أقلام حرة
كيف تواجه تونس الإرهاب؟
العملية التي قام شاب تونسي في مدينة سوسة بالجمهورية التونسية وهو في مقتبل العمر وله من الأماني والأحلام التي يمكن أن يحققها في حياته ولكنه اختار الموت على الحياة، تنبئنا الكثير من الدروس والعبر، إنها تعبر عن حالة اليأس والإحباط التي عليها الشباب التونسي رغم أن بعضهم من المتميزين دراسيا إلا أنه اختار هذا الطريق بإرادته لإنهاء حياته بنفسه وحياة أبرياء آخرين معه، فضلا عن زرع رعب كبير في صفوف الآمنين، وعوض أن نزرع الاتهامات هنا وهناك دون دليل، على المسؤولين البحث عن السبب الذي دفع هذا الشاب على الإقدام على مثل هذا العمل الممنوع، لا بد أن نبحث عن جذور المشكلة ودوافعها وأسبابها ونحاول إيجاد الحلول المناسبة لخدمة تونس على المدى الطويل، فليس كافيا أن نندد أو نشجب أو نعزز الأمن بالبلاد طولها وعرضها أو نعلن حالة الطوارئ، فهذا وإن كان جزءا من الحل فلا يكون الحل كله، بل علينا أن نفكر في أبعد من هذا كله، وإلا فكيف نستطيع أن نواجه 3000 شاب تونسي يقاتلون اليوم في سوريا والعراق، ينبغي أن نعترف أن لدينا مشكلة والمشكلة هي في شبابنا.
لا شك أن الكبت الذي مارسه بن علي طوال 23 سنة الماضية كان له دور كبير في تطرف الشباب نحو اليمين أو اليسار، فبعد الحقبة البورقيبية نشأ الشباب التونسي في ظل نظام لا يعرف الديمقراطية، نظام بوليسي يتصيد الشباب المتدينين وهم الذين نشأوا للتو، يحبون أن يتدينوا، أن يشبعوا أرواحهم بالنفحات والبركات بعد أن ملوا حياة الصخب واللهو، رأوا أن المتعة زائلة وأنها لا تنشر فيهم السعادة، بل تصيّرهم مكتئبين، وتسير بهم نحو الهاوية ولا لذة يشعرون بها أمام الضغوطات الاجتماعية والحالة المتواضعة التي كانت عليها أسرهم، فمنهم من سلك طريق المخدرات والانتحار للقضاء على حالة الكآبة التي وصل إليها لأنه لم يحقق شيئا في حياته يذكر ولم يتمتع في حياته بحياته وهو الشاب صاحب القوة والفتوة، يرى الآخرين أعداء يريد الانتقام منهم بأي طريقة من الطرق، وجد منفذا لم توفره له الدولة، بمعنى لم تعتن به ولم تشركه في الحياة السياسية ولم تأخذ برأيه ولم ترفع شأنه ولم تقبل رأيه بل أهملته فتربى في أحضان الوكر الإرهابي الهمجي الذي يرى مخالفه عدوا له يجوز قتله بأي حال من الأحوال.
فعندما نحلل الأسباب تتراءى لنا المشكلات النفسية التي يعاني منها كثير من الشباب التونسي اليوم، فهو يعيش حالة من التذبذب، ولم يعد يصبر على حالته التي يعيشها، يريد أن يخرج إلى الحياة بنفس جديد يخدم البلاد ويخرجها من أزماتها لكن الكبار يبدو أنهم يصدّونهم ولا يمنحونهم الفرصة، كلما حاول أحدهم اقتحام الميدان وجد صدا منيعا، فلجأ إلى أساليب أخرى للفت أنظارهم إلى المشاكل التي يعانيها، وما إقدام هذا الشاب على هذه العملية إلا دليل واضح على لفت المسؤولين إلى مشكلة حقيقية يعاني منها بعض الشباب التونسي، وعلى الدولة أن تسعى إلى معالجتها بطريقة سلمية لتتفادى بالتالي عمليات أخرى قد تكون أخطر.
هذا الشاب رأى من وجهة نظره ربما أو من وجهة نظر من دفعه إلى هذه الجريمة أن منكرا قد حصل في نهار رمضان، سياحا عريا على الشاطئ يلهون ويمرحون وينتهكون حرمة شهر رمضان ويرتكبون المعاصي والموبقات، و- هنا أتكلم بلسانه- هناك من قال له الحديث النبوي الشريف الذي يوجب على المسلم أن يغير المنكر إذا رآه وهو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رأى بعد تفكير أنه يقدم على التغيير بالفعل لأنه الأقوى ويريح فاعله بأن الجنة مآله دون تمحيص للحديث وتفكير في جميع جوانبه، إذ أن تغيير المنكر لا يقع بقتل الناس مهما كان المنكر، فالإسلام يحرّم قتل النفس بنصوص واضحة وصريحة من الكتاب العزيز، "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" وقوله تعالى " ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" وغيرها من الآيات الكريمة، فهو دين سلم وسلام حتى مع اليهود والنصارى، لا يجوز للمسلم أن يعتدي على آخر بدعوى تغيير المنكر باليد الناص في الحديث الشريف، فتغيير المنكر باليد له جوانبه وشروطه الخاصة التي اتفق عليها العلماء والمجتهدون، وليست كما يعتقدها هذا الشاب الذي غُرّر به وألقي به في بحر المواجهة التي لم يردها لولا الاندفاع والحماس والتغرير غير المبرر من قبل جماعات همّها تدمير الشباب من الداخل.
فهؤلاء الشباب هم أبناؤنا يجب الاعتناء بهم نفسيا واجتماعيا، لا بد من إعادة تأهيلهم، لأنهم يعيشون حالة من التوحد الفكري، يحتاجون إلى من يعينهم ويرشدهم للطريق الصحيح، يحتاجون إلى مراقبة من الأهل ومن المقربين، تضع برامج لاحتواء الشباب وتتميتهم فكريا وسياسيا ودينيا، ليكونوا شركاء فاعلين في الحياة العامة، وينشأوا صالحين بناة لبلدهم ومدافعين ومنافحين عن وطنهم، فهل تونس مستعدة فعلا لهذا البرنامج التأهيلي والتربوي لتبعد عنها شبح الانهيار كما الباجي القائد السبسي رئيس الدولة.