أقلام حرة

واقع تربوي متطور.. يعني عراقاً قوياً متحضراً

هذه الرعاية والالتفاتة الكريمة من قبل مكتب السيد الشهيد الصدر ليست من قبيل الصدفة او صحوة علمية متأخرة جاءت من بعد فراغ علمي (الجهل الامي) او دعاية انتخابية يحصد المكتب بها اصواتاً لقائمته الانتخابية في الانتخابات المقبلة،وانما جاءت هذه الالتفاتة والرعاية بعد قراءة ونظرة واقعية عميقة من قبل الاخوة في مكتب السيد الشهيد الصدر للواقع التربوي والعلمي المزري في العراق بشكل عام. في هذا المؤتمر الناجح طرح الباحثون اسباب وعلل تدهور الواقع العلمي والتربوي في العراق وخصوصاً في محافظة البصرة، كما طرح الباحثون الاختصاصيون في الشأن العلمي والتربوي حلول وبدائل لرفع من مستوى واقع التعليم والتربية في العراق الجديد، وقد تداخل مع الباحثين في النقاش والحوار اصحاب القرار والاختصاص وابدوا ارائهم والرد على الباحثين ببعض النقاط التي تشير الى مكان الخلل والتقصير. هذا المؤتمرالكبير لم يكن نزهة زمنية قصيرة ابتدأت في التاسعة صباحاً وانتهت عند الرابعة عصراً، بل المؤتمر اختزل فترة زمنية تجاوزت عقود من السنين، لايمكن الحديث في هذا المؤتمرالاول عن فترة الاحتلال فقط التي نعيش ايامها، وانما البحوث التي طرحت  في هذا المؤتمر تحدثت عن تراكمات السنين التي سبقت فترة الاحتلال، ولكن الحديث والنقاش قد ركز بشكل خاص على فترة الاحتلال الزمنية لاعتبارات منطقية، لان مجال التعليم والتربية في العراق قد تدهوروتراجع بشكل كبير ومفضوح وملحوظ في هذه الدائرة الزمنية في زمن الاحتلال، اذ ان المتابع للشأن التربوي والتعليم سيجد بوناً شاسعاً بين فترة الاحتلال والفترة التي سبقت فترة الاحتلال، نعم، النظام السابق قد اضعف واهمل الجانب العلمي والتربوي في عموم العراق، وركز على سياسة القتل والدمار والحروب، وعمد على تغيب دور المعلم الرسالي الملتزم بالقيم الحضارية والمعاير الانسانية، وان التعليم في العراق في فترة حكم النظام السابق قد مر بمراحل خطرة لعدة سنين بسبب الحروب والحصار التجويعي (الاقتصادي) وخصوصاً في محافظات الجنوب الحدودية مع ايران والكويت سيما محافظة البصرة التاريخية اخت اخوان الصفا وام المتصوفين ومدينة سيبويه وخزانة العرب، هذه المحافظة العلمية عانت ما عانت من الظلم الذي جرى على ارضها بعمد اوبغيرعمد في تلك الفترة. في هذا المؤتمر التاريخي تكلم الباحثون عن مظلومية البصرة وعن مظلومية باقي المحافظات المتراجعة علمياوتربوياً، وكما نعلم ان الاشارة الى الظلم والخلل وتشخيص المرض كمايعبرون لاتكفي ان لم تف بالغرض والمطلوب من دون المطالبة والمسارعة برفع الظلم عن المظلومين، من الناحية العملية الاخلاقية والشرعية ان السكوت وغض النظر وعدم الاكتراث بهموم المحرومين والمظلومين ومجاملة اهل الظلم على الظالمين هذا يعتبر عملياً مشاركة اهل الباطل والظلم والمقصرين بالنتيجة والعمل، ومن هنا قد اكد المؤتمرون في هذا المؤتمر العلمي على ضرورة رفع الظلم عن هذه المحافظات، كما طالبوا اصحاب القرار في الدولة العراقية التدخل السريع بتحسين الجانب العلمي والتربوي كي ينتشلوا رجال المستقبل من مستنقع الجهل والتخلف، والشيء بالشيء يذكر كمايقال عندما تصدى المولى المقدس السيد الشهيد الصدر( اعلى الله مقامه) لقيادة المجتمع في تلك الفترة البيضاء في تاريخ العراق عمدعلى تعليم وتثقيف الشباب المؤمن الذين اجبرتهم الحروب وحال المعيشة الصعبة آنذاك بترك الدراسة الاكاديمية والعزوف عن طلب العلم والدروس الحياتية والاخروية، كما نادى السيد المولى بضرورة التعلم والتفقه والرجوع الى المقاعد الدراسية ، وقد لاحظنا في تلك الفترة اقبالاً منقطع النظير من قبل الشباب المؤمن لاخذ الدرس في الحوزة العلمية في النجف الاشرف، وهذا الشيء ان دل على شيء انما يدل على الاحساس العالي بالمسؤولية من قبل المسؤول المتحقق بشخص السيد الشهيد الصدر(رضوان الله عليه) تجاه الرعية والاخرين، وايضا يدل هذا الشيء على الطاعة والاستجابة من قبل العامة لقائدهم الصدر ورغبة الشباب المؤمن في التعلم واخذ الدرس والتفقه في امورالدنيا والعلوم الحياتية والاخروية، وقد سهر المولى (قد) على متابعة مشروعه التربوي الاجتماعي في تلك الفترة المشرقة بوجه العدالة الانسانية وحقوق الانسان حتى في لحظات عمره الشريف الاخيرة لم ينقطع عن مواصلة ومتابعة مشروعه الثقافي الاجتماعي، بل السيد الشهيد الصدر قد اوصى اتباعه ومحبيه  بضرورة اخذ الدرس والتفقه والرجوع الى الحوزة الشريفة في حياته وبعد مماته، و قد شجع الشباب المؤمن على مواصلة مسيرتهم العلمية وحثهم على عدم الالتفات الى الخلف والمسير الى الامام ، كما ان السيد الشهيد الصدر ايضاً قد اولى اهتماماً كبيراً للجانب البيئي والجانب المادي لطالب الحوزة المجد، اذ ان الحوزة العلمية كانت مؤصدة ابوابها آنذاك بوجه الطلبة من حيث السكن ووسائل التعليم ومكان الدرس، فقد اشرف السيد الشهيد قدس الله نفسه الزكية على فتح المدارس المغلقة واعادة تأهيلها من جديد كي تكون مكاناً مناسباً للطلبة الفقراء القادمين من المحافظات الاخرى، وانا اقول للتاريخ للذين لايعرفون واقع الحوزة العلمية في تلك الفترة الحرجة كيف كان حال المدارس العلمية الحوزوية،كانت المدارس العلمية الحوزوية مهجورة وبائسة مع شديد الاسف، فكانت هناك مدرسة قبال دارنا في النجف الاشرف في محلة خان المخضر تعرف بالمدرسة اللبنانية كانت هذه المدرسة مترعاً ومكاناً امناً للجرذان والفئران والقطط، وجدارها كان مكباً للنفايات والاوساخ!!!، نحن كنا صغاراً في تلك الفترة وعندما نلعب في الشارع  نخاف الاقتراب من هذه المدرسة لانها كانت مسكونة بالجن كما كنا نسمع من كبار اهل المنطقة، وفي ليلة وضحاها واذا بهذا المدرسة تضيء نوراً وتشع علماً والفضل طبعاً يعود لله وللسيد الصدر، وهناك الكثير من القصص والحكايات لايسع المقام من ذكرها، ولكن مااريد ان ارمي اليه هنا في هذا المقال هو: ان الاهتمام بالعلم والتربية وبالثقافة بصورة عامة ليست وليدة اللحظة او صحوة علمية متأخرة من قبل الصدريين كلا والف الف كلا ، ان الصدريين طلاب علم وطلاب تربية وثقافة واجتهاد منذ نعومة اظافرهم، ومايشاع عنهم في المحافل والاخبار برميهم بالجهل والتخلف هذه اساليب تسقيطية معروفة القصد منها الاساءة لسمعة هذا الخط الشريف العلمي، نعم يوجد التخلف والجهل النسبي في شعبية هذا الخط، وهذا واقع حال في كل امة كبيرة عريضة يوجد فيها الجاهل والمتعلم وفيها الدكتور كما الفراش فيها ايضاً، لكن هذا الجهل النسبي الذي اشرنا اليه لاينسحب على القيادات والنخب الدينية والسياسية والمتعلمة والجمهور العريض من ادباء وباحثين وكتاب وفنانين ووو... في الخط الصدري، وخير دليل على علمية وتربية هذا الخط النخبوي هذه الرعاية والالتفاتة التي التفت اليها مكتب السيد الشهيد الصدر باقامة مؤتمره هذا التاريخي الاول على مستوى العراق الذي يبحث واقع التربية والتعليم المخجل في العراق.ان هذا المؤتمر الناجح قد خرج بتوصيات وصيحات ومطالب رفعها المؤتمرون للحكومة الحالية العراقية لكي تلتفت وتهتم بالشأن التربوي والعلمي، ومن اهم هذه المطالب التي رفعت هومطلب عدم تسيس التربية والتعليم لجهة حزبية او طائفية على حساب طائفة اخرى اوحزب، كما فعل السيد الشهيد الصدر الثاني مع اخواننا اهل السنة عندما امرنا ان نصلي خلفهم، وهذا دليل اخر على روح الانفتاح والتسامح لدى السيد الشهيد الصدر والصدريين مع من يختلف معهم  مذهبياً وفكرياً، اراد الصدريون والباحثون والتربيون في هذا المؤتمر ان يكون واقع التعليم في العراق حراً وليس عبداً غيرمسيس بعيد عن المحاصصة الحزبية والمذهبية والعرقية. لذلك نطالب- نحن المراقبين لاداء وعمل الحكومة من زاوية الاعلام-  الحكومة العراقية الموقرة ان تتفاعل مع هكذا نمط من المؤتمرات النافعة وان تحضر بقوة في مثل هذه المؤتمرات وليس فقط ان تحضروترعى مؤتمراتاً سياسية وعشائرية،  وان كانت حاضرة في هذا المؤتمر متمثلة بالدكتور على الابراهيمي وكيل وزير التربية ومدراء التربية في الوسط والجنوب وبعض الشخصيات المهمة في الدولة العراقية الا ان اعلام الدولة الرسمي كان حاضراًغائباً، نريد من الحكومة العراقية ان تكون حاضرة فعلاً في الميدان التربوي والتعليمي من قبيل اختيار المناهج الدراسية المناسبة مع المرحلة وعمرالطالب، واختيار الاساتذة الاكفاء في بناء واعداد شخصية الطالب، وتشيد المدارس الحديثة التي تتناسب مع متطلبات العصر، والعمل على انشاء قنوات اعلامية تعليمية،ورفع المستوى المعنوي للطلاب من خلال ندوات وبرامج تعليمية، وغيرها من المصاديق التي تقوم مسيرة التعليم والتربية في العراق الجديد. الذي لفت نظري في هذا المؤتمرالكبيرالى حدالاعجاب والافتخار هو تكريم المدارس المتفوقة والطلبة الاوائل في محافظة البصرة من قبل مكتب السيد الشهيد الصدر(قد) في البصرة، وقد كان المكتب عادلاً ومنصفاً بتوزيع الهدايا على المتفوقين،اذ لم تفرق ادارة مكتب السيد الشهيد الصدر في البصرة بين مديرة مدرسة سنية واخرى شيعية،وهذه طالبة سافرة وتلك محجبة، وانما كرمت ادارة المكتب مشكورة العلم الذي تحمله هذا الطالبة اوالاستاذة بغض النظر عن الشكليات والمظهر،وكذلك في هذا المؤتمرالكبير كرم سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد القائد مقتدى الصدر(اعزه الله) من قبل ادارة مكتب السيد الشهيد الصدر في البصرة  باعتباره الراعي الاول في الخط الصدري والعراق ولهذا المؤتمرالكبيرالناجح لمسيرة التربية والتعليم في العراق، وقد سلمت ادارة مكتب السيد الشهيد الصدر في البصرة هدية التكريم الى ممثل السيد مقتدى الصدر سماحة السيد المجاهد حازم الاعرجي.

 

عبدالرضا الوائلي

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1224 الثلاثاء 10/11/2009)

 

في المثقف اليوم