرأه:

السبت المؤرخ 25 من تشرين الاول 2008، كان عيد ميلاد التوأم مطرة وطينة، (وياعيني شلون عيد ميلاد سوته مطرة، ركَصت ركَص على روسنا، وأختها تدكَ أصبعتين)، وهما تغرقان بغداد، لأنّ أنابيب تصريف المياه الثقيلة والأمطار كانت مغلقة ومليئة بالأزبال، ولأن الشوارع مليئة بالحفريات، حيث نرى بين حين وآخر عمال الأمانة يحفرون هنا وهناك ويعملون، وبعد الحفر يتركون الرصيف والشارع عبارة عن حفر وتخسفات وأنقاض، ومن بعدها لانرى عمالاً ولاآليات ٍهناك .. ومن ثم نسمع أن المقاول اختفى وقد ابتلع مبلغ المقاولة تاركاً الشارع والرصيف للحفر ونضح مياه المجاري، وحين تمطر تصبح بنا حاجة ماسة الى زوارق او جزم نلبسها لنمشي في الطين مطمئنين .. (ولو أحنا مطينين من كَاعنا بهالشوارع الزحمة والمكَطعة .. والكَاطعة كَطع من عمرنا، كل يوم نروح للدوام ونرجع ونشغل وكتنا الضايع بالشوارع المسدودة، بالحجي وتكريزة الحَب، وبيوم المطر نكَرز حب شمسي قمر لأن نفتقد الشمس ونتذكرها بالحَب .. ولو إحنا كل يوم مفتقدين بالعراق .. الشمس أجمل في بلادي من سواها .. ) !!

ومما زاد الطين بلة في يوم المطر، ووسط حيرتنا بكيفية الوصول الى بيوتنا بأقل مقدار من الخسائر إنّ انفجاراً وقع قريباً منا، وأغلق الطريق، وتوقفت السيارة التي تقلنا عن السير مرغمة، الى أن فتح الحرس الوطني الموجود هناك طريقاً بديلاً . (ويابه شلون طريق ؟!! عبالك فينيسيا، شنوهالماي الصافي، شنو هالريحة الطيبة، سبحت السيارات سبح مثل السمج، من يطلع من الماي يموت .. لا، وخطية اكو فد واحد طمس بنص الماي وراح حاير بسيارته اللي انطفى محركها بسبب تسرب الماي للمحرك، وعائلته كَاعدة بالسيارة تتنظر الفرج .. هم جان اكو واحد يبيع بنزين، كاعد بنص الماي على تنكة وكَدامه دبات البنزين، ولا كأنه ! عبالك ملك زمانه )!!

أما نحن فكنا من الرعايا المساكين، ننتظر عبور الشط، وكإنّ السيارة تردد مع كل صوت ناجم عن إدارة مفتاح السيارة: (عبرت الشط علمودك .. خليتك على راسي) وكإنها عدت توصيلنا منة علينا !

عموما، استطاعت السيارة أخيراً أن تخرج بنا من بحيرة البجع الطينية، وتنفسنا الصعداء لاعتقادنا أننا تجاوزنا المشقة وسنصل الى بيوتنا، فإذا بالشارع الذي سرنا فيه مغلق .. (يابه ليش، محد يدري، اشصاير ما صاير .. ؟! اخاف الامريكان ديمرون على درب اللي يمرون .. بسيطة ترى الامريكان اصدقاءنا من جنا صغار نلعب سوية دعابل بدربونتنا، من نخسر إحنا ننطيهم دبة نفط، ومن يخسرون هُمه يرمون علينه نيران صديقة ) !!

أفراد شرطة المرور هناك منعونا من استكمال المسير، فسألهم السائق كيف نصل إذن ؟ قالوا له: لانعرف .. ومع إلحاح السائق، انفعل أحد أفراد الشرطة وحاول رفع لوحة الأرقام من السيارة عقاباً، مما اضطر السائق الى الانطلاق فوراً مستديراً، ثم طلب منا النزول قائلاً إننا سنجد سيارات تقلنا في بداية الشارع . وكان علينا حينذاك أن نمشي الى نهاية الشارع تحت المطر الغزير !

انطلقنا مسرعين .. ملابسنا مبللة، والأطيان قد غطت ثيابنا .. كإن الغيوم تمطر مطراً طينيا ً .. كان هناك آخرون يركضون أيضاً، مع إن غالبيتهم يعانون آلآم المفاصل ـ أليس معظم العراقيين مصابين بأمراض في مفاصلهم، لأسباب كثيرة، منها صعود سلالم الدوائر الرسمية لإنجاز معاملاتهم عدة مرات في كل مراجعة، والركض وراء لقمة العيش .

قطعت الشارع وصعدت سيارة تقلني الى بيتي، وشعرت بقليل من الراحة لأنني سأصل أخيراً .. ووصلت .. وياليتني لم أصل !! وجدت منطقتي السكنية غارقة في المطر والمياه الثقيلة .. والروائح التي تزكم الأنوف .. وبدأت بالسير مجدداً، لأن السيارة لم تستطع دخول المنطقة بسبب المياه، مما اضطرني للنزول على مسافة منها . وصلت وقت الغروب، مع إنني غادرت مقر عملي ـ الجريدة ـ ظهراً .

وفي تلك الليلة غرق بيت أحد الجيران تماماً، فاضطروا الى المبيت في إحدى مدارس المنطقة .

بعد كل هذا الغرق، صرحت أمانة بغداد في الفضائيات أنها مسيطرة على الوضع !!!

وبفعل هذه السيطرة نشهد كل شتاء عرس مطرة وطينة، ومع اقتراب كل شتاء وقبل كل عرس مطري طيني هناك سؤال متكرر: ماهي استعداداتك ياأمانة بغداد للشتاء المقبل؟ ويكون ردها: (احنا مستعدين ومُسنفرين سنفرة وسنفوراً عن سواعدنا وآلياتنا، وماراح قطرة مطر اتضوج المواطنين الاعزاء، ولا ذرة طين تلزكَ بجعوب احذيتهم) !!

فياعزيزة بغداد، ياأمانتها العتيدة، لاتأبهي لمشكلة المواطن مع المطر، فالأخت مطرة تنفع زرعنا، وقد تنقذ دجلة من التصحر، عسى مطرة بعد مطرة يمتلئ دجلة الحزين كيداً بمن يريد قطع الماء عن العراقيين، مثلما قطع سارقو المال العام وإرهابيو السياسة الأمل في تحسن الوضع العام .. وهؤلاء يمثلون مطرات وطينات من نوع آخر .. وهم بلاء ابتلينا به وقد حولوا زمن البلد الى مواسم فساد وعصابات وسرقات بلا وجع ضمير، وهي مواسم الإثراء من مال العراق وسرقة شعبه ومصادرة أبسط حقوقه في الحياة الكريمة، الأمر الذي جعله ييأس من الغد، وربما لايعقد الأمل حتى على حلم بأن ثمة من يخلصه من همومه ومتاعبه في زمن مطرة وطينة، ومن ثم جاسمية بإعصارها، وربما تغار هاشمية وسعدية وخيرية وحسنية من جاسمية لأنها غدت مشهورة بإطلاق اسمها على اعصار بغداد المطري، ويطالبن بأن تطلق أسماءهن على أعاصير وبراكين ورعود، وإن كان إطلاق أسماء إناث على الأعاصير يثير حفيظة النساء .

ولكن لمن يغيظهن اقتران أسماء إناث بغضب الطبيعة بدلاً عن اقترانها بجمالياتها، أبشرهن بإن عجاجة جويسم (وهذا اقتراح مني لإطلاق اسم جويسم على موجات الغبار في بلادنا، حتى لاتزعل جاسمية) بانتظار بغداد بل العراق خلال السنوات المقبلة لتحيل بلادنا الى مناطق صحراوية تماماً حتى نتحسر على مطرة وطينة وجاسمية، إذا لم يظهر مخلصون يعملون على إنقاذ البلد من التصحر بأنواعه: البيئي، والأخلاقي، والسياسي !! 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2285 الاحد 25 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم