أقلام حرة
الناس على ديــن ملوكها
تلك مقولة فيها الكثير من الصحــة والمصداقيـة، منذ أن وجدت الأنظمة وهيمن الملوك والرؤساء على الشعوب، وأجبروهم على أنماط سلوكية وثقافية معينة تتماهى مع توجهاتهم. التأريخ يحدثنا إنه في زمن الحجاج ابن يوسف الثقفي كان الناس إذا تلاقوا يتساءلون: من هو الذي قُتل بالأمس، من هو الذي صُلب، من هو الذي قُطع رأسه .. وفي زمن سليمان بن عبد الملك الذي كان مولعا بالشراب والأطعمة والحفلات الباذخة، كان الناس يتحدثــون عن أنواع المأكولات ولذائذها، ومفاتــن الجواري، ومتعة السراري، وأصوات المغنيات. بينما في زمن عمر بن عبد العزيز كانوا يتداولون في لقاءاتـــهم ويسأل بعضهم البعض كم تحفظ من القرآن، كم ركعة تصلي في الليل، وكم يـــوما تصوم في الشهــر، وهل تنوي الحج هذه السنة؟ .. وفي قفزة سريعة على التأريخ نصل بها الى هذا الزمن في العراق لنــرى الناس يسأل بعضهم البعض: هل تعرف السيد الفلاني؟ هل لديك واسطة؟ هل أنت مستفيد من مكانك الحالي في المؤسسة الرسمية، أم أنت مسكين لا يتحصل إلا على راتبه الشهري؟! . هل أنت بحاجة إلى شهادة مزورة؟. هل تصلي في مسجد الحزب الفلاني أم لك مسجد آخــر؟. لو كان الأمر بيد الزعيم الفلاني لساد الأمن وتحققت العدالة . لو أمسك فلان بزمام الأمور لدمر العراق من أقصاه إلى أقصاه . هل سمعت بعدد الضحايا الذين سقطوا اليوم؟ فيجيب الآخر بلا مبالاة نعم سمعت رحمهم الله .
ثم تجد إن تشويه الأخلاق، وعدم التعامل وفقا للقيم الإنسانية والمبادئ الدينية أصبحت تشكل ظاهرة عامة لدى الناس، الذين بدأوا يسلكون طرقا ملتوية لتحقيق مآربهم الشخصية دون الاهتمام لما تحدثه من أذى وضرر كبيرين على بقية أفراد المجتمع . تجد إن الناس أصبحوا كالسباع الضارية يهر بعضها على بعض، وإن المروءة والنخوة والكرامة أصبحت مفاهيم في طور التلاشي والاختفاء . وان مفاهيم أخرى بدأت تظهر وتفرض نفسها على السلوك الجمعي كالنفاق والتملق والاحتيــال ووضع الأقنعة المختلفة، وتبديل المواقف بسرعة كما تبدل الأفاعي جلدوها وبحسب الحاجة .
كل شيء أصبح مباحا، وكل الطرق مشروعة، مادامت تؤدي الى نتيجة واحدة، وهي المنفعة الشخصيــة، حيث سادت روح الأنانية في البنية النفسية للمجتمع . بالتأكيد نحن لا نستغرب من ذلك فان الناس وفي كل زمان ومكان ينتهجون سلوكيات ملوكهم وزعماءهم، ويتشربون من الثقافة التي تسود وتفرض نفسها . إنه زمن الإسلام السياسي . زمن الفساد، والإرهاب، وغياب العدالة الاجتماعية، والمحابــاة، وضياع الحقوق .. . ولا سبيل لتغيير قيم المجتمع الحالية بقيم أخرى جديدة أكثر إنسانية، إلا بإزاحة هذه الأحزاب المتناحرة والفاقدة للثقة فيما بينها، والتي لا تنظر للعراق إلا كفريسة يجب نهشها، واقتناص أكبر الحصص منها .
طارق الربيعي