أقلام حرة

وحوش الدوائر الرسمية

tarik alrobaieاستدعت الظروف الأمنية التي يمر بها العراق منذ العام 2003 وحتى الآن إلى تكثيف الحماية على المؤسسات والدوائر الحكومية، لغرض بسط النظام فيها، وحماية الموظفين والمراجعين على حد سواء، من خطر العصابات الإرهابية، ومن كل من يحاول الإخلال بالقانون . وأصبح منظر عناصر الأمن من الشرطة والحراس الأمنيين وهم يقفون على أبواب تلك الدوائر أو يتجولون داخل أروقتها من المناظر المألوفة والباعثة على الاطمئنان، ومن الطبيعي أن تتوطد العلاقة بين عناصر الأمن هؤلاء وبين الموظفين بحكم تواجدهم في مكان عمل واحد .

إن من الأمور الشائعة التي تحصل في الدوائر الرسمية بشكل يومي تقريبا هي حالة الاختلاف وعدم الانسجام بين الموظف وبين المراجع، بسبب الروتين وتقاعس الموظفيــن والتعقيدات والتلكؤ في انجاز المعاملات.. ولكن المستنكر في ذلك يكمن في الطريقة التي يتعامل بها عناصر الأمن مع هكذا حالات، فهم في كل الأحوال منحازون لصديقهم الموظف، المعصوم من الخطأ !، أما المراجع المسكين فهو المخطئ والمتجاوز دائما، لذا فهم يحيطون به إحاطة الضواري الجائعة بفريستها، دون أن يصغوا له أو يتعاملوا معه وفقا للقانون الذي يعطي كل ذي حق حقه بلا تمييز أو محاباة .

إن الكثير من مشاعر الحقد والكراهية، التي تعتمل في نفس المواطن مصدرها مثل هكذا حالات، فحراس الأمن والموظفون المتواجدون في الدوائر الرسمية هم واجهة الدولة وصورتها أمام الناس، وأية ممارسة خاطئة منهم تنعكس سلبا على الحكومة برمتها في نفس المواطن، الذي يأتي مراجعا لدائرة معينة وهو محمل بالكثير من أعباء الحياة، منتظرا أن يُعامل بكل ود واحترام وتسامح .. ولكنه يُصدم ببعض الموظفين الذين يعاملونه معاملة المالك الجشع للمستأجر الضعيف، وتكون صدمته أشد عندما يجد حماة القانون لا ينصفونه . يجب أن لا يقتصر إعداد الحراس الأمنيين إعدادا عسكريا وامنيا فقط، ونزج بكل من هب ودب بهذه المهنة الحساسة، بل يجب انتقاؤهم بعناية فائقة، وإخضاعهم لدورات تثقيفية بالممارسات القانونية وحقوق الإنسان، وترسيخ قيم العدالة والمساواة بين المواطنين في وجدانهم، وان تكون هناك رقابة حكومية صارمة على مدى التزامهم بأخلاقيات المهنة .

إن هذه حالة واحدة من حالات عدة يعاني منها المواطن العراقي، وهي مصدر للكثير من المشاعر السلبية التي تعتمل في نفسه، وتفقده الثقة بدولته وبمؤسساتها . إنها قد تبدو صغيرة للبعض، ولكن علينا أن نتذكر دائما بأن كرة الثلج الكبيرة المتدحرجة من قمة جبل كانت في بدايتها صغيرة أيضا !.

 

طارق الربيعي

في المثقف اليوم