أقلام حرة

عن المرض النفسي والمآمرة

منحط فقد أصبح السائد الآن بين من يحسبون أنفسهم على النخبة هو هذا السلوك الأعوج والرد الأخرق الذي يسيئ إلى قائله أكثر مما يسئ إلى المقصود به . لقد قالوا أن الذي قتل رابين مجنون والذي قتل الرئيس الجزائري محمد بوضياف لا يقل عنه جنونا ، ومن قام بتصفية جون لينون ليس سوى معتوه وهكذا ذواليك من الأباطيل والترهات تثبت أن الجنون والاختلال العقلي – حسب ادعائهم- أقرب إليهم من غيرهم إذ بفضله تمت تصفية أعدائهم جسديا. ولو فرضنا أن السادية مرض نفسي وليس مجرد وهم فرويدي فإنهم أقرب إليها من غيرهم لما يتمتعون به من قدرة على الفتك بالعباد والبلاد والقتل بالليل وبواضحة النهار. ولو فرضنا أن المازوشية مرضا أيضا وليست حالة مفروضة على من لا حول ولا قوة لهم كفرض من فروض الطاعة أمام جلاديهم، فإننا سنلاحظ أنها عليهم تنطبق لأنهم عوض أن يفعلوا من الأعمال ما يسهل نومهم وييسره ، يرتكبون من البشاعات والمؤامرات ما يجعلهم ينتقمون من أنفسهم. قيل أن الأثرياء ساديون عموما لكني ما أرى غير العكس. فإنهم أنفسهم يظلمون، وحياتهم بالتعسف على الآخرين ينكدون. لهذا التبس الأمر على أهل الطب وذكروا السادو-مازشية ! وما هي سادو-مازوشية وإنما التباس لا أقل ولا أكثر . ومع ذلك تجدهم سباقين إلى نعت كل معارض، بالمريض نفسيا لأنه يتوجس منهم خيفة ويحسب لهم ألف حساب ويرد عليهم بالشتم أو العتاب لذلك تفتقت عبقريتهم على ما يسمى ب" الإحساس المتقدم بالإضطهاد" . كيف لا وقد قال المُغني الملتزم بهموم الشعب الشيخ إمام وهو يتحدث عن مصر بوجود مخبر في كل حي وعسكر في كل جهة وأقول أن الأمر أنكى وأمرُّ ربما في بعض الدول. إنهم بهراوات الشرطة وأقلام المثقفين العملاء إرهابيون لا يتركون مجالا لراحتهم ونومهم ولا راحة ونوما هنيئا لغيرهم . "عدلت فنمت يا عمر" وإن كان عمر مات مقتولا، فإننا نستعمل هذه المقولة للعبرة فقط .

وبعد هذا فإن الذين يكيدون بالليل والنهار، ويتحالفون تارة مع الأنبياء إذا اقتضى الحال وكأنهم مؤمنون وأخرى مع الشيطان إذا كان ولابد من ذلك. فتجدهم في الشيطنة بارعون، ويظهرون ألف وجه ووجه سواء كانوا من النخب المثقفة خريجي المعاهد العليا في النفاق والتدريب على الشقاق أو من السفلة الغوغاء. إن هؤلاء هم الذين كلما افتضح أمرهم أنكروا القول بالمؤامرة وسموها مجرد " نظرية" !! كأن ما يوجد بهذا العالم من مخابرات، وبوليس سري واتفاقيات سرية ومعاهدات ونقض للمعاهدات وتكثلات وتحالفات ، وتسلح في الخفاء، وانقلابات، ورشاوى في الانتخابات وغيرها، وتدليس ونصب واحتيال في المؤسسات المالية والبنكية والتجارية، وتواطؤات سياسية للحكام حتى ضد أبناء الوطن مع الخارج ، وهلم جرا مما يندى له جبين الإنسانية إن كان لها جبين ، غير كاف للتدليل على وجود المؤامرة . ولو أخذنا ما تقوم به الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل وحدهما في العالم لكان كافيا للتأكيد على أن المؤامرة موجودة فعلا وليست مجرد " نظرية" وأن هناك ما يبرر بالفعل الإحساس بالأضطهاد عند كل ذي ضمير شريف وغيور على كرامة الإنسان. بل إن الزنديق العتل الفاسق الزنيم هو الذي يعتقد أنه محمي وما هو بمحمي، فينام في هناء وراحة وما هو إلا هناء وراحة حمار في إسطبل. فطوبى له حماريته. والمؤسف حقا أن هناك من النخب المثقفة ممن ضمنت شواهدها العليا تحظى بنفس الترف " التَّاحِماراتي" هذا، بينما نجد أشخاصا أميين أو يكادون لهم من عزة النفس والشهامة ما يحسدون عليه لكنهم بالطبع لهم إحساس متقدم بالاضهاد لمَّا كانوا مضطهدين فعلا.

لماذا قتل الطبيب مايكل جاكسن كما أثبت التشريح؟ ولماذا أدخل هندوسي خنجره في بطن غاندي؟ وما سبب ملايين الوفيات المفاجئة؟؟ مجرد حمقى قاموا بقتلهم دون سبب! بعدما كان المعارِضون متهمون بالمرض النفسي أصبحوا للأسف ضحايا مرضى نفسيين !!! يا له من منطق أخرق، وكلام طغاة عتاة أرادوا الشر لهذه البشرية فما تركوها تهدأ أو تهنأ.

رب من قائل سيقول أن هناك فعلا من يتدرع بوجود مؤامرة وينسب كل شيء إلى متآمرين ضده. وما يوجد متآمر إلا هو نفسه ولا مآمرة إلا مآمرته. أرد على القائل أن هذا عين الدليل على وجود المؤامرة من جهتين: أولها أنه هو المتآمر الأول مع المثقفين المشكلين لماكينة الإعلام وللجوقة النحاسية المصاحبة له حين يوهم الناس بالمؤامرة ، وثانيها أن الناس ما صدقوه أو اعْتقدَ أنهم صدقوه لولا كثرة المتآمرين حوله فعلا!

ومن جديد المؤامرات على الناس هو القول " بنظرية المؤامرة " !! أي نعم! بعد أن وضحنا بما لا يدع مجالا للشك بوجود المؤامرة سواء عند مرتكبيها أو موهمي الناس بارتكابها ضدهم، لا بد أن نفضح أولئك الذين يتآمرون ضد السذج من أجل إقناعهم بأنه لا توجد مؤامرات وإنها هي مجرد " نظرية " هههههههه ! إن القول ب" نظرية المؤامرة" هو مؤامرة في حد ذاته لأنه يسعى إلى تذليل الطريق لها وتنويم الناس تنويما حتى لا يكتشفون أحابيل الماكرين من ذوي الجاه والسلطان أوالحواسيب والأقلام أو الغوغاء من العوام.

هذا قولي عن المؤامرة التي لم تفارق الإنسان أبدا فصاحبت العِلية من ذوي العِلم والحل والعقد كما صاحبت الغوغاء والرعاع منتهجي الحقارة من أجل التسلق والوصولية. وهذا قولي لأولئك الذين لم يحصلوا قط على دكتوراه في الطب ولا علم النفس وتجدهم كلما خار عزمهم وأعوزهم الدليل والحجة لم يجدوا سبيلا للخروج من المأزق سوى إرسال سيل من " تشخيص" أمراض غيرهم في رمشة عين! ومن خلال مقال أو تعليق يكتشفون بسرعة الضوء أن مخالفهم يعاني من فصام أو مازوشية أو سادية أو تضخم في الأنا أو ...إلخ . ولو أدرك هؤلاء أنهم بحاجة أيضا إلى تشخيص لحالتهم النفسية وهم يُستفزون من مجرد سؤال ( اللي فيه الفز كاي اقْـفز ههههههه ) وأن ما يعرفونه من أمراض ليس محسوما فيه أصلا، وأن التشخيص يتطلب عدة جلسات مع طبيب مختص وقد يكون بدون نتيجة إذ أن كثيرا من الأطباء لا يتوصلون إلى تشخيص. قلت : لو علموا هذا لارعووا ، ولعرفوا قدر معرفتهم وقدر قيمتهم بل وحدود علم النفس في تشخيص الأمراض. لكنهم في جهلهم يعمهون ويظنون أنهم أُوتوا من العلم والمعرفة ما يَنْظُرون به إلى غيرهم كمجرد حشرات من السهل فحصها أو تلقينها درسا في نظرية المؤامرة يكون مُنوِّماً لها. أو يعتقدون إحراج شريف طاهر بإيهامه بالمرض النفسي وتوهم المؤامرة ضده. ما نام أحد ولا كان أحد مريضا إنما هو صراع شرفاء ضد أنذال - من النخب المثقفة واحسرتاه - يتآمرون مع الطغاة ويسمحون لأنفسهم بمس أعراض الغير وإرسال الشتائم بطريقة ملتوية تشبه التشخيص وما هو بتشخيص، وتشبه التعليم وما هو إلا تضليل. " يحسدون الناس حتى على موتهم ويا أسفاه" .

عبد الغني بنكروم - كندا

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1255 الاحد 13/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم