أقلام حرة

الرواتب .. خط أحمر أم أسود؟!

asmaa mohamadmustafaنسمع تصريحات المسؤولين من على شاشات الفضائيات .. الرواتب خط أحمر .. أحمر .. أحمر، ويعني ذلك أنّ المسَّ بها في ظل ظروف التقشف، كتقليلها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها المواطن، او تعطيل صرفها في مواعيدها المعتادة، ليس حلاً للأزمة المالية التي يمر بها البلد .

ولكن التصريحات التي تدخل في خانة الكذب والشعارات الفارغة شيء، والإجراءات على أرض الواقع شيء آخر .. فماتعطيك إياه الدولة بيدها اليمنى، تأخذه منك او تأخذ ماهو أكثر منه بيدها اليسرى .. فلاتعلم يمناك او يسراك ماذا أعطتك الدولة !!

مايجعلك تتساءل .. أأنت الذي أسئَت إدارة اقتصاد البلد حتى تتحمل العواقب ؟ أأنت الذي أفرغت خزينة البلد مع حرامية العصر من غير أن تكون لديك القدرة على صب الزيت عليهم كما فعلت كهرمانة؟! ولماذا حين اليسر تُفتَح خزائن العراق للسُرّاق، وحين العسر (تعال يامواطن) واملأ الخزانة برقعة ثوبك وجيبك شبه الفارغ؟!! وإذا تطلب الامر خلع ثوبك البالي فاخلعه لتنقذ البلد من الأزمة .

نعود ثانية الى موضوعة الاستقطاعات .. وأولها الاستقطاع التقاعدي، إذ كان من المؤمل، قبل انخفاض أسعار النفط، زيادة الرواتب من الدرجة الدنيا الى الدرجة الرابعة بنسب معينة لم تكن عادلة او محسوبة جيداً، ليطبق في ضوئه قرار زيادة الاستقطاع التقاعدي الى نسبة 10 بالمائة من الراتب الشهري، وقد طبقت بعض الدوائر سلم الرواتب الجديد، وبعضها لم يطبق .. ولكن الاستقطاع التقاعدي الجديد شمل الجميع وبأثر رجعي ! وقيل إنّ نسب الاستقطاعات فيها خطأ وخداع للموظف يصب في مصلحة الرواتب التقاعدية لأصحاب الدرجات العليا .

وإذا ماجئنا الى موضوع الاستقطاع الضريبي الجديد الذي سيلتهم من الراتب نسبة كبيرة أيضا، وبلااستثناءات، فسنجد أنّ استقطاع ضريبة الدخل سيكون باباً للتأثير السلبي على الموظف لاسيما مع استيفائها من راتبه بأثر رجعي يشمل مامضى من أشهر هذه السنة، وربما السنة التي سبقتها . وعادة يدفع المواطن في الدول المتقدمة ضريبة لقاء خدمات عامة تُقدَم له، فأين هي الخدمات الجيدة او المقبولة في بلدنا كي يدفع الموظف ضريبة عالية، لايثق أين ستذهب بالضبط ؟!

وماقيمة الراتب إذا ماحسبنا الاستقطاعات التقاعدية والضريبية وزيادة أجور المولدات الأهلية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وبدلات الإيجار وأجور الأطباء .. الخ، أضف اليها مايمكن أن تبتكره الحكومة ومجلس النواب من استقطاعات مستقبلية في محاولة لتغطية سرقات المال العام والفساد المالي الذي يقف أيضا وراء الأزمة المالية .. فهم يسرقون ويتقاسمون المناصب والغنائم، ويشرعون في الوقت نفسه مايؤذي الناس ويجعلهم يدفعون الثمن .. فأيّ رواتب تلك التي توصف من قبل المسؤولين بالخط الأحمر ولايجوز الاقتراب منها؟!

إنّ الراتب يمكن أن يكون بأي لون باستثناء الأحمر .. بل هو خط أسود في بلد باتت الحياة فيه (سودة مصخمة) بسبب الفساد الذي ينخر جسد العراق، وبفعل حكومات ومسوؤلي ونواب الفساد والمحاصصة والافتقار الى الخبرة السياسية والاقتصادية .. خبرتهم الوحيدة هي سرقة البلد وجعله يحترق بمواطنيه ..

لماذا لايكلفون أنفسهم قليلاً ويطلعون على تجارب البلدان التي تجاوزت أزماتها المالية بطرائق اقتصادية على جانب كبير من الحكمة ومراعاة ذوي الدخل المحدود، للاستفادة من خبراتها، أم إنّ هذا يصعب على قوم اختاروا أسهل السبل عادةً، وهو استهداف جيب المواطن ومعاقبته باستمرار، وماعليه، وهو يرى جيبه يخف وزنه أكثر فأكثر بينما تكبر كروش سارقيه بسرعة قياسية، سوى أن يغني (بخيرهم ماخيروني .. بشرهم عمّو عليّ) !!

 

أسماء محمد مصطفى

 

في المثقف اليوم